Sunday 5th December, 1999 G No. 9929جريدة الجزيرة الأحد 27 ,شعبان 1420 العدد 9929


الإهدار
د, فهد العرابي الحارثي

صحيح أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية قام استجابة لظروف أمنية خالصة، وهي تنصب في المقام الأول في نذر الحرب العراقية الايرانية، في بداية الثمانينيات، ولكن المجلس بعد قيامه لم يلبث أن صار هدفاً استراتيجياً يقتضي أن يمتد نشاطه إلى ما هو أبعد من الظروف الأمنية التي أوجدته، لينتقل من مستوى ردة الفعل إلى مستوى الإنجاز المتكامل الذي يضع دول الخليج الست على الطريق الطبيعي الذي كان لا بد أن يجمعها ويوحِّد صفوفها لأسباب كثيرة يعرفها الجميع.
فنحن في الخليج نحمد لظروف الحرب العراقية الايرانية تلك اللحظة المشرقة (أو هي القاتمة) التي تفتقت عن مشروع حضاري كهذا المشروع فبدونها ربما تأخر مشروع قيام المجلس لسنوات أطول وأبعد، وبدونها لم يكن لدول الخليج التي التفَّت تحت مظلة هذا المجلس ان تحقق الكثير في مجال التعاون البيئي والصحي والاقتصادي والتجاري والتعليمي.
ومن الحق أن نقول بأن هذا المجلس قد صمد لأكثر من تسعة عشر عاماً في مناخ لم يشهد سوى الانهيارات العربية المتتالية فهذا أنجح تجمع عربي قام حتى الآن في كل تاريخ العرب المعاصر.
وعلى الرغم من الخلافات التي نشأت بين الشركاء في مجلس التعاون إلّا أن ذلك لم يوقف عجلة اصدار التنظيمات وزيادة معدلات التنسيق بين المؤسسات الخليجية المتعددة، لا بل ان المجلس ذاته ظل هو البيئة الأمثل لتسوية تلك الخلافات وتقريب وجهات النظر التي لا ننكر أنها تضاربت وتعارضت في بعض الاحيان وبدونه كان من الممكن أن تستفحل الخلافات وان تتباعد وجهات النظر.
إن هذا كله لا يعني أن الطموحات التي علقها مواطنو دول الخليج على مجلسهم قد تحققت، فهم يرون أن ما تحقق أقل بكثير مما يجب في زمن تتسارع فيه الخطى بشكل لم يسبق له قط مثيل، وهم لم يفهموا مثلاً لماذا لم يوقع على الاتفاقية الأمنية حتى الآن سوى ثلاث دول من أصل الدول الست وبعد مناقشات دامت حوالي اثني عشر عاماً، ولم يفهموا أيضاً تعطيل التعرفة الجمركية الموحدة لحوالي ستة عشر عاماً، ولم يفهموا كذلك تأجيل قيام السوق الخليجية المشتركة، وعدم قيام صيغة ما لتكتل اقتصادي خليجي، ومشروعات اقتصادية اندماجية بين الشركات والصناعات الخليجية الكبرى استجابة لما يحدث في عالم اليوم,, لم يفهموا كل ذلك وهم الذين يحسون بالحركة الحثيثة التي تدور أمامهم في كل بقاع الأرض ولا سبيل إليها إلّا بالسير على ايقاعها وإلّا فإن الخليجيين سيخسرون الشيء الكثير، ومن أهم ما سيخسرونه أن مجلسهم سيكون مفرغاً تماماً من مضامينه التي قام أصلاً من أجل الوفاء بها.
إننا نقول ذلك لأننا نعلم جميعاً حجم التحديات التي تواجهها هذه المنطقة الحساسة من العالم وهي ليست فقط تحديات أمنية كما هو الغرض الذي قام من أجله المجلس في الاساس، بل هي إضافة إلى ذلك تحديات اقتصادية وسياسية وبدون الظفر بها عاجلاً سيكون الخليج في موقف من الضعف الشديد الذي لا يحسد عليه.
إن على قادة دول الخليج أن يتفهموا القلق الشديد الذي يراود النخب في منطقتهم، فهذه النخب تشعر اكثر من أي وقت مضى بأن السرعة اليوم لم تعد تقتل دائماً,, بل ان البطء والتردد والتأجيل هم الذين يزيدون في حجم التخلّف عن الآخرين,, وهم الذين يفوتون الكثير من الفرص التي قد يصعب تعويضها أو استئنافها فيما بعد.
هل ينفع كلام كهذا الآن؟ لا ندري ولكنها فشة خلق كان من اللازم أن نقولها لأننا نحب الخليج ونحب شعوبه التي ما انفكت تتعلق باعتاب هذا المجلس تأمل نجاحه وتخشى فشله.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أسواق وصيف

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved