طباق وجناس حلال للطير من كل جنس! محمد أحمد الحساني |
قبل ما يزيد عن ربع قرن من الزمن كانت وزارة المعارف تقوم بتوزيع خريجي المعاهد الثانوية التابعة لها على القرى والمدن البعيدة والمناطق النائية بحجة عدم وجود توافر في المدن الكبرى، بينما كان يوجد في كل مدرسة بهذه المدن مالا يقل عن عشرة معلمين متعاقدين من دول عربية شتى بما في ذلك المرحلة الابتدائية وكان المتخرجون الجدد الذي قدر عليهم ان يعملوا ردحا من الزمن في مناطق نائية ثم أعيدوا بعد ذلك إلى المدن الكبرى يتعجبون كثيراً عندما يرون المدارس التي وجهوا إليها في المدن تعج بالمعلمين المتعاقدين ويتساءلون عن معنى حذفهم عن مدنهم آلاف الكيلومترات مع ابقاء المتعاقدين في المدن مع ان ابن الوطن أحق بهذا التميز ولاسيما أن المتعاقد القادم من دولة عربية لن يكون الفارق بالنسبة إليه كبيرا سواء عين في جدة أم عرعر لأنه في الحالتين بعيد عن وطنه وأهله، ولكن الفارق كبير بالنسبة لمواطن من جدة عين في بيشة على سبيل المثال مع العلم ان المدن النائية كانت في تلك الفترة نائية ومتخلفة جداً وقد تغير وضعها حاليا بعد ان عم التطور والنهضة معظم انحاء البلاد.
ولأن ذلك الوضع شاذ وغريب فقد تم في حينه الضغط الاجتماعي على وزارة المعارف، وربما على رئاسة تعليم البنات لتغييره حتى صدرت الاوامر إلى جميع ادارات التعليم بألا يبقى في المدن الكبرى من المتعاقدين إلا من يثبت عدم وجود بديل له من ابناء الوطن، وأذكر انه كان في المدرسة الابتدائية التي كنت اعمل بها ستة متعاقدين خيروا بين العمل في مدن ومناطق نائية او ترك العمل او السفر إلى بلدانهم فقبل خمسة منهم واعتذر واحد فقط لظروف اجتماعية قاهرة وقدم استقالته وانتقل إلى عمل بسيط في مؤسسة خاصة، وحل محل الآلاف من المتعاقدين آلاف من المواطنين المعينين في المناطق النائية او المتخرجين حديثا، وهكذا لم يعد في المدن أي متعاقد او متعاقدة يستطيع مواطن أو مواطنة القيام بعمله او عملها وهذا هو الوضع السليم، وقد جاء الوقت الذي لا توجد فيه وظائف تعليمية شاغرة في المدن للسعوديين فأخذوا يحولون إلى مناطق نائية وهذا وضع طبيعي أيضا فالراغب في العمل يقبل به في أي مكان داخل الوطن ولاسيما إذا تحققت العدالة في التعيين والنقل بعد حين!
ويبدو أن الزمن يعيد نفسه مرة أخرى، ولكن هذه المرة في مجال الصحة وبرعاية وزارة الصحة، ففي الوقت الذي تعج فيه المستشفيات الموجودة في المدن الكبرى والمتوسطة بعشرات الآلاف من الاطباء والطبيبات القادمين والقادمات من دول شتى فإن طبيبات سعوديات متخرجات منذ عامين او ثلاثة اعوام يعانين من عدم وجود فرص وظيفية لهن في المدن اللاتي يسكن فيها، وإذا راجعن وزارة الخدمة المدنية او وزارة الصحة عرضت عليهن مدنا ومناطق نائية يراد من الطبيبة السعودية السفر للعمل فيها وهذا الامر لا غبار عليه لو أن جميع مستشفيات تلك المدينة او المحافظة لا تحتاج إليها او إلى تخصصها، اما ان تستقبل هذه المستشفيات المئات في كل شهر من الطبيبات العربيات والهنديات وغيرهن ثم يقال للطبيبة السعودية إذا أردت الوظيفة فسافري إلى عقلة الصقور مثلا فهذا اجراء غير سليم وغير منطقي ولابد من تعديله بقرار صارم لا يترك مجالا للاجتهاد والمجاملات بحيث بلا يبقى في المدن من الاطباء والطبيبات المتعاقدين والمتعاقدات إلا من تحتاجه مصلحة العمل ولا يوجد من يحل محله او محلها من المواطنين، كما حصل بالنسبة لقرار الاحلال الذي طبقته وزارة المعارف ورئاسة تعليم البنات على المعلمين والمعلمات المتعاقدين والمتعاقدات.
