تعريف الصوم لغة : قال الخليل: الصوم قيام بلا عمل، والصوم ايضا الامساك عن الطعام، وقد صام الرجل من باب قال, وصياما ايضا وقوم صُوَّم بالتشديد وصِيَّم ايضا ورجل صومان اي صائم، وصام الفرس قام على غير اعتلاف وصام النهار، قام قائم الظهيرة واعتدل والصوم ايضا ركوع الرياح وقوله تعالى: (إني نذرت للرحمن صوما) قال ابن عباس رضي الله عنهما اي صمتا قال ابوعبيدة: كل ممسك عن طعام او كلام او سير فهو صائم, قال ابوالبقاء في كلياته: الصوم هو في الاصل الامساك عن الفعل مطعما كان او كلاما او مشيا، وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء بوزن اصفياء،قيل إنهم لما نقلوا اسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالازمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر ايام رمض الحرّ فسمي بذلك، وبهذا يتضح ان الصوم بما يحمله من معان كريمة وعظيمة له تأثير في النفس وهو ان المرء يلزم نفسه حالة الصوم الامساك إما عن المطعوم والمنكح او المشروب وهو إلزام مكلف، إذا كان الغرض منه تأدية الفريضة.
تعريف الصوم شرعا
قال ابن قدامة رحمه الله: هو عبارة عن الامساك عن اشياء مخصوصة في وقت مخصوص، وقال ابوالبقاء في الكليات: هو امساك المكلف بالنية من الخيط الابيض الى الخيط الاسود، عن تناول الاطيبين والاستمناء والاستقاء، قال الجرجاني في التعريفات: الصوم في الشرع عبارة عن امساك مخصوص وهو الامساك عن الاكل والشرب والجماع من الصبح الى المغرب مع النية وقال ذو الرمة:
فأصبح أجلى الطرف لا يستزيده يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل |
ورمضان مأخوذ من رمض الصائم اذا حرّجوفه من العطش والرمضاء الحر، والرمض بفتحتين شدة وقع الشمس على الرمل وغيره والارض رمضاء بوزن حمراء، وقد رمض يومنا اي اشتد حره وبابه طرب, وارض رمضة الحجارة ورمضت قدمه ايضا من الرمضاء اي احترقت وارمضته الرمضاء اي احرقته، قال ابن مفلح في المبدع في شرح المقنع، الصوم إمساك جميع النهار عن المفطرات من إنسان مخصوص مع النية وقيل إمساك عن شهوتي البطن والفرج وما يقوم مقامهما من طلوع الفجر الى غروب الشمس بنية قبل الفجر او معه من غير ايام الحيض والنفاس وايام العيد، وقيل إمساك عن المفطرات في وقت مخصوص على وجه مخصوص، ومن هذه التعريفات السابقة وغيرها من كلام العلماء يتضح الآتي:
اولا: ان الصيام تربية عالية ورائعة للنفس البشرية على الامتناع عن غرائزها وشهواتها وملذاتها من مأكل ومشرب ومنكح ومنهيات اخرى كثيرة تطيب بتركها النفس النفيسة التي اراد الله لها ان تكون كذلك وقد تكون هذه النفس بحكم ضعفها وامتحانها في هذه الدار في اشد الحاجة الى هذه الشهوات.
ثانيا: الصوم شرع ولحكمة أرادها الله في وقت معلوم من حيث الزمان والقوة وتوقد الفكر والحاجة الى حظوظ النفس الكثيرة هذا الوقت هو وقت تحرك المسلم وسعيه وغدوه ورواحه ونظرته وملاحظاته وحاجاته الكثيرة وبذلك يعود ويدرب الاسلام المسلم على كبح جماح نفسه وتحديد وتقييد شهواته ورغباته وفق منظور اسلامي رشيد وسديد، والمسلم في صيامه الصيام الصحيح يكبح غرائزه وشهواته ويحاول دوما إلجامها في عقال الصبر والامتثال لاوامر الله عز وجل والصوم ركن عظيم وكريم من اركان الاسلام ومبانيه العظام، والاصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون الى قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه واما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس وذكر منها صوم رمضان) ولحديث ان رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله اخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصيام؟ قال شهر رمضان قال هل عليّ غيره قال: لا الا ان تطوع شيئا قال: فاخبرني ماذا فرض الله عليّ من الزكاة؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الاسلام قال: والذي أكرمك لا اتطوع شيئا ولا انقص مما فرض الله عليّ شيئا فقال صلى الله عليه وسلم: أفلح ان صدق أو دخل الجنة ان صدق متفق عليه,.
وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان وانه احد اركان الاسلام التي علمت من الدين بالضرورة وان منكره كافر مرتد عن الاسلام وكانت فريضته لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة، ولقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات اجماعا حكاه غير واحد من اهل السير والاخبار واكثر صيامه صلى الله عليه وسلم تسعة وعشرون يوما، والشهر ينقص احيانا ويكمل وثوابهما واحد في الفضل المرتب على رمضان لا المرتب على كل يوم فيفوق الكامل.
آداب الصيام
الصوم عبادة عظيمة وقربة منظمة وشعيرة مميزة ترفع المسلم وتعليه وتنقيه وتطهره وتزكيه، وما كان الجانب السلبي في حياة المسلم يوما من الايام عبادة مطلوبة تقي المؤمن وتعفيه من المسؤولية، بل الصيام الحقيقي التام إمساك كامل وشامل عن كل ما ينافي الدين والخلق والفضيلة والتربية الاسلامية المثلى ذات الجذور والاصول الكريمة والصوم الحقيقي يتفق تماما مع حقيقة التقوى بل هو سبب لها ومقوٍّ ومؤصل لها ولهذا بدأ المولى عز وجل الحديث عن الصوم بقوله: يا أيها الذين آمنوا وختمه بقوله لعلكم تتقون بهذا التعبير المؤثر الذي يهز النفوس ويحرك القلوب ويوقظ المشاعر لعلكم تتقون، حتى تصفو القلوب من الغل والحقد والدخل والحسد التي هي من اعظم الآفات واقبح العاهات بين بني الانسان، والاسلام العظيم بحكم شموله وتفوقه وصلاحيته للبشرية اجمع فهو رحمة الله للعالمين، يؤكد على روح الصيام واهمية هذا الجانب حيث الاسلام لم يكتف بصورة الصوم الظاهرة والمعتادة والتي هي مع الاسف الشديد طابع البعض هداهم الله بل اهتم وأكد حقيقة روح الصوم حيث لم يحرم الاكل والشرب والعلاقة الجنسية فقط بل حرم كل ما ينافي مقاصد الصيام والتي هي لب اللباب في هذا الباب، حرم كل ما ينافي مقاصد الصيام الصحيح وغاياته النبيلة وابعاده الكريمة ومثله العالية ومعطياته الخيرة ومكاسبه الكثيرة، حرم كل ما يضيع حكمته واسراره العجيبة وفوائده الجمة ومزاياه الروحية والخلقية والاجتماعية فأحاط الصوم بسياج متين وحصين من التقوى والادب، والتحرر الكامل والشامل من كل مطالب النفس ومراداتها البهيمية الرخيصة والخسيسة، وتألق بها وشمخ بها الى مطالبها وحظوظها النفيسة (لعلكم تتقون) حررها واطلقها من سجن الشهوة وقيد اللذة العاجلة الى مطالبها العالية الكبيرة وهذا دوما دأب الاسلام في تربيته للمسلم والأخذ بيده دوما الى ما يصلحه ويرفعه ويعليه.
وتشريعات الإسلام عامة واركانه خاصة ذات اهداف تربوية عالية ترتبط كلها بالقيم العظيمة والمبادئ الكريمة التي هي وحدها القادرة على تسيير ركب الحياة الهائج المائج وفق إرادة الله ومقتضى حكمته، وتكليف المسلم بهذه العبادات الخيرة لا يعني العنت والمشقة والقهر والمذلة، وانما يهدف الاسلام من وراء ذلك الى تصفية وتنقية البدن والروح وصقل هذه النفس النفيسة بطاعة الله او الخسيسة او التعيسة بمعصيته، يهدف الإسلام الى تصفية الروح وتهذيب النفس وتذليل الطبع وتليين الخلق وربط الامة اجمع برباط المحبة والقربى لا برباط المصالح والمنافع مع اختلاف القلوب يهدف الى تجديد العهد بالاخوة الصادقة التي افتقدتها الانسانية كلما بعدت عن هدي الله، واذا كان كل تشريع من تشريعات الاسلام ينفرد بهدف او اهداف عالية وكريمة فإن الصيام ينفرد بكونه جهادا من الداخل، جهاد وايما جهاد، انه جهاد ضد الشهوات والرغبات والملذات الحاضرة انه جهاد عظيم موجه من الذات ضد الذات, جاء في الحديث: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل الا الصوم فإنه لي وانا اجزي به,, يدع شهوته وطعامه من اجلي، ولو ادركنا الاهمية الكبيرة للعبادة لعلمنا السبب الذي جعلها تحتل هذه المكانة في تاريخ الرسالات اجمع فالانسان دوما بحاجة الى هدف سام يعيش من اجله ويتفانى في محبته وتتوجه اليه اشواقه وعبادة الله هي الهدف والمثل الاعلى الذي يوفر هذا للافراد.