مما أثلج صدري وزادني ثقة واطمئناناً على صحة مسار حركتنا الشعبية، ذاك المقال الذي نشرته جريدة الجزيرة يوم الجمعة الفائت بتاريخ 4/8/1420ه بقلم استاذنا محمد العصيمي رداً على مقالي الأسبق,, فحمدت الله أن الحركة الثقافية مازالت بخير وعافية تحسد عليه، وكنت أتمنى لو كانت حركتنا الثقافية تتحلى في كل ابداعاتها واطروحاتها الثقافية بالموضوعية والحيادية التامة، وحينها ينام احدنا قرير العين هانئاً غير خائف أو وجل عليها، ولكن مقال استاذنا العصيمي نسف كل موضوعية ثقافية في الحركة واعادها الى الوراء كثيراً، إذ بدأ التعصب والانحياز جلياً في مقاله وارتسم التشنج واضحاً في كل فقراته، فقرة فقرة، وهذا لعمري خط لا أنتهجه في كل كتاباتي، ولا أرتضيه منهجاً فكرياً لأي كاتب كائناً من كان ناهيك أن أتبناه لنفسي، وكيف أدعو لغيري ما أكرهه لنفسي، وإلا فقل لي بربك ما الذي تفهمه من ذلك العنوان الذي تصدر به المقال الخنيفر عقدة القرقاح فلست مصاباً بهوس أو عقد نفسية ولله الحمد في ذلك ولست ممن أتقمص شخصية مؤلف أو شاعر ولا أتخفى وراء اسم كبير أتوارى خلفه، كما لا أردد أقوال غيري من الاساتذة الكبار في نظرك، كما لو كانت نصوصاً مقدسة تحاط بسياج كثيف وآمن ولكنني كالصيرفي الناقد أنتقي من الدراهم الجيادا وأعف عن المزيف منها، وأقلب نظري في كل مؤلَّف فكري يطرح في الساحة وأعمل عقلي فيه وأتمعن في كل جزئياته وكلياته بفكر ثاقب وعقل متفتح وهذا ما فعلته في مقالي السابق بكل موضوعية ودقة، بعيداً عن التشنج والتعصب، أورد ملاحظاتي في كل وقفة بكل تمهل وروية غير عجل من أمري ولا متسرع فيه.
استهل استاذنا العصيمي مقاله بقوله ولقد جعل من نفسه مراقباً للساحة وراصداً لحركتها، ولم يذكر لنا من كلفه ومتى تقلد هذه المهمة الصعبة , لم يكلفني أحد يا أخي بمراقبة الساحة أو رصدها ولست في حاجة الى من يكلفني بذلك، ولكن دراساتي الأكاديمية ودوري كباحث من حملة الأقلام الأكاديمية حتّما علي ذلك، استشعاراً بتحمل المسؤولية المناطة بكل باحث ودارس حتى نصحح هذه الحركة الثقافية ونبعث فيها الروح والحياة وننفض عنها غبار الرتابة والجمود، فما أكثر ما تمور به الساحة من مؤلفات كثيرة في حاجة إلى من يدرسها ويقومها التقويم الصحيح، والى الدواوين الشعرية الهائلة فيقرضها وينتقدها ويأخذ بأيدي أصحابها تصويباً وارشاداً، تلك هي رسالة الباحث الأكاديمي المطلوب في كل مرحلة ثقافية لأي مجتمع بشري، أم تريدنا أن نركن إلى الراحة والدعة وان نتقبل كل اصدار على أنه أمر مسلم به!!.
أما بخصوص كتاب الشيخ منديل الفهيد واصداراته الكثيرة، فإنه لم يفتني ان الكتاب قد تتابع في أجزاء، ولكن وفق دراستي الأكاديمية المتجردة فإن الغيرة ليست في كثرة الأجزاء وتتابعها وانما في اكتمالها ونضجها واستيفائها لمجمل الحقائق المطروحة فيه تمحيصاً وبحثاً، ولقد اعتبرت الجزء الواحد منها جزئياً لم ينضح بعد وهو في حاجة الى اكمال وتوسع شديدين.
والذي خرجت به من مقالك السالف هو انشغالك التام بالدفاع عن المنديل والتستر خلفه، إذ جعلته درعاً واقياً تذود به عن نفسك، تتخفى وراءه حتى تبرر اخطاءه الواضحة، وليس من عيب أن تورد أخطاء الباحثين والمؤلفين ما داموا يؤلفون للناس ويكتبون لهم، ولكن العيب في التعامي عن سماع قول الحق، ورحم الله سيدنا عمر اذ يقول: رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي ففيم التشنج والغضب إذاً ولكنك تأبى وتكابر ولا كبير في مجال الفكر والعلم.
وأراك منزعجاً وضائقاً صدرك عندما قلت ان الشيخ يعتمد في مروياته على وكالة يقولون فهذا قول صائب لا غبار عليه، بل ان جل ما كتب قديماً اعتمد في بعض مصادره على الرواة، وليس كل الرواة يعتمد عليهم، فمعظمهم حاطب ليل، تخالط مروياتهم الأغراض الشخصية فضلاً عما يعتري بعضهم مظنة اللبس والخلط فيما يروون، أما البعض الآخر ممن ردوا إلى أرذل العمر فلقد طرأ عليهم الخرف والنسيان، فما ظنك بشيخ طاعن في العمر قد نسي اسمه تؤخذ من مروياته وتكتب، ومن أجل ذلك قال المؤرخون وما آفة الأخبار إلا رواتها ولك يا أخي ان تفهم بعد ذلك كما تحب وترضى.
أما عتبي على الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل فمرده الى ما يتمتع به الشيخ من مكانة علمية رفيعة بيننا، فالشيخ راسخ في العلم والبحث الجاد، وهو ممن يحتج بآرائه الأكاديمية ويستشهد بها، وعهدي به في كل أموره وقافاً ومستنبطاً وناقداً متفحصاً، ولكنه اخفق من غير عادته، إذ اعتمد على مصادر من غير مظانها الصحيحة، أو كما أوضحت ذلك في مقالك القضية، والحمد لله على اعترافك بهذا الخلط البين الذي أصاب الشيخ الفهيد.
ولقد نعتني بعدم الاهتمام الجاد ورميتني بالقصور، واذا كان ذلك كذلك، فما ظنك بباحث عظيم في حجم شيخنا أبي عبدالرحمن يجانبه الصواب في نسبة القصيدة الى صاحبها الحقيقي فراج بن ريفة القرقاح، وماذاك إلا لأنه اعتمد على الشيخ المنديل فأضله وما هدى.
وما ألحظه في مقالك تحاملك الشديد علي، إذ كثيراً ما تستل سلاحك من غير حرب مني، وأغلب الظن انك ما أردت من ذاك المقال إلا القدح والسب فيما أوردته من ملاحظات واستدراكات، بنية القدح والذم ليس إلا، ولكني أقول لك ان من تتبع شيئاً وجده وان لم يكن في صاحبه، ولو أنك نظرت إلى مقالي بعين المستحسن المحب ونزعت عنك نظارتك السوداء، لوجدت فيه ما يسرك ويثلج صدرك، ولكنه الغرض والغرض مرض كما يقولون.
بيد أني اشتم في مقالك رائحة التزلف واستدرار العطف، حتى تستميل اليك قلب مشرف الصفحة من أجل نشر مقالك على صفحات الجزيرة، وأراك تمدح وتطري صفحة تراث الجزيرة دون غيرها من الصفحات الأخرى وتغمز بطرف خفي الصفحات الشعبية التي تصدر من باقي المجلات الأخرى، وفي هذا تحيز لا مبرر له وغمط لحقوق محرري تلك الصفحات، وموقف متخاذل كنت أربأ بك عن الوقوع فيه، كما أنه ليس من أخلاق حملة الأقلام الاكاديمية ممن يتحلون بالنزاهة في الطرح والحيادية في الفكر.
ولقد استرعى انتباهي قولك الحمد لله انهم لم ينصبوك برصد ثغر يهم الأمة ,, فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لقد نصبت يا أخي راصداً لثغر الأمة في الشرق ولكنك عجزت عن حمل لوائها، إذ كان ثقيلاً على كاهلك.
وختاماً اشكرك على ذاك المقال المضطرب المثخن بالجراح والقدح، ففيه استذكار لشؤون وقضايا ساحتنا الشعبية الساخنة والتي تحتاج الى وقفات ووقفات، وعلى صفحات جريدة الجزيرة الغراء دوماً نلتقي على بساط الحوار والمدارسة، فذاك غذاء الروح والعقل، لأنه تناول أساتذة كباراً ونال منهم،وأني لأعجب منك، ولما آل إليه مقالك المضحك، وتراني أتساءل:
ما هذا الخوف الذي أراك ترتعد منه؟ أمن مقال نشر؟ أم من حقائق قيلت؟,.
وما عهدي بالثقاة أمثالك أن ترتعد فرائضهم خوفاً من مقال أو نقد.
سعد بن حمد الخنيفر