لقد كان آخر ما قرأته من معاناة الطبيبات المواطنات اللائي تخرجن ولم يجدن عملا حتى الآن على الرغم من مرور اكثر من عامين على تخرجهن ما كتبه الزميل الاستاذ مقبول الجهني في جريدة المدينة المنشورة بتاريخ 12/8/1420ه تحت عنوان خريجات طب الاسنان بلا وظيفة حيث ذكر في مقاله ان فروعات طب الاسنان لعامي 97 و98 الحاصلات على سنة الامتياز لم يوظفن حتى الآن ولاسيما الراغبات منهن في وظيفة بمدينة جدة حيث ذووها هذا مع توفر عشرات بل مئات الوظائف للتخصص نفسه وعليها حاليا اطباء وطبيبات من شرق العالم وغربه قد يكونون اقل كفاءة واخلاصا من الطبيبة السعودية!؟
لقد قرأت من قبل دراسات احصائية صادرة عن وزارة الصحة تفيد ان المملكة ستصل إلى توفير ما نسبته ثمانين فيالمائة من حاجتها من الاطباء في عام 2050م أي بعد نصف قرن وأن الحاجة للاستقدام ستظل قائمة لعشرات السنوات القادمة، فإذا كان الامر كذلك فلماذا لا ترتب المسألة بطريقة متوازنة بحيث يعطي الطبيب او الطبيبة السعودية الأولوية في حق العمل في المدن التي يعيشون فيها او المدن الاقرب لهم ويوجه المتعاقدون إلى المدن الاخرى حسب الحاجة بدل هذه اللخبطة التي لا داعي ولا مبرر لها على الاطلاق، هذا إذا أردنا البحث عن مبرر منطقي اما إذا كان المقصود البحث عن أعذار واهية فما اوفر الاعذار!
إن بالامكان ان نفهم لماذا تحافظ الصحة على طبيب او طبيبة متعاقدة من تخصص نادر او على مستوى عال جداً من الجودة المهنية لا تتوفر في مواطن سعودي، فيبقى مثل هؤلاء وعددهم محدود في المدن الكبرى، اما الآخرون فلا لزوم لبقائهم فيها بينما يحرم مواطن أو مواطنة من حق العمل في مدينته التي يعيش فيها او من حق العمل اصلا فهذا وضع شاذ وغير مقبول أبدا ويجب العمل على تصحيحه وشكراً.
تحليل بعيد عن الواقع!
عجبت من التحليل الذي كتبه زميلنا محرر صفحة القوى العاملة بهذه الجريدة الجزيرة ونشره في عددها الصادر يوم الثلاثاء 29/8/1420ه ومصدر تعجبي انني أحسست ان هذا الزميل يعيش على ما يبدو خارج التاريخ والجغرافيا بعيداً عن أرض الواقع، وهو يستعرض ما يقال من تفاهات حول الشباب السعودي المتهم بالكسل والفشل والاتكالية، وسبب وصفي له بالبعد عن الواقع هو ان هذه الاتهامات قد اكل عليها الدهر وشرب وأصبحت قديمة، مستهلكة وقد رددها بعض رجال القطاع سنوات طويلة حتى اضحت كالاسطوانة المشروخة ولم يعد يصدقها أو يصدقهم احد بعد ان اثبت الواقع الذي لا ريب فيه ان الشباب السعودي من الجنسين قد أصبح مستعداً للعمل في اي مكان وفي تنظيم الوظائف المؤهل لها في القطاع الخاص او الحكومي بما في ذلك وظائف الحراسة والامن والاستخدام والمراسلة والسكرتارية ،الحركة والصيانة بجميع انواعها والتعقيب والتسويق وما هو ادنى من ذلك وأكبر، وعليه فإن لنا ان نتعجب من هذا المحرر الذي جاء متأخراً ليردد كلاما قديما مضمونه ان الشباب السعودي يهرب من العمل في القطاع لوجود دوام يوم الخميس وانه لا يقبل العمل إلا بجوار منزله تماما، وان رجال القطاع الخاص يبحثون عن شاب سعودي قادر فقط على القراءة والكتابة وبأجر قدره ألفا ريال فلا يجدون ما يريدون!
