Sunday 5th December, 1999 G No. 9929جريدة الجزيرة الأحد 27 ,شعبان 1420 العدد 9929


رد الفعل العربي للتحدي الإسرائيلي

شكلت اسرائيل ومنذ تأسيسها تحدياً كبيراً لدول العالم العربي, لقد قاوم سكان فلسطين فتح ابواب هجرة اليهود لفلسطين اثناء فترة الانتداب البريطاني، وبعد ان نجحت بريطانيا في تدبير هجرة أكبر عدد ممكن من اليهود ضمن حدود قدراتها في اسكات واخماد الثورات العربية سلمت القضية للأمم المتحدة, وقد قررت الامم المتحدة تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية, ورغم ان سكان فلسطين من اليهود في ذلك الوقت لم يتجاوز ثلث اجمالي سكان فلسطين فقد منحوا 56% من ارض فلسطين اضافة الى ان الامم المتحدة لا تملك حق منح هذه الارض لليهود او غيرهم فالاحق بها السكان الذين يقطنون عليها, لقد رفض العرب هذه القسمة الضيزي وقرروا عدم الاعتراف بشرعية وجود دولة لليهود على ارض فلسطين, ووقعت اثر الانسحاب البريطاني من فلسطين حرب بين الدول العربية والعصابات والمنظمات العسكرية للمهاجرين اليهود في العام 1948 ونتج عن هذه الحرب فقدان العرب لحوالي 70% من مساحة فلسطين للدولة اليهودية,وكانت هزيمة الجيوش العربية في تلك الحرب قد كشفت الكثير من الفساد والتحلل الذي تعاني منه كثير من الانظمة السياسية الحاكمة في عدد من الدول العربية، لذلك شهدت فترة الخمسينيات قيام عدد من الانقلابات والتغييرات السياسية في تلك الدول.
وفي الستينيات حدث انشقاق كبير في الصف العربي بين الانظمة السياسية المحافظة والانظمة السياسية الثورية, وغرق العرب في حروب جانبية مكنت اسرائيل في العام 1967 من ضم ال 30% الباقية من مساحة فلسطين وكذلك احتلال صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية وامام هذه الهزيمة القاسية كان على العرب ان يتركوا خلافاتهم جانبا ويتفرغوا لمواجهة الخطر الاسرائيلي الداهم, لقد بلغت اسرائيل قمة عنجهيتها وغرورها في اعقاب حرب 1967 ورفضت قبول اي حلول سلمية او الانصياع لقرارات الامم المتحدة ولذا لم يجد العرب مفرا من اعلان سلاحهم الاخير وهو التعنت ورفض اعطاء اسرائيل نصراً سياسياً اضافة الى النصر العسكري الذي حققته وكان ان اعلن العرب لاءات الخرطوم وكان ذلك هو الرد الافضل, فبالرغم من الهزيمة العسكرية القاسية قررت القيادات العربية الالتفاف حول بعضها البعض واعلان التحدي والعناد مع ترك الباب مفتوحا لحلول سلمية مشرفة, وشهدت الفترة من 1967 الى 1977 افضل مراحل التضامن العربي وحقق العرب خلالها انتصارا ليس كاملا ولكن مهما على اسرائيل في شهر اكتوبر 1973م رمضان المبارك 1393ه ولكن ما لبث التضامن العربي ان تفتت بعد ان قرر الرئيس المصري السابق انور السادات ان يقفز على المراحل ويصل الى سلام منفرد مع اسرائيل وبدخول مصر في عملية السلام مع اسرائيل اصبح صعبا على بقية الدول العربية مواجهة اسرائيل لما لمصر من ثقل سكاني وعسكري وسياسي ومع ان مصر استرجعت صحراء سيناء وهذا مكسب للعرب ومصر ولم يبق مزعجا لاسرائيل سوى المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان, وفي عام 1982 غزت اسرائيل لبنان وطردت المقاومة الفلسطينية من هناك, وامام هذه الاوضاع قام العرب بتبني مبادرة سلام مع اسرائيل تدعو للانسحاب من الاراضي المحتلة سنة 1967 مقابل الاعتراف بدولة اسرائيل, لكن لم يكن هناك ما يرغم اسرائيل على القبول بمبادرات السلام, الا انه تفجرت في العام 1987 انتفاضة الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة سنة 1967 بل وامتدت تلك الانتفاضة الى الاراضي المحتلة سنة 1948 وأصبحت هذه الانتفاضة تشكل معضلة كبرى لدولة اسرائيل, ونتيجة للتغير الذي حدث في النظام الدولي بعد مجيء غورباتشوف للسلطة في الاتحاد السوفيتي ونتيجة كذلك