هل تساوت الأشياء؟! وتقطعت الحواجز بين الرخيص والثمين,, فلم تعد العقول تتفاوت,, ولم يعد فرق بين الجاهل والعالم, والفعال المؤثر والكسلان الخامل,, أنا أعرف أن كل الناس لهم أقدام,, وأيدٍ قد تتفاوت في الطول والقصر والاستواء والتفلطح,, لكن أن يكون الناس على قدرة واحدة وبعقل واحد فهذا ما لا يتصوره مدرك.
غلط أحد المشايخ السابقين في زمن مضى,, على أحد القرويين البسطاء فنعته هذا الشيخ في أصله كما هو سائد في هذه البقعة من الأرض من غير دليل ولا حقيقة.
فرد القروي البسيط على الشيخ المتعلم, صاحب المقام الرفيع,, قال,, الله يهديك يا شيخ,, ما ودي,, أتعبك,, فأقول,, أنسب نفسك إلى آدم,, فآدم بعيد عنك,, لكن أنسب نفسك إلى نوح,, فأدرك الشيخ فداحة خطئه, فاعتذر بحرارة وأسف لكن القروي البسيط ضحك في داخله,, وتبين له أن الجاه من غير عقل راجح, ولا إحساس إنساني مترفع قد يقود صاحبه للندم وقد يفقده قيمته, أما الملك عبدالعزيز عندما هاجم المصمك,, وكان معه من الشجعان الكثيرون وفيهم البطل المعروف سبعان، وكانت له صرخة معها نخوة اشتهر بها قال الملك صاحب الرأي الثاقب, والعقل الراجح, ما دام إنا نسمع صرخة سبعان فحنا بخير,, قلت هذا هو الفرق بين العقول,, وأصحاب المناصب والقيادات,, لكن يظل هذا الخير من الأرض, تتفاوت فيه الأشياء وتجد من يقوّم الناس بعلل وأسباب لا تدخل في باب الموازين العقلية ذات الطابع الإنساني.
ولو نظرنا إلى كتاب ربنا العظيم لقرأنا فيه قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ,, وقال في جزء من آية إن أكرمكم عند الله أتقاكم,, لكن كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم,, فيما معنى الحديث أن خصلة من خصال الجاهلية تظل باقية في أمته حتى تقوم الساعة, ونحن في عصر العلم والنضوج العقلي الإنساني,, نرى الأشياء أحياناً تأخد مسارا معوجا ونرى كلمات المدح والقدح تفصل حسب الأهواء والرغبات وما تأتي هذه إلا من عقول لم تنضج ولم تدرك حتى تكريم بني آدم, ومما يحمل على العجب أن ترى القدرات والقيم تجد تميزها وقيمتها لدى الناس على اختلاف مناهجهم وأنسابهم، ومع هذا فيظل هذا الإنسان على تصوراته الجاهلية الموروثة بشكل اعتباطي يعجز العلم عن إذابته ومحوه.