وأقول للمحرر : إن هذا الذي تقوله لا يمت للواقع العام بصلة وان انطبق قولكم على شواذ فالشواذ موجودون حتى في المجتمع الصناعي، ولكن المسألة ترتبط بأمور اخرى في مقدمتها عدم وجود حد أدنى للاجور في القطاع الخاص وهو أمر يعد في نظر الامم المتحضرة من الحقوق الاساسية غير القابلة للتلاعب، فإذا جاء شاب جامعي طالبا العمل عرض عليه أجر عامل امي فإن لم يقبل اتهم بعدم الرغبة في العمل وإن قبل على مضض ثم انسحب بعد حين لحصوله على عمل آخر بأجر مناسب اتهم بعدم الجدية والدلال مع انه لو اعطي منذ البداية اجر المثل لعض على الوظيفة بالنواجذ وإليكم الشبان العاملون بالآلاف في المؤسسات المالية,, لماذا لم يتركوا العمل بها مع ان عملها صعب ودقيق وبداومين اضافة إلى دوام الخميس والجواب أنهم اعطوا أجوراً مناسبة فعملوا وأنتجوا وتقلد العديد منهم مناصب قيادية في الجهات التي التحقوا بها وهناك من العاملين في الحراسة والامن من يعمل اثنتي عشرة ساعة يوميا وبأجر محدود ومع ذلك لم يترك عمله، أما وظائف المناطق البعيدة وساء كانت تابعة للدولة او القطاع الخاص فإن قوائم الانتظار للالتحاق بها لم تزل موجودة في فروع وزارة الخدمة ومعظم المتقدمين على استعداد تام للعمل في أي مكان ومن يزعم غير ذلك فليثبت زعمه مع استعدادي شخصيا لتقديم قوائم بمن اعرف من الشبان على استعداد للعمل في القطاع الخاص او الحكومي وفي اي مكان في المملكة ولكن بأجر المثل بالنسبة للقطاع الخاص وليس بأجر متدن غير مقبول، أما القطاع الحكومي فإن وظائفه محددة الاجور والرواتب ويتساوى فيها الجميع كما تعلمون!
وخلاصة القول: ان المزاعم المفتوحة على مصراعيها التي يرددها بعض رجال الاعمال ومن تبعهم من الغاوين لم تعد تنطلي على احد وقد ادركت جهات الاختصاص ذلك وقررت المضي في برامج السعودة بطريقة متدرجة بحيث تعتبر جميع الوظائف التي يوجد من الشباب السعودي من يستطيع شغلها، شاغرة وينهي عقد شاغلها لإحلال مواطن محله وكان المرجو من جميع رجال الاعمال ولاسيما كبارهم ان يساهموا مخلصين في دعم برامج السعودة والمشاركين في تأهيل وتدريب ابنائهم المواطنين بدل هذه المقاومة الشرسة لهذه الخطوة الوطنية الرائدة,, والله الهادي إلى سواء السبيل!
اسم مليح ووجه قبيح!
عندما نقول الجزيرة فإن اول ما يتبادر إلى اذهاننا نحن ابناء هذه البلاد وما جاورها من دول اخرى ان المقصود بهذه الكلمة الارض الطيبة التي تحتضن الحرمين الشريفين والاصالة والنبل والصحراء الشاسعة الساحرة والمدن والقرى الموغلة في التاريخ عمراً ومجداً وعطاء، فالجزيرة اسم مليح يحمل ملامح انسانية مشرقة يحق لابنائها ان يفخروا بها بل ويجب عليهم ان يستبقوا هذا الفخر بالعمل الجاد الذي يدل على أصالتهم وأحقيتهم في الانتساب إلى هذه الارض المباركة والتاريخ العريق.
ولكن هذا الاسم المليح حملته مؤخرا محطة تلفازية فضائية يقال إنها تبث برامجها من قطر التي هي احدى دول الجزيرة أو شبه الجزيرة ان اردنا المزيد من الدقة في التسمية الجغرافية وهذه المحطة بنت برامجها على طرح الخلافات العربية سواء كانت سياسية او فكرية او دينية او اقتصادية او اجتماعية على بساط البحث ومن خلال بث مباشر أو هذا النهج قد يكون سليما لولا ان بعض معدي ومديري هذه البرامج قد اتخذوا من شعار المصارحة والرأي والرأي الآخر وسيلة لإيقاظ الفتن وهدم الثوابت ومحاولة حلحلة العديد من المفاهيم السياسية والدينية والاجتماعية بطريقة مريبة، قد تكون المحصلة النهائية منها خدمة اعداء الامة من جميع الملل والنحل، ومما يؤسف له ان هذه المحطة قد اصبحت تثير اهتمام قطاعات واسعة من ابناء الشعب العربي من المحيط الى الخليج ومن يقل غير ذلك يغالط نفسه، وسبب هذا الاهتمام ان بقية المحطات الاخرى عجزت حتى الآن عن تقديم برامج جادة او حتى مسلية هادفة واكتفى معظمها ببرامج تمتدح الواقع بكل تفاصيله وبعضها الآخر جعل شعاره الاجساد والنهود والبطون والفخوذ، مما جعل لمحطة الجزيرة بعض التميز فاستغلت هذا الفراغ لتقدم ما تراه محققا للاهداف التي أنشئت من اجلها ولو وجد الناس البديل الصالح الذي يقدم لهم الحقائق بشفافية وصدق لما وجدت الجزيرة من يتشوق لرؤية وجهها القبيح!!
|
|
|