بدون ضجيج بالتوفيق يا أبا فهد جارالله الحميد |
اعتذر من قرائي الأعزاء ان أخصص هذه الزاوية اليوم لموضوع قد يظن البعض أنه شخصي أو ذاتي ، وهو إن لم يسلم من شيء من هذا فإنني أزعم أنه أقل ما يمكن قوله عن صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي غادر حائل قبل أيام لتسلم المسؤولية الوطنية في منطقة هي من أعز وأقدس المدن الى قلوبنا وهي مدينة الرسول الأعظم, لقد قضى سموه في حائل عشرين عاما حتى ألف كل شيء فيها وترعرع فيها أشباله ويؤلمني أنه سيفارق مزرعته التي أعرف كم يحبها, لدرجة أنه لا يقضي نهاية الأسبوع إلا فيها يقود معداته الزراعية بنفسه باستمتاع وحب.
لقد تشرفت بالعمل مع سموه الكريم سنوات لم يلفت نظري فيها الى موضوع كتبته وأحدث ضجيجا وأخذا وردا, فقد كان سموه يؤمن بالموضوعية ولا يهاب النقد, بل كان يشجع الكتاب على أن يتحدثوا عن الاحتياجات التي تلزمحائل ، وقال لي مرة بحضور بعض الصحفيين وبعض موظفيه الكبار:
يا أخي انا عندما أذهب كل عام لأقابل الوزراء والمسؤولين يقولون لي على سبيل النكتة : أنت فقط موجع رأسك بمطالب أهل حائل وهم لا يطالبون عبر الصحف بما يدعمك.
سأله أحدنا:
ربما لأن الجميع لا يريد اغضابك يا سيدي!.
فانفعل وهو قليلا ما ينفعل إلا مع الحق وقال:
هل تتصورون أنني سأصدق ان حائل مكتفية من كل شيء؟, أنا منكم أحس أن ثمة ما ينقص المدينة, نعم, لم تقصر حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين ببذل كل جهدها ولكن ما الذي يمنعكم أن تطالبوا.
ثم قال كلمة مازالت ترف في أذني:
حق النقد يا اصدقائي مكفول لكل مواطن عندما يكون هذا النقد موضوعيا وحقيقيا, وأنا أعرف أنكم كلكم موضوعيون!.
خرجنا من مكتب سموه ونحن نتحدث عن هذا الفهم الواسع للمسؤولية الادارية خصوصا وأنه يأتي من الرجل الأول في المنطقة, ولست الآن في موقف المديح مع أن سموه يستحق أكثر من المديح ولكنني في موقف أغص فيه بالوداع, سأفتقد سموه كما تفتقد كل الأشياء الجميلة, ولكن قلبي سيظل يخفق بالوفاء لواحد من أبناء الزعيم الكبير العظيم المغفور له الملك عبدالعزيز الذي علّم أشباله كيف يتعاطون مع المواطن, وكيف يبدأون هم بالبذل من أجل مشروع معين حتى لو كان غير حكومي ليحفز الآخرين على العطاء.
ولقد تعلمت من سموه أن النقد لا يزعج الدولة متى كان صادقا ومتى كان قائله لا يبغي من وراء ذلك سوى خدمة وطنه وولاة أمره, وهذا شيء لا يقدر بثمن, إذ أنك يجب ان تتعلم من الرجال أمثال سموه الكريم ما هو في صالح هذا الوطن العملاق الذي ينعم بالاستقرار والرخاء رغم ما يبثه الأعداء من ترهات فنحن أول من يعرف هدفها ودوافعها.
وداعا يا أبا فهد , وليوفقك الله الى حياة عملية أنت جدير بادارتها بحكمة وقوة واخلاص وتفان.
وثق أنك ستظل في القلوب للأبد.
|
|
|