الرياض الثقافة (2000) بين طرفي النقيض من منجز النخبة وقاع الثقافة الشعبي محمد العثيم |
كنت أحسب أني فرغت مما أريد قوله في شأن ثقافتنا في مطلع الألفية الثالثة في حديثين سابقين حيث أخذت بطرف من أطراف الحديث في أمر اختيار مدينة الرياض عاصمة للثقافة العربية في العام 2000 وهو حديث لا يبدو انه ينتهي بسبب اختزال الكثير من ذيول الكلام في المقالين السابقين وخروج ذيول أخرى أشد تفرعاً وجدلية,, وقد اضطر للاستمرار بما أنا فيه لبعض الوقت لعرضه وارتفاعه وتشتته إلا إذا يسر الله خروجاً آمناً من تشعبات هذا الموضوع.
وفي محاولة للوصول لخطوط الموضوع العريضة سأعود لتعداد نقاط ملتبسة في حياتنا الثقافية.
أولاً: ان مجرد ادعائنا بمنجز ثقافي نخبوي نادر المثال أنجز في خمس عشرة سنة الماضية أو عشرين هو أمر تكثر المداخل عليه ويجد جدلاً عريضاً بين أطراف متعددة الرؤى وأحياناً متقاطعة الاتجاه، وكان يمكن اعتبارها ظاهرة صحية يمكن توظيفها للوصول إلى مزيد من الفهم حول ما هو ركام وما هومتراكم وما هو زبد تفيض به التلال لولا مشكلة جدلية رزينا بها منذ عشرين سنة عندما ملأنا الصحف بأسماء شعراء نخبة ليس لهم شعر أو يملكون مشروعاً، وقاصين ليس لهم منجز أدبي يقرأ ومسرحيين لم يكتبوا أو يروا مسرحاً ووضعنا منهم طرفي نقيض في المحافظة والتجاوز حتى سعى هذا المسعى غلمان وفتيات لا يحسنون الإملاء من المدارس الثانوية قبل نضجهم وتعلمهم.
,, وحتى الأسماء المعمدة والتي دار حولها الكثير من الكلام الكبير والجدل وعمدت بسبب قصيدة واحدة أو مقولة واحدة نشرت أو لم تنشر كان وضعها محرجاً لهم وللنقاد الذين تعجلوا في تبنيهم,, لأن أولئك الشباب الذين لم ينه بعضهم حتى سنواته الدراسية في الجامعة وجدوا أنفسهم مسوقين إلى مصادمة محبطة مع تجارب ناضجة في مهرجانات العالم العربي,, وكان على بعضهم أن يقف متمايزاً لا متميزاً بسنه الصغير حتى أن شاعراً عربياً مخضرماً سُئل مرة هل نحن في مهرجان الشعر للمدارس الإعدادية.
بدأت هذه الفقرة بهذه الصورة لكي لا أتهم بأني أدعو إلى منجز بعينه وما أريد أو أؤكده أن الطفح الذي ذكرته ونقده وتعبيره لا يساوي نسبة تذكر في الأدب السعودي لكنه حمل أكثر مما يحتمل ونشر عنه وله أكثر منه بكثير وغيب بسببه الكثير واتهم الكثير وبدت اتهامات الرقابة بأنها ضد الحديث ولكن الثقافة كانت تتوارى بسلبية الهلوع وهي تحسب ان كل صيحة عليها والسبب هشاشة الأرضية التي قامت عليها تلك الأسماء الواعدة,,وقلة خبرتها بالحياة ومعنى الموقف الأدبي، ولأن كثيرين اعتنقوا مفاهيم كثيرة قبل استيعابها استمالة لنقادهم العرب.
وثانياً: بالتأكيد لم يكن هناك من قبل الثقافة موقف مبيت للجديد أو الحديث أو الحدثي وما بعد الحداثة بل على العكس في البدء كانت تهويمات حتى بدون معنى وكانت وجدانيات مبهرة لمستمعيها والقراء وأحياناً يأخذنا الانبهار عن تقديم تصور سليم في تقييم الابداع فكان الظلال مع الموجة أو لها إلى أن انحسرت في المعنى.
وثالثا: كان هناك توحد بين أهل التجارة الجديدة في الكلام سماه البعض شللية,, كان هؤلاء يتبادلون فيما بينهم رموزاً لتغطية المعاني إن وجدت والحقيقة أننا بهرنا في حينه بكلمات مثل شللية ولغة تفجر تجريب ثم الماء والجفاف والعطش والرطوبة ناهيك عن كل أسماء الحيوانات البرية والبحرية ورموزها في الأساطير وأحياناً تجارب الصمت المطبق والورق الخالي من الكتابة ولكن كل هذا لم يكن يغطي الساحة أو ينهي مبدعيها الحقيقيين لصالح الموجة الجديدة، فقد تواصلت الثقافة المطروحة وبالذات الشعر والإبداع القصصي مع جماهيرها العريضة وبقيت فئات في العزلة تقول ليشرح ما تقوله ويعبره للناس نقاد محترفون بعضهم لم يحترف القلم إلا بالمملكة وبالمقابل كانت هناك فئة في الطرف النقيض جزمت أنها الأصح وأن نطقها لا يأتيه الباطل وأصرت على جوامد الكلام تجففه من معانيه لصالح مبانيه.
رابعاً: هل هذه هي الصورة كما نطرحها ونتداولها في ثنائيات جدلية أعم هذه لجدليات قديم وحديث,, جيد ورديء للناس ولنا عامي وفصيح,, إلى ما هناك من المتقابلات الجدلية التي لا تقود لفكر مبدع منتج بقدر ما تضع عراقيل في وجه تقدم الفكر؟
واقع الأمر يقول: إن هناك منجزا بقي وراء الضجيج يملكه أهله يحتفظون به خوفاً منه أو خوفاً عليه لكنه لبنات من تراكم ثقافتنا لا يمكن تجاهله ولا إهماله.
خامساً: المنجز المتراكم الذي يخرج عن سياقات البناء الكلي لن يتكئ للزمان وبدلاً من التلهي بجدل عقيم حول الصالح والطالح والنافع والجمالي والتشريح والتفكيك أو البناء والتبني,.
وأي المناهج أقوم وأنفع بدلاً من كل هذا لنعيد أو نستدعي المختبئ في أضابير اصحابه لنضعه بأيدي الناس وأمام عيونهم بدل الصرف الباذخ على معارض الماديات في التداول ومضاربة العملة لنسهم في جعل مجرى الثقافة ونهرها الدفاق سلس الجريان صافيا ونقيا ليسقي زهور الحياة,, التي يخنقها دخان العصر وتلوثه.
|
|
|