الإعجاز العلمي في القرآن د, عبدالله فهد اللحيدان |
شهر رمضان هو شهر القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه,,,) آية 185 سورة البقرة, فوسط هذا الجو الروحاني الذي يوفره صيام الانسان عن الاكل والشرب والشهوات ترتقي النفس البشرية وتقبل على تلاوة كلام الله سبحانه وتعالى, وقراءة القرآن بحد ذاتها مفيدة للإنسان دينيا وصحيا وإذا قرنت القراءة بالتدبر والفهم والتطبيق يرتقي الإنسان إلى مستويات عالية ويصبح أكثر سعادة لأنه أصبح أكثر فهما ويقينا,, والحقائق العلمية الحديثة إذا كانت قطعية لا تتعارض مع القرآن، بل جاء في العديد من المواقع ما يثبت اعجاز القرآن لإخباره عنها قبل اكتشاف العقل الإنساني لها بعشرات القرون, وهنا تكمن حكمة إلهية بعدم اخبار الله سبحانه وتعالى بكل العلوم دفعة واحدة بل ترك الله العقل البشري ينتقل بقدرة الله من جيل إلى جيل مما هو مستحيل عقلياً إلى ما هو ممكن ليعرف الإنسان يقيناً ان ما فوق قدرة عقله وحواسه موجود وممكن.
ويؤكد الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله رحمة واسعة انه لا توجد حقيقة علمية واحدة تتصادم مع ما ورد في القرآن الكريم ولكن هذا التصادم يأتي احيانا عن حقيقة قرآنية أسيء تفسيرها لتبدو في غير معناها الحقيقي أو أحيانا أخرى إلى حقيقة علمية كاذبة (أو ليست قطعية) يحاول البعض استغلالها ضد القرآن, ويبين الشيخ الشعراوي أننا لا نريد أن نثبت القرآن بالعلم بل ان العلم هو الذي يجب ان يثبت ويلتمس الدليل من القرآن، ذلك أن القرآن أصدق من أي علم من علوم الدنيا فقائل القرآن هو الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون والأدرى بقوانينه وأسراره, ويورد الشيخ الشعراوي مثالاً على اساءة تفسير الآيات بحيث تتصادم مع حقيقة علمية باعتقاد بعض العلماء ان معنى قول الله سبحانه وتعالى في صورة ق (والأرض مددناها) ان الأرض مبسوطة ولا يجوز القول بكرويتها بل لقد كفر بعض العلماء من يقول إن الأرض كروية لأنه يخالف في رأيهم القرآن الكريم ويبين الشيخ بأن هذه الآية بالذات تثبت كروية الأرض ذلك أنك أينما تنظر إلى الأرض تراها مبسوطة: إذا كانت في خط الاستواء (وسط الأرض) فالأرض امامك مبسوطة وممدودة وإذا انتقلت إلى القطب الشمالي فالأرض أمامك مبسوطة وإذا انتقلت إلى القطب الجنوبي فالأرض امامك مبسوطة وإذا كانت في أوروبا أو أمريكا أو آسيا أو أي قارة فالأرض أمامك مبسوطة, الأرض مبسوطة أمام البشر جميعا في كل موقع موجودين فيه وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا كانت الأرض كروية، فلو أن الأرض مسطحة أو مربعة أو مثلثة أوفي أي شكل آخر لوصلنا فيها إلى حافة وحيث انه لا يمكن أن تصل في الأرض إلى حافة فالشكل الوحيد الذي تراه مبسوطاً أمامك ولا يمكن ان تصل فيه إلى حافة هو أن تكون الأرض كروية.
وكلام الشيخ الشعراوي عن عدم تعارض القرآن والعلم ليس جديداً فقد أخبر شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله رحمة واسعة انه لا تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح فالعقل في هذه العبارة يرمز للعلم بكافة اشكاله والنقل يعني القرآن والسنة, فلا يمكن ان يحصل تعارض بين العلم إذا كان قطعياً وثابتاً وبين القرآن والسنة إذا كان صحيحاً بطرق النقل المعتبرة, فإذا حصل هذا التعارض فهو وهمي لابد من مزيد من البحث والدراسة لكشف سبب التعارض, فقد يكون السبب هو وجود ثغرات في الحقيقة العلمية تشكك ولو بنسبة ضئيلة بثبوتها أو قد يكون خطأ في النقل عبر الاجيال (وهذا ليس وارداً بالنسبة للقرآن لأنه نقل إلينا بالتواتر لكنه قد يكون وارداً في بعض الأحاديث والسنن) أو يكون خطأ في فهم وتفسير النص المنقول, ولنضرب مثالاً على ذلك بحديث الذبابة, فقد نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه في الاناء ثم ليشرب ما في الاناء أو كما قال صلى الله عليه وسلم, طبعاً هذا في حالة شح المياه كما هي حال معظم البلاد الصحراوية, وقد أثبت العلم الحديث أن الذباب ينقل الجراثيم والقاذورات وبالتالي فشرب الماء الذي وقع عليه الذباب ضار بالصحة, هنا قد يبدو ان هناك تعارضاً بين الحديث والعلم فما الحل؟ الحل هو مزيد من البحث والدراسة من علماء الحديث ومن علماء الصحة حتى نزيل هذا التعارض فهذا التعارض هو حتماً وهمي, والاسلام يحثنا دائماً على العلم والبحث والدراسة, طبعاً ثبت فيما بعد ان الذباب يحمل في أحد جناحيه جراثيم وبكتيريا معينة ويحمل في الجناح الآخر بكتيريا مضادة لها وفي حال غمس الذباب بالكامل تقضي هذه على تلك، واصبح هذا الحديث مثالاً على الاعجاز العلمي في السنة.
ومن الاعجاز العلمي في القرآن كذلك وصف الله سبحانه وتعالى لمراحل نمو الجنين والتي اثبت العلم دقتها والمتمثلة بقول الحق سبحانه وتعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) سورة المؤمنون الآيات 12 14, ويعلق الشيخ الشعراوي في تفسيره لهذه الآيات ليقول: ما الذي يجعل محمداً عليه الصلاة والسلام يقتحم هذه القضية ويقولها في القرآن الكريم وهي قضية يمكن ان تهدم الايمان من أساسه, فالقرآن كلام الله المتعبد بتلاوته ولا تغيير ولا تبديل إلى يوم القيامة, ماذا يمكن ان يحدث مع تقدم العلم لو ظهر ان هذا الكلام غير صحيح؟ وكيف لقضية الايمان ان تستمر؟ ولماذا يخاطر محمد عليه السلام في شيء كهذا, لم يطلب منه أحد أن يتحدث عنه أو يتحداه فيه ولكن لأن الخالق هو الله والقائل هو الله, لقد جاء الحديث عن الأجنة في القرآن الكريم قبل أن يصل إليه العلم,,, ثم اكتشف العلم صحة كل كلمة في القرآن, أنه تحد وتحد من الله سبحانه وتعالى,(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) فصلت الآية 53, نعم فالله سبحانه وتعالى يري البشر الآيات والدلائل في الآفاق المحيطة بالأرض في القمر وفي المريخ وفي كل ما يحدث من محاولات الكشف عن أسرار الكون ثم يريهم الآيات والدلائل في أنفسهم وما يكتشفه الإنسان كل يوم عن نفسه من أسرار كلها تقود في النهاية عند ذوي العقول السليمة إلى الإيمان واليقين.
|
|
|