ممن علينا أن نخاف,,وممن علينا أن نرجو,,, هدى المهوس |
الخوف والرجاء خطان متقابلان من خطوط النفس,, يوجدان فيها متجاورين مزدوجي الإتجاه, النفس بطبيعتها تخاف وترجو هكذا ركب في فطرتها.
وهذان الخطان بقوتهما وتشابكهما واختلاطهما بالكيان البشري كله في أعماقه يوجهان في الواقع اتجاه الحياة ويحددان أهدافه وسلوكه ومشاعره وافكاره, فعلى قدر مايخاف ونوع مايخاف, وعلى قدر ما يرجو ونوع مايرجو، يتخذ لنفسه منهجاً لحياته، ويوفق بين سلوكه وبين مايرجو ومايخاف, هذان الخطان هما أعمق واوسع الخطوط المتقابلة في النفس البشرية, والإسلام في مسايرته للفطرة, لايترك وتراً من أوتار النفس لا يوقع عليه, ثم لا يوقع على وتر أكثر من طاقته, أو يبخسه قدره فلا يوقع عليه مايستحق من نغمات, وبذلك يستحل الكيان الإنساني كله, وفوق ذلك يحدث التوازن داخل النفس بشدها الى أوتارها جميعاً فلا تميل من هنا ولا تميل من هناك, والإسلام ايضاً يعمل على خطى الخوف والرجاء,, فينفض عنهما اولاً كل خوف فاسد وكل رجاء منحرف, ثم يعمد اليهما بعد ذلك ويوقع عليهما الإيقاع الصحيح, الذي يصدر عن نفس بشرية سوية, ينبغي لها ان ترجو وينبغي لها أن تخاف فينفض من وتر الخوف أولاً كل مايرهق كاهل البشر من مخاوف زائفة لأنه لا طائل وراءها، لا تقدم ولا تؤخر, ولا تغير شيئاً من واقع الأمر, فينفض عنه الخوف من الموقف, اذ ماقيمته هل يؤخر الأجل أو يغير المكتوب,,,؟! كلا,, ومادام لا يغير شيئاً من الواقع, فهو إذن أمر لا يليق انه تبذير للطاقة وتدمير للكيان بلا نتيجة, لذلك قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة بصور شتى, يقول تعالى إنا نحن نحي ونميت والينا المصير وهكذا يتناول القرآن الكريم كل المخاوف البشرية الزائفة واحدة واحدة, فينفضها ويزيلها عن النفس, ويرفع عنها إصرها ويطلقها تواجه الحياة قوية عزيزة متمكنة متطلعة مطمئنة إلى قدر الله, ثم يمسك الوتر الفطري في النفس البشرية فيوقع عليه نغمات الخوف القويمة الأصيلة التي ينبغي ان تصدر عن هذا الكيان فقوى الأرض كلها لاتخيف, أو لاينبغي ان تخيف, لأنها قوى مسخرة لاتستمد من نفسها ولا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً, القوى التي ينبغي أن تخاف حقاً هي القوى التي بيدها كل شيء هي المانحة حقاً هي المانعة حقاً, إذ !!! فخوفها هو الخوف الواجب وخشيتها هي السبيل, الخوف ينبغي ان يكون من الله وما يخوف به الله , فالإسلام يساير الفطرة بشقيها, فيعطي الطاقة الحسية غذاء, ويمنح الطاقة المعنوية مجال العمل والإبداع, كل زائد الحس مباحة ما دام في الدائرة المأمونة النظيفة التي لا تضر بالفرد ولا تضر بالمجموعة, أما الطاقة المعنوية الطاقة التي هي إنسانية اصيلة, الطاقة التي تميز بها الإنسان من الحيوان الإسلام يحتفل بها إحتفالاً ضخماً ويجعلها هي اساس الحياة الإنسانية, بما انها هي إنسانية الإنسان أول ما يحسس بها يمنحها العقيدة العقيدة على شمولها واتساعها, العقيدة بمنعنى الإيمان بوجود الله ووحدانيته, وبمعنى العبادة لله, وإخلاص الدين له, وبمعنى تصور الكون والحياة على أساس هذا الإيمان بالله, وبمعنى الإيمان بالحق الذي خلق به الله السماوات والارض وبمعنى إحقاق هذا الحق على ظهر الأرض, وبمعنى اقامة المجتمع الإنساني على اساس الحق الإلهي الذي نزل به القرآن, وبمعنى الجهاد في سبيل إقامة مجتمع نظيف متوازن يؤمن بما أنزل الله ويحكم بما أنزل الله .
تلك هي العقيدة التي يبذلها الإسلام في النفوس, ويغذي بها الطاقة المعنوية في الإسلام.
فمن الله يجب ان نخاف ومن الله يجب ان ترجو.
|
|
|