بيننا كلمة الجمر بأطراف الأمة د , ثريا العريّض |
يعود رمضان فنبحث عن أحاسيس السعادة بالعودة الى زمان حبيب,, زمان عرفنا فيه رمضان موسم تحية سكينة واطمئنان: كل عام وأنتم بخير ، ودعاء من القلب للأقربين والأبعدين: يارب احم أمة المسلمين,, واجعل أبناءها جميعا من العائدين المعيّدين .
ثم نلتفت الى ما استجد من أخبار هذه الأمة فنجده لا جديد مفرح، بل هو مكرر ومعاد ومغم: انقسام هنا ونضال هناك,, تغرب دون مشيئة واغتراب لا نستغربه إذ نعرف كل جذوره ومسبباته.
سؤال لا يجد القلب جوابا له: إلى متى ستظل أحزان الأمة؟
وإلى متى سنظل نعايش تدفقات مواسم المعاناة؟
نكتئب مع شحوب رمضان يكرر أحزانه,, ونبتلع الحزن بين ركوع وسجود ومع لقمة الإفطار عالمين أن من المسلمين في بقاع الأرض القريبة والبعيدة من يعاني ولا نملك أن تصله يد العون:
كيف هم في جرزوني وسراييفو؟ كيف أضحى العائدون الى بقايا أحيائهم المنتهكة في انحاء البوسنة؟ أمس قضوا رمضان في خيام الهروب من قصف الصرب,, وعادوا,, فهل مداهم أن يرمموا المساجد المدمرة والمنازل المهدمة,, هل لهم سقوف صامدة تحميهم من صقيع هذا الرمضان الشتائي؟
وكيف يصوم المناضلون الشيشان في مقاومتهم لهجمات الجنود الروس؟ لا أظن المهاجمين يغضون أعين قذائفهم عند انحدار الشمس، فيسمحوا لهم بلقمة مستعجلة بين غارة وغارة؟
كيف ينام الفرقاء الأفغان؟ هل يتبعون صلاة التراويح بصلاة استخارة؛ يتفقون أو ينقسمون؟ وهل يقضي الجميع في إيران ليلهم في الدعاء والصلاة أم أن البعض يسهر في التخطيط لإزاحة الآخرين عن مواقع القرار؟ وفي تركيا كيف هو رمضان ما بعد الزلازل؟
وبماذا ينشغل ليل ملايين المسلمين المنفيين باختيارهم أو بغير اختيار في صقيع اوروبا وصخب امريكا ومساحات استراليا السحيقة البعد,, بأوطانهم تحت الحصار,, أم باغترابهم في مواطن تقترب من استيعابهم بقدر ما يبتعدون عن الاحتفاظ بمعالم هويتهم؟
وفي الجوار الأقرب,, كيف تنام النساء في توجسات رمضان الجزائر بمذابحه وتوجعات العراق معاقبا من أعدائه ومن قادته في ذات الحين، واليمن المتوتر بتفجيراته,, النساء هل يحلمن بالعيد أم هي كوابيس مذابح تهددهن وأطفالهن ورجالهن؟
***
شاحب هو الشعور بالفرح وغالب الشعور بالاكتئاب,.
رمضان يأتي فلا نتذكر قناديل الأمس وفرحتها الطفولية، بل نغص بذاكرة أحزان طويلة غطست بها الأمة المحسودة على إيمانها.
ومعاناة الأمة تظل جمرة ملتهبة لا انطفاء لها؛ اذا ترمدت بهذا الطرف تأججت في طرف آخر, فمن يستطيع أن يقول صادقا: كل عام وأنتم بخير , حتى ورمضان هنا استمرار أمن بجزيرة أمان، نطل على الأمة يتقاذفها حولنا محيط من المعاناة، ولا نملك إلا أن نتأسى: كم رمضان سيمر ونحن نتأمل أحوال المسلمين في بقاع الأرض ونكتئب، كأن دعاءنا قاصر أن تفتح له أبواب السماء, فمتى، يارب، يأتي رمضان موسم احتفال حين نجد الأمن يعم هذه الأمة يشملها بالأمان؟
|
|
|