المنفاخ, من الأدوات الشعبية التراثية القديمة التي كانت شائعة في الماضي, والغرض منه إيقاد النار قبل معرفتنا لوسائل الوقود الحديثة المعاصرة, والمنفاخ اساس خامته من الخشب والجلد, والنجار الشعبي هو الذي يقوم بإعداده وتهيئته لهذا الغرض, وهو في فكرته يعتمد على سحب الهواء عن طريق فتحة دائرية في الطبقة السفلى في المناخ وهذه الفتحه مُصَمّمَة بطريقة فطرية وعلمية في نفس الوقت تُذكَر لجدنا الحرفي الماهر حيث صمم لها غطآءً من الداخل بقدر الفتحة وهذا الغطاء مثبّت من جهة واحدة بحيث يتحرك أثناء رفع لوحي المنفاخ بحيث يدفع الهواء الداخل الى المنفاخ هذا الغطاء الى أعلى وفي نفس الوقت أثناء قفل طبقتي المنفاخ على بعضهما البعض يخرج الهواء مجتمعاً من فوهة أنبوبة المنفاخ الحديدية والتي في مقدمته لمقاومة الحرارة وفي نفس الوقت لإبعاد المنفاخ عنها, وكلما استمر من يقوم بنفخه فإنه يستمر ويتواصل في إخراج الهواء بطريقة منتظمة تؤدي الغرض المطلوب بيسر وسهولة, والمنفاخ يزخرف عادة بالمرايا المستديرة وبعض من رقائق الصفيح التي تعطيه جمال المنظر, كذلك يزخرف بمادة المسمار الاصفر المعروف باللسان الدارج بالقمر وجميعها مواد زخرفية بسيطة يتلاعب بها الفنان الشعبي وهو صاحب حرفة النجارة وفق ذوقه الفطري البسيط والمعبر, وقد صنف المنفاخ ضمن مستلزمات القهوة المعروفة باللسان الدارج (المعاميل) وذلك لعلاقته الوطيدة بأواني وأدوات القهوة خاصة في الماضي عندما كان الوجار من مستلزمات مجلس الضيافة في البيت السعودي القديم والوجار يبني يزخرف في مجلس الضيافة القديم (الروش) وذلك بمادة الجص وله حرفيون مختصون في بنائه وزخرفته وقد تحدثت عن ذلك بتوسع في الجزء الخامس من هذه الموسوعه (مخطوط) تحت باب الوجار مع الكثيرمن الصور القديمة التي توثق هذا الجانب في اكثر من منطقة, وقد جاء للمنفاخ ذكر في الامثال والاحاجي الشعبية القديمة وغير ذلك وفي المثل الشعبي قال انفخ يا شريم قال مامن برطم ومن الالغاز او الاحاجي القديمه الهائمة التراثية والتي كانت شائعة في الماضي هذه الاحجية الشعرية:
(1)
أنشدك عن شيءٍ جنوبه خشب ساج
وبطنه من جلود البهايم يجاب
قرمٍ الى منك نذرته لمحراب
قرمٍ الى شاف الدخان مايهاب
ولصناعة المنفاخ حرفيون مهرة في اكثر من منطقة من مناطق بلادنا الغالية مثل غيره من الكثير من الصناعات التقليدية التي اكتفينا بها محلياً من خامات بيئتنا وخبرة اجدادنا ممن برعوا في هذه الحرفة دون الحاجة الى المستورد المماثل, ومن الجدير بالدراسة أنني أثناء بحثي لدراسة هذه الحرف الشعبية ومقابلة الكثير من أصحابها اتضح لي مبدأ التخصص وهذا تدوينه في الجديد لبعض أصحاب الحرف حيث يذكر لهم إذ إنّ مبدأ التخصص يقود الى الإبداع في فن الحرفة والتي تخصص صاحبها فيها ومن ذلك مثلاً مانقلته وشاهدته من أحد كبار السن من الحرفين في مدينة الرياض ممن تخصص في فنّ نجارة المنفاخ موضوع هذه الدراسة وكذلك المدخنة فقط ولهذا الحرفي وحرفته في هاتين القطعتين شهرة كبيرة وغير ذلك كثير من هذه الأمثلة, اكتفي بهذا عن هذه الأداة الشعبية القديمة التي سادت ثم بادت بتهديد الجديد لها من الأساليب المعاصرة.
هامش:
(1)مأثورات شعبية, للاستاذ محمد العبودي
ص, ب 31187 الرياض 11497