في المقالة السابقة كان الحديث عن باريس العاصمة الفرنسية وعن كلابها وقذارتها الحيوانية التي تشمئز منها نفوس البشر الأسوياء، وخلصنا إلى أن تلك الطبائع الخبيثة قد تأصلت في نفوس سكان باريس إلى درجة انها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من نظام حياتهم، أما باريس المدينة التي يسلب اسمها ألباب الكثيرين فلها أكثر من وجه، غير أن الزوار العابرين لا يرون في الغالب إلا الجانب المشرق الجميل، أما المتأمل في ملامح هذه المدينة فيصاب بنوبات احباط متكرر نتيجة الكم الهائل من الندب المظلمة والثآليل المنتشرة في وجنات هذه العجوز المتصابية.
وما أن يبدأ زائر باريس بالتجول بين أحيانها مستخدماً وسائل المواصلات التقليدية حتى يرى العجب والعجاب، فأول ما يلفت النظر أرتال من البشر تموج في باطن الأرض، داخل أنفاق القطارات التي حفرت تحت الأرض بأحجام وأطوال وأعماق تحار فيها الأفكار، وأعداد أخرى كبيرة من البشر تجول ذهاباً واياباً في شوارع أكثر ما يرى فيها المقاهي والحانات.
وعلى الأرصفة وفي زوايا أنفاق المترو يلفت النظر شحاذون وفنانون وباعة وصعاليك، اتخذوا من زوايا ممرات مترو الأنفاق مأوى لهم، جنسياتهم وأعراقهم متنوعة، جاءوا من أطراف الأرض الأربعة، اجتمعوا في باريس، منهم من يقيم بشكل نظامي، ومنهم من لا يحمل أية أوراق على الاطلاق, تجد هذا يبيع وهذا يغني وذاك يعزف بآلات غريبة، وآخر يفتش في براميل النفايات يبحث عن ؟ ، وهناك طفل يجري هنا وهناك يتعلق بملابس المارة يجذبها,, يستجديهم,, ليمدوا له بعض الصدقة، وهذا كهل رث الثياب ممن يطلق عليهم كلوشار أي الذين لا مأوى لهم، افترش هو وكلبه قطعة كارتون ووضع قبعته القذرة أمامه بها بعض النقود يستدر عطف المارة,,!
ومدينة باريس مدينة غالية، تكلف المقيم بها فوق طاقته، وتسلب من الزائر متعته، لارتفاع أسعار الخدمات بها, أصغر الفنادق وأحقرها لا يقل سعر المