Wednesday 8th December, 1999 G No. 9932جريدة الجزيرة الاربعاء 30 ,شعبان 1420 العدد 9932


أمان الخائفين
عادةً ما تطير النسور فرادى
د, هناء المطلق

الخوف طاقة والطاقة لا تفنى ولا تستحدث.
فأين يذهب خوف الطفولة إن لم يفنه الزمن؟.
تناولت في المقالة السابقة شكلاً من اشكال تخزين هذه المادة المتفجرة, حيث نقوم باختزانه تحت الجلد وفي مناطق مختلفة من الجسد قد تطول مدى الحياة, ففي وقت نرطب فيه جلودنا من الخارج بأجود المبتكرات المرطبة نختزن تحت ذات الجلد مادة نتنةً آسنة يراها البعض في العيادة حين نحفر ونصلها سائلاً لزجاً رمادياً والبعض يراها حمراء قاتمة أو دماً متخثراً, هذا هو الخوف الذي قلت انه يختزن في ذاكرة خلايا الجسد الأمر الذي يسبب لنا آلاماً في الكتف والساق والرأس ليس لها من سبب عضوي، فالتحاليل والأشعات لم تظهر شيئاً, ذلك أن الأجهزة الطبية لا تزال حتى الآن عاجزة عن الكشف عن مخزونات الجسد وذاكرة الخلايا وما أدراك ما ذاكرة الخلايا.
فالأجهزة العلمية للأسف لا تتكلم اللغة الرمزية ولا تجيد تفسير المعاني, وهذا ما جعلها تعجز عن تشخيص خوف خاتمه التي لم تترك حجراً في مستشفى لم تقلبه دون ان تجد دواءً لألم كتفها الأيمن الذي حين يعاودها وهو يفعل ذلك كل اسبوع يلزمها الفراش, مع ان نظرة ثاقبة الى ظروف خاتمه لا تزودك بأي تفسير, فليس لدها مصدر للتعاسة,, فالمرأة والحمدلله سعيدة في زواجها واطفالها وبيتها ولا ينقصها شيء.
وهي امرأة اعمال ناجحة جداً بسبب ذكائها وقدرتها الفائقة على التطوير.
أي أنها باختصار امرأة من نوع متميز مختلف مدهش ونادر الأمر الذي حتَّم عليَّ ان أنظر إليها نظرة أثقب من النظرة الثاقبة التي استقبلتها بها.
فهل يختزن كتفها الخوف من النجاح؟.
اردت ان اختبر فرضية هذا النوع من الخوف, فجاءت احلامها محملة برموزه.
وقبل ان اتوغل اكثر في حالة خاتمه اريد ان اطرح فكرة الخوف من النجاح, فعلم النفس يحدد أهم هواجس الانسان ومخاوفه بأربعة: خوف المجهول وخوف رفض الآخرين وخوف الفشل وخوف النجاح, والثلاثة الأولى اكثر معقولية من الأخير، أليس كذلك؟ فكيف نخاف النجاح ونحن نسعى إليه ليلاً ونهاراً؟, كيف والناس تغبط الناجحين؟ وتتمنى ان تصل مواصيلهم؟ نعم إنهم يفعلون ذلك ولكنهم يفزعون ما إن يصلوا الى حافة النجاح, مع أننا لا نعلم عن هذا الخوف لأن كل ذلك يحدث على مستوى لا شعوري.
والمشكلة ان اللاشعور مدفوعاً بهذا الخوف، يتبرع بخلق امراض ومشاكل تؤدي الى الفشل لأسباب لا يعي البشر بأنها من تدبير الجزء اللاواعي من انفسهم,, فقد تمرض طالبة طب فجأة اثناء الامتحان فترسب في وقت أنها على مستوى الوعي مصرّة على السهر حتى الصباح للمذاكرة, ولكن اللاوعي يتدخل بكل برود صباح الامتحان فيمنعها بالمرض.
فما الذي يخيف الناس من النجاح؟.
خوف الاختلاف والتميز, فالناجح وحيد والناس تخاف الاختلاف لأنه يقترن لديهم بالوحدة, كما هي القمم عادةً وحيدة.
إنه خوف الانفصال عن السرب، عن القطيع, فالنسور تهوى القمم وعقاب النسور انها تطير فرادى وهذا ما يعتقد به الناس لا شعورياً فيتجنبون النجاح بحثاً عن دفء القطيع,, ثم ماذا عن المسؤولية عن الذات؟؟.
القطيع يوفر عليك المسؤولية في ذاتك (ضعها في رأس قائد القطيع وبرّد رأسك) اما النسر المسكين فهو مسؤول عن خط سيره وعن هفواته واخطائه التي كثيراً ما تجعله في فوهة المدفع.
ورغم ان الخوف من النجاح يحل على الرجل والمرأة الا ان ظروف النشأة تركزه لدى المرأة وبالذات امرأة مثل خاتمه التي نشأت في بيت يعتقد ان للمرأة وظيفتين لا ثالثة لهما: المطبخ والانجاب، وان كان لخاتمه ان تكون (نسرة) فعليها ان تنجب عشرة مثل خالتها,, أما النسورية في الطبخ (ورمضان قد اقترب) فهي في الكنافة واللقيمات اللتين تفوقت بهما أمها.
هذا ما أعدّت له خاتمه,.
أما ما صارت إليه (امرأة أعمال ناجحة) فهو لا يشبه أيّاً من التوقعات أعلاه.
فماذا يفعل ما في القلب؟.
في بداية النجاح شَرَخَ ما في القلب خاتمه الى نصفين: نصف يسعى ونصف يبدد السعي (ولم تكن تعاني من ألم الكتف) فكانت ترتب المواعيد والمقابلات للبزنس بحماس شديد ثم تتوانى او تبرد لهفتها حين يحل الموعد.
كانت هذه حيلة لا شعورية لإبطال النجاح, وحين كتب لها الله سبحانه وتعالى النجاح رغم ذلك لازمها ألم الكتف, وهذا تعبير آخر, فهل تعرف ما الذي يختزنه كتف خاتمه؟.
جاءها حلم أثناء العلاج حررها من ألم الكتف, فقد اصطاد لي من لا شعورها أمراً عجيباً.
فتفسير الحلم الذي لا يسعنا المكان لطرحه يقول ما يلي: إن التميز مقترن لديها بالضرب.
وحين واجهتها بهذا التفسير وهي تحت الاسترخاء سقطت في مواجهة عجيبة مع ذاتها فاصطادت موقفاً طفلياً لم تكن تتذكره بوضوح وهي في حالتها العادية:
عاد أبي من جدة وجلب لي لعبة جديدة وحلوة خرجت الى الشارع وبيدي اللعبة وأنا أتخيل دهشة الاطفال وفرحتهم بلعبتي, لكنهم ما إن رأوا لعبتي حتى أوجعوني ضرباً وأخذوا اللعبة عنوةً .
منذ سن السادسة وكتف خاتمه يختزن الاستنتاج التالي بين تلافيف ذاكرته: التميز يعني الضرب, فكثيراً ما يتحول الخوف القديم الى رموز مشحونة تسكن ذاكرة الجسد وتجلب لنا أوجاعاً يعجز عن كشفها الطب.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved