Sunday 5th December, 1999 G No. 9929جريدة الجزيرة الأحد 27 ,شعبان 1420 العدد 9929


لما هو آتٍ
الإنسان هو المُنتَخَب
د,خيرية إبراهيم السقاف

أحد الشعراء الكتَّاب الذين يتابعون قراءة الصحف بوعي ويقظة,,، هاتفني لأكثر من مرة متفضلاً عليّ بمشاعر صادقة تجاه هذه الزاوية، وفي كل مرة يكون طلبه أن أكتب للكل وليس للنخبة كما يقول,,، وإني لا أفعل غير ذلك على الأقل في تقديري الخاص، وفيما يَرِدُني من المخاطبات بأنواعها.
بعد نشر عشرين مقالاً، وقبل أن تستوي أيام الشهر الأول، جاءني صوته يقول: لا تزالين تكتبين للنخبة,.
وكلما وضعت سماعة الهاتف منه، ذهبت أفكر كيف يمكنني أن أغيِّر ذاتي؟,, أيمكن للكاتب أن ينسلخ من تكوينه؟!,, أيمكن أن يُغيِّر من نهجه؟! ومن هم قراؤه؟ أليس نُخبتُه هم المتحيزون له؟,.
فكل من يخُصُّ كاتباً بالاهتمام، ويتابع ما يكتب هو من نخبته الذين يتحيَّزون له، ويخصُّونه بالاهتمام والمتابعة.
وذهبت أفكر في النَّاس؟,, وتذكرت أن النَّاس كلَّ النَّاس هم محور الاهتمام، ولكن الذين منهم يحتاجون الكتابة عن غذائهم، ودوائهم، ومائهم، ومساكنهم، وكسوتهم، ووسائل اتصالهم، وطرق عبورهم، وخدماتهم، هم أيضاً الذين يحتاجون الكتابة عن مشاعرهم، وأفكارهم، وعلمهم، ومعارفهم، وفكرهم، ففيهم النفس، والوجدان، وعنهم السلوك,,، وهم الذين أيضا يحتاجون لمن يخاطب فيهم الروحَ، والعقلَ، والنفسَ وحاولت أن أتعرّف على نفسي من خلال احتياج الإنسان الذي أخاطبه وأكتب له,, وجدت أنني أميل إلى جوانبه النفسية والفكرية والوجدانية والسلوكية,.
فالإنسان الذي يمارس الحياة ليس هو الذي يأكل فقط ويعيش ليأكل، وليس هو الذي يمرض فقط ويعيش ليتشافى، وليس هو فقط من يتنقل ويعيش كي يرحل من موقع لآخر,, الحياة تبدأ بالنبض وتنتهي بتوقفه,.
الحياة للإنسان هي دار عمار,, هو الذي يُعمِّرها,, وإن لم يؤتَ سعةً في النفس والعقل، وخُلُقاً موجِّهاً لمكارم السلوك، ورغبةً كاملةً في أن يكون فاضلاً في ذاته، واعياً في مداركه، مُطَهَّراً في داخله، عميقاً في فكره، حضارياً في سلوكه,,، فإن دوره يتدنَّى، وأداءه ينقص,,، وهو يحتاج لأن يجد من يُخاطب فيه هممه العليا,,، ويُرسل إليه أحلامَه العظمى، ويُخطِّط معه دروبه نحو الضوء,,، ولأنه بلا ريب قادر على التَّساجل في هذا الاتجاه مع من يقابله هذا التوجه، ويقعد معه خلف مقود الحافلة إلى هذا التوجه من الكتَّاب فإن الكتابة له، هي منبثقة منه,,، وكاتب نحى هذا الاتجاه، وارتاد هذا المنحى يمكنه أن يلتقط من الشارع العام، ومن الحديث العابر، ومن السطح ما يغوص به إلى أعماق هذا القارىء,.
لا أدري كيف لمن يرقى بالآخر أن يتدنَّى إلى ما دون الرُّقي؟ ولمن يغوص في عمقه أن يطفو فوق سطح قشرته الخارجية؟.
أم كيف لمن تكوَّنت قناته أن يفضَّ أجزاءها كي يحمل شرائح قلمه يُخطِّط بها فوق التراب ما كان يخط بقلمه كله فوق هام السحب؟.
أظل أتذكر أن الاهتمام المتبادل بين القارىء والكاتب يحدد نمطيَّةَ ونوعَ ما يكون بينهما، لذلك تتحول مهنة الكتابة في الوسيلة السيارة إلى مهنة عند أولئك الذين يلتقطون صوت النبأ، ويحملون مضمون الحدث، ويفتحون عيونهم مع افترار الفجر كي يتابعوا حركة الكرة الأرضية مع كل الأقدام التي تتحرك فوق سطحها كي تتابع إلى أين، وكيف، وما الذي كان، وما الذي سيكون.
كل هذا مادة جميلة تستقر في بوتقة الحس والفكر كي تتفاعل,, وتخرج في شكل آخر عن الشكل الذي يتناولها مجزَّأة أو مجسَّدة أو كماهي,,، فمهنة الصحفي غير مهنة الكاتب وتناول الأول غير تناول الآخر، وما يُرضى من الأول من وضوح، وإيجاز، وتكثيف، وسرعة، لا يُرضى من الآخر المتوقَّع منه العمق، والتحليل، والفنية في التناول، والأدبية في الأسلوب,.
فلكلِّ شيخ طريقة ,,.
لكن كلَّ الطرق تؤدي إلى الإنسان,, والإنسان محور كل شيء.
مهما تفاوتت الأساليب، أو اختلف التناول,,.
يظلُّ الإنسان هو المنتخَب في كل الأحوال.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أسواق وصيف

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved