سالم,, الطبَّاخ أنور عبدالمجيد الجبرتي |
** الغت الجامعة السكن الطلابي، أو ، الطَّالبي، عندما التحقت بالسَّنة الأولى في كلية التجارة، ولأسباب، لم نكن متأكدين منها.
* وكان على الجميع، طلاباً قدامى، وطلاباً مستجدين، أن يبحثوا عن مساكن، وينظموا انفسهم في مجموعات، وتشكيلات بشرية، وتركيبات مزاجية، ليتشاركوا في استئجار المساكن، واقناع الجيران ومكاتب العقار، بأنهم اولاد طيبون، مؤدبون، جديرون بالجوار الحسن النظيف.
* استأجرنا فلَّة صغيرة في منطقة الخزان، بجوار مسجد، كان يؤم الصَّلاة فيه، الشيخ عبدالرزاق عفيفي، رحمه الله ، وكانت، توصية الشيخ الجليل، وتزكيته، مع بعض المعارف الآخرين، عاملاً مهما في قبولنا، واستقرارنا في هذه الفلَّة الصغيرة الهادئة، خلال سنوات دراستنا في الجامعة.
* أتانا، سالم، مع زميل عريق, كان، سالم، يعمل، مساعداً له، ولمجموعة من الطلاب، في، السكن الجامعي، وقدمه، ذلك الزميل، بأنه طباخ جيد، ولديه قدرة على إتقان طبخات جديدة، اذا اتسعت صدورنا، و طوَّلنا بالنا قليلاً، لمواجهة مراحل، التعلَّم، البطيئة، ومعاناته المعقولة.
* كان سالم، نحيلاً، ضئيلاً، وبدا لي، في بداية الأمر، هادئاً، ودرويشاً، يشوبه بعض من الغباء، كان حريصاً على أناقة فوطته، وقميصه، وكان شديد العناية بخصلات شعره التي يفردها، وينزلها على جبينه، وكان، يرتدي، دائما، نظارة شمسية يخفي بها، عاهة في عينه اليمنى، أصابته، في بلاده، في عهد الطفولة, وكان يحمل معه، دائما، راديو ترانزيستور، يمشي به، وينقله بين أذنيه، يلصقه بهما، مستمعاً، الى اذاعات بعيدة، مشوشة، ولعله كان يسلي به وحدته الخاصة به، في وسط زحام الشلَّة الكبير.
* قضى، سالم، معنا، سنوات المرحلة الجامعية كلَّها، ولنا، معه نوادر مثيرة، وقصص طريفة، ربما، يأتي، الزمان المناسب، لذكرها، اذا تيسَّر الرجوع، الى ذلك الزمان، وسرد حوادثه، وظروفه، وأشخاصه.
* كانت أول، مواجهة حقيقية مع، سالم، عندما أتى دوري، في ادارة مصاريف الفلَّة، من طعام، وشراب، وكهرباء، وأنابيب غاز، وغير ذلك من امور الحياة اليوميَّة.
* وكان، انطباعي، العام، عن سالم، انه، رجل، متَّهم بمعرفة الطبخ، وانه جزء، من متاعب الغُربة، والدراسة،التي يجب ان نتحملها، ونتعايش معها، وان نحمد الله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، على غباء سالم ومشاكله.
*كان، سالم، يمتلك، صيغة كيميائية، سرَّية للغاية، وناجحة، يحوَّل بها، الرُّز، الى زلَط، والإدام، الى عصير بصل، والشوربة الى جريش، وكان أول طباخ في التاريخ، ينجح في حشو، الكوسة، من الخارج، ولف، الرز والمفرومة على ورق العنب، واعادة الحياة الى اللحم والسَّمك، في قُدور الطبخ، احتجاجاً على سوء المعاملة.
* ناديت، سالم، الى غرفتي، للنقاش، حول الميزانية، ومعايير الصرف، واجراءاته.
قلت له: ياسالم، انت رجل صادق، ومؤتمن،ونحن جميعاً، مشغولون، بالامتحانات ولا وقت لدي، لمراجعة أسعار الطماطم، والبصل، لذلك، سأعطيك، كامل الصلاحية في الصرف، على أساس معايير محددة: ان تتحسن نوعية الأكل، وان تنخفض المصاريف بنسبة عشرة في المائة، وسأسعى لإقناع الزملاء، لاعطائك نصف الوفر، حافزاً، وتشجيعاً.
*كنت اعتقد، ان هذا العرض،معقول، ومتحضر، ومرن، ويتماشى، مع بعض نظريات الادارة الحديثة، التي تعلمناها من الاستاذ، الحكَّاك، مدرس ادارة الاعمال الشهير، بكلية التجارة.
وضع، سالم، الترانزيستور، على المكتب، خلع نظارته الشمسية، تأكَّد من ربط فُوطته حول خصره، أسند، رجله اليسرى الى الحائط، لَمسَ، خصلات شعره، المتدلية على جبهته، وأطلق ضحكته الصاخبة المجلجلة.
اسرعت الى قفل باب الغرفة، حتى لا يخرج الزملاء من جُحورهم ويطلعوا على مداولات الاجتماع السرِّي، وأنَّبت سالم، على ضحك، لا سبب له، لكنه، لم يمهلني كثيراً، وألقى عليَّ محاضرة، تمرَّس، في إلقائها على بقية الزملاء.
قال سالم، تظنون انكم اذكياء، وأنني جاهل وغبي، اقتراحك، ياأستاذ، اسمعه في بداية، كل شهر،من كل زميل من زملائك، ابتداءً من الزميل، ذي الشَّنب الكبير القابع في تلك الغرفة، وسأسمعه من غيرك، ولو امكن تحقيقه، لاستطعت اطعامكم، اليوم، بمائتي ريال في الشهر, اذا أردتم تخفيض مصاريفكم، خففوا من أكلكم، واربطوا احزمتكم حول بطونكم، واقتصدوا في عدد الضيوف الذين يتناولون الطعام عندكم، واضربوا على يد المتسللين الى المطبخ في جوف الليل,
*وضع سالم نظارته الشمسية، والتقط الترانزيستور، والصقه على اذنه، وذهب يتمخطر، على انغام أغنية، قادمة من اذاعة,, بعيدة,, مشوَّشة.
|
|
|