من الأمور العجيبة بل والمخزية بالنسبة لدول العالم الثالث أن معظم معارضات تلك الدول للأمور التي تم بحثها في قمة سياتل بالولايات المتحدة الامريكية التي اختتمت اعمالها يوم الجمعة الماضي، معظم المعارضات كانت تتركز حول الدعوات العالمية الى صيانة حقوق العمال وحقوق الانسان بصفة عامة، لأن تثبيت تلك الحقوق سيؤدي الى حرمان العديد من دول العالم الثالث النامية من العمالة الانسانية الرخيصة!.
ويعتقد كثير من رجال الصناعة والأعمال في العالم الثالث أن إعطاء العامل حقوقه أو حتى الجزء الكبير من تلك الحقوق سيؤدي بصناعتهم الى الافلاس، ولذلك فانه لا بد من وجهة نظرهم أن يسخروا العمال بل والأطفال والأيتام بأقل الاجور وأدنى المزايا الانسانية حتى يضمنوا حسب تصورهم بقاء مصانعهم على قيد الحياة، ولذلك تجدهم يمعنون في أكل حقوق العمال والسخرة وتخفيض أجورهم وتشغيلهم ضعف المدة التي تسمح بها أنظمة العمل الدولية، بل والاعتداء على كرامتهم وأعراضهم أحياناً وإجبارهم على أفعال لا تليق بالانسان، كل ذلك بحجة أن صناعاتهم لا يمكن أن تقوم أو تستمر لو أنهم فكروا مجرد تفكير في معاملة انسانية لهذا العامل المسكين الذي أجبرته ظروف الحياة على ان يكون رزقه عن طريق العمل مسخراً لصناعاتهم وأعمالهم الرخيصة وأخلاقهم الأكثر ضعة ورخصاً!.
وعلى الرغم من كل ما يقوم به الصُنّاع والتجار ورجال الأعمال في العالم الثالث من اضطهاد وظلم وهضم للعامل وحقوقه، الا ان انتاجهم الصناعي يعاني من الضعف والكساد والرداءة مما يؤدي عادة الى افلاس مئات وربما آلاف المصانع سنوياً فلا هم أعطوا العامل حقه وعاملوه معاملة انسانية ولا هم كسبوا أو نالوا هدفهم من النجاح الرخيص, وذلك يحدث كل يوم وتنقله وسائل الاعلام، بينما نجد الدول المتحضرة التي طبقت أنظمة العمل والعمال بطريقة عادلة وصارمة تحفظ لكل من العامل وصاحب العمل حقوقهما وهي أنظمة تضع حداً أدنى للأجر وأقصى لساعات العمل اليومية ووضعت جزاءات رادعة تطبق ضد من يقوم بتجاوز تلك الأنظمة، نجد دول العالم الصناعي ومن سار على دربهم من الأمم الناهضة تزداد كل يوم قوة وتقدماً وإنتاجاً، بينما تعاني الأمم التي يؤكل فوق أرضها حق العامل من الديون والفلس والكسل وسوء المنقلب ونراها واقفة خانعة مستجدية امام نوادي المال الدولية والبنك الدولي للحصول على القروض بأصعب الشروط التي تصل أحياناً الى حد الاهانة والمساس بالسيادة الوطنية!.
لقد أهمل صناع العالم الثالث اسباب النجاح والتطور وما يؤدي الى التفوق ومن ذلك حسن التخطيط وضبط المال والادارة وخفض المصاريف الخاصة بالقائمين على شؤون المصانع من مجالس ادارة ونحوها ومحاربة الرشوة والفساد وتنمية الموارد وايجاد اسواق مناسبة للمنتوجات ومعرفة حاجة السوق واكتفوا من كل هذه الوسائل بالاتكاء العنيف على حقوق العامل الضعيف فساموه الهوان وأجاعوه ومسحوا به البلاط ثم بعد ذلك توقعوا منه الانتاج الجيد والاخلاص والتفاني وكانوا يعالجون المشاكل والمظالم التي صنعوها بأنفسهم بمشاكل ومظالم أشد وأنكى مثل طرد العامل أو الاستمرار في تخفيض أجره بزعم تفادي الخسائر أو رفع الارباح حتى اصبح المال في تلك البلاد دولة بين الاغنياء وعددهم محدود وضئيل بالنسبة لأبناء الأمة أو الدولة أما بقية الناس فليس لها الا البؤس والفاقة والتشرد والانحراف والسجون والمخدرات!.
أما في العالم الصناعي فقد أُعطي العامل حقه فأعطى وأنتج وقامت هناك نهضة صناعية كبرى قدمت للبشرية خدمات ضخمة واصبح لما قدمته الأمم الناهضة آثار مادية في كل شبر في العالم ولو نظر الانسان الى أثاث منزله والضروريات التي يقتنيها في حياته وكذلك الكماليات لرأى أنها قادمة الى داره من العالم الصناعي او ممن تبعه من الأمم الناهضة أما الدول التي تضطهد العمال وتأكل حقوقهم فلا تقدم للعالم الا الأمراض والشرور والحروب واللاجئين والمشردين والهاربين من وجه الظلم والسحل، وخزائن مفلسة مثقلة بالمليارات من الديون التي تعجز تلك الدول عن الوفاء بالفوائد الربوية المفروضة على الديون المتراكمة بعضها فوق بعض!.
لقد كان حريّاً بالدول النامية التي شاركت في قمة سياتل ان تكون ايجابية في قبول الدعوة الى الحفاظ على حقوق العمال والانسان والاستفادة من تجارب الأمم الناجحة بدل مقاومة ذلك الاصلاح البشري وبوقاحة لا حدّ لها، ولكن كيف يحصل ما يرجوه الانسان في العالم الثالث والعقول والوجوه ثابتة لا تتغير، بل وتزداد سواداً وحلكة مع مرور الأيام والأعوام؟!.
عالم متخلف لا يستحق الحياة!
,, وعلى ذكر ما يلاقيه العمال القاصرون من ظلم واضطهاد على أيدي من يشغلهم بعد ان تجبرهم ظروفهم على دخول سوق العمل والكدح وهم في عمر الزهور، فقد هزّتني قصة الفتاة العربية التي لقيت مصرعها تحت وطأة التعذيب على يد صاحبة المنزل الذي كانت المسكينة تعمل فيه حسب ما نشر في جريدة الحياة بعددها الصادر يوم الجمعة الماضي.
ومأساة هذه العاملة المنزلية وعمرها أربعة عشر ربيعاً أنها وجدت نفسها مضطرة للعمل خادمة في منزل من المنازل العربية في بلدها حتى تحصل على لقمة العيش المغموسة بالعرق والدموع والحرمان والبؤس، ولكن صاحبة الدار أخذت تعذبها وتضع جسدها الغض فوق فرن ساخن حتى تشم رائحة الشواء، يساعدها على جرائمها ابنتها التي تبلغ في العمر نفس عمر تلك الفتاة البائسة وكانت النتيجة أن فارقت الفتاة الحياة ولما وصل الأمر الى الشرطة اتهمت الأم الرؤوم ابنتها بالقيام بأعمال التعذيب بزعم وجود خلاف بين الفتاتين ولكن الشرطة لم تنطلِ عليها أكاذيب المرأة المجرمة وفتحت قضية مصرع الفتاة مسألة تشغيل القاصرين وما يتعرضون له من اساءة بالغة وعدوان أثيم, ومأساة هذه الفتاة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في عالمنا الثالث الذي يقاوم الاصلاح ولا تعترف معظم دوله بحقوق الانسان وتعتبر الحديث عنها إرهاباً أو خروجاً على القوانين حتى بلغت الوقاحة بها الى حد اعلان معارضتها الصريحة لبحث المسألة في لقاءات دولية كما حصل في قمة سياتل,.
الدكتور الهويمل,, والجائزة!
سررت جداً بما قرأته في هذه الجريدة مؤخراً عن نيل الاخ الدكتور حسن الهويمل الأديب والناقد المعروف جائزة شاعر مكة المكرمة التي تتخذ من القاهرة مقراً لها، على بحث له حول الملامح الاسلامية في الشعر السعودي.
والجائزة المذكورة حديثة الانشاء وتحمل اسم الشاعر المكي الرائد الاستاذ محمد حسن فقي وقد تبناها خدمة للأدب ولاسم الشاعر الرائد معالي الشيخ احمد زكي يماني وزير البترول الاسبق، والشيخ نفسه عالم وأديب وصحفي سابق اضافة الى خبراته العتيدة في شؤون الطاقة والنفط.
أما حامل الجائزة لهذا العام 99م فإنه أحد ألمع النقاد والأدباء في بلادنا وهو باحث مثابر من الدرجة الاولى وله مبادىء عامة لا يحيد عنها، وقد دخل في سبيلها معارك مع رهط الحداثة وعلى رأسهم الدكتور عبد الله الغزامي الذي لم يستطع مجاراته فحرض عليه اعوانه في الصفحات الأدبية الذين حاولوا النيل من الدكتور الهويمل بالتقليل من شأنه، بل إن الدكتور الغزامي على ما له من علم وتمكُّن فضَّل السخرية من د, الهويمل وادعى انه لا يفهم في منهج النقد الحديث وأنه يخبط خبط عشواء، وذلك بدلاً من مقارعة الحجة بالحجة من اجل الوصول الى الحقيقة عبر حوار أدبي موضوعي جميل.
وقد كونت صورة أدبية جيدة عن الدكتور الهويمل من خلال قراءاتي لبعض ما يكتبه في الصحف من مقالات وبحوث ضافية تستحق أن تطبع في كتب لتكون اضافة الى المكتبة الادبية والنقدية، ولذا فليس غريباً أن ينال احد بحوثه جائزة أدبية يتزاحم عليها المئات من الباحثين والأدباء في مصر والسعودية والعالم العربي.
مطبوعات مهداة
وصلتني في الفترة الاخيرة مجموعة من المطبوعات المهداة ومنها عدد من مجلة المعرفة الزاخرة بالمقالات التربوية الرائعة وكان موضوعها الرئيسي عن العنف في المدارس وهل وصل الى مدارسنا، ومع المجلة كتاب المعرفة وهو ملحق فكري يصدر عن المجلة وكان عنوان الكتاب نحن والعولمة,, من يربي الآخر! بقلم نخبة من المفكرين العرب، كما وصلني العدد الجديد من مجلة الطيران المدني وكان العدد يحمل العديد من المقالات والتحقيقات في مجال الطيران المدني ومنها تحقيق صحفي ضافٍ عن مطار الملك فهد الدولي بالظهران وكتب افتتاحية العدد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز بمناسبة افتتاح هذا المطار الدولي العملاق، وفي العدد زخم من الاخبار الجيدة ومنها خبر عن صدور الموافقة على تأسيس شركة وطنية للإخلاء الطبي.
ومما أُهديته من مطبوعات الملف الشهري الصادر عن مدينة القدس وهو من إعداد مركز الاعلام العربي بمصر ويتضمن مقالات هامة حول القدس بقلم كبار الكتّاب العرب المختصين في قضية فلسطين.
وهذا كتاب رائع صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة وهي سلسلة تنشرها وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في قطر، والكتاب يحمل عنوان (دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الاولى) للباحثة آمال قرداش بنت الحسين.
وفي مجال الشعر وصلتني ثلاثة دواوين شعرية الأول من الشاعر السوري مصطفى النجار بعنوان (كلمات ليست للصمت) حيث يقول في مقطع من احدى قصائده:
لك الشعر والومضة المرتجاة
لك الشعر والوردة المصطفاة
لك القلب هذا الذي تسكنين
وهذا الكتاب الذي ترسمين
وهذا الصباح الذي تعشقين
فمدّي إليَّ جديد المودةِ,.
بوحي بعطر طوته السنين؟! .
أما أخونا الشاعر المكي عبد العزيز بهادر، فقد أهداني ديوانين أصدرهما مؤخراً الأول يحمل عنوان نبضات الفؤاد والثاني هو الطبعة الثانية لديوانه الأول (من حسن حظي ان مكة المكرمة)، ومن ديوان نبضات الفؤاد نقدم هذه الأبيات الاجتماعية التي تتحدث عن نوع من الفساد الاداري:
ماذا جنيت من الاخلاص في العمل سوى العداوة والبغضاء والملَل اضحى التفاني من الافراد مثلبةً تودي بصاحبها في وهدة الوحَل يا صاحِ هذا زمانٌ لا يعايشه سوى الكسول ومن يمتاز بالحيَل |
إلى أن يقول:
لا وزن للجدِّ يا اخوان فانتظروا سوء العواقب مما حلَّ من هزل فالله اسأل أن يهدي من انحرفوا وجانبوا الحق بالاغراء والنِحل |
نشكر لجميع المهدين ما قدموه لنا من ثمرات المطابع والعقول,, والله ولي التوفيق.