لاكتشاف الولايات المتحدة لأهمية حلحلة الصراع العربي الاسرائيلي لما يسببه من مصدر توتر وقلق في منطقة هامة من العالم خصوصا بعد حرب تحرير الكويت، دعت الولايات المتحدة بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق الى مؤتمر دولي لحل قضية الصراع العربي الاسرائيلي, وعقد هذا المؤتمر في اكتوبر سنة 1991 وتفرع عنه عدد من اللجان والمفاوضات الثنائية والمفاوضات الجماعية, وبحلول اكتوبر الماضي يكون قد مضى ثماني سنوات على مفاوضات السلام ولم يتحقق السلام بعد, وكل ما تحقق هو انسحاب اسرائيل من اقل من 20% من مساحة الضفة الغربية لنهر الاردن لتكون تحت الادارة الامنية والمدنية الفلسطينية و20% اخرى تحت الادارة المدنية الفلسطينية وهذه مناطق مكتظة بالسكان وكانت تشكل مصدر ازعاج وقلق امني ونفسي لاسرائيل وبالتالي جاءت اسرائيل بسلطة فلسطينية تضبط الامن في هذه الاماكن, وفي شهر سبتمبر الماضي 1999 افتتحت مفاوضات الوضع النهائي للاراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 ولمجمل القضايا العالقة ويبدو الاتجاه الذي ستسير عليه هذه المفاوضات يدور حول انسحابات اسرائيلية اضافية مع ترك قضايا صعبة مثل حق اللاجئين بالعودة وقضية القدس والمستوطنات الاسرائيلية في الضفة والقطاع وتأجيلها الى اجل غير معلوم, وبذلك تكون اسرائيل قد حققت اهدافها بالحصول على الامن والسلام مقابل اعطاء العرب اقل القليل من حقوقهم المغتصبة, وامام هذا التحدي ماذا سيكون رد فعل العرب والمسلمين هذه المرة؟ هل سيكون مشابهاً لما حدث بعد هزيمة 1948 (تغيير في الانظمة السياسية المسئولة مسئولية مباشرة عن هذه النتيجة) او سيكون مشابهاً لما حدث بعد هزيمة 1967 (تضامن عربي) او رد فعل من نوع جديد؟ من جهتي اعتقد ان الوقت في صالح العرب والمسلمين على الرغم من محاولة اسرائيل استخدام الاستيطان كوسيلة ضغط (اي ان لم تسارعوا في القبول بالسلام فسيستمر الاستيطان في الاراضي المحتلة سنة 1967 حتى لا يبقى منها الا القليل) وحيث تقوم حكومات الليكود بافتتاح مستوطنات جديدة وتقوم الحكومات العمالية بالتوسع فيها وملئها بالسكان, ولنتذكر دائما ان من ابرز ما دفع باسرائيل الى التفاوض على الاراضي المحتلة سنة 1967 كان الانتفاضة، وهي سلاح يستطيع الفلسطينيون دائما العودة اليه, في سبتمبر القادم تنتهي مدة المفاوضات النهائية وعلى الفلسطينيين ان يقرروا استئناف الكفاح لنيل الحد الادنى من حقوقهم المشروعة في اقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس وضمان حق اللاجئين في العودة الى ديارهم وهذا ما تنص عليه قرارات الامم المتحدة ومبادىء القانون الدولي غير القابلة للتصرف وعلينا الا نرضى بأقل من هذا, فما الذي يجبرنا للقبول؟ فالوقت دائما في صالحنا، فالدول العربية والاسلامية تحيط بفلسطين من كل جانب، ومن الخطأ ان نعطي اسرائيل بالمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالحرب وهو الاعتراف والسلام والحدود الآمنة, في سبتمبر القادم علينا الرجوع الى لاءات الخرطوم، فمهما بلغت من الضعف ومهما بلغ عدوك من القوة فهو لا يستطيع ان يفرض عليك التعايش السلمي.
بعد 1967 كانت اسرائيل في عز قوتها العسكرية وكان العرب مهزومين على كل الجبهات، هذا ما كان يبدو للناظر في الوهلة الاولى لكن النظرة الثانية والثالثة في الموضوع تجعل الانسان الحكيم والشجاع يعرف ان ذلك النصر كان في حين غفلة، وان اسرائيل والاسرائيليين اضعف بكثير عند مقارنتهم بالفلسطينيين والعرب والمسلمين مما يعتقد البعض.
في سبتمبر القادم اطلقوا لقوى المقاومة العنان وسترون كم هي اسرائيل ضعيفة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أسواق وصيف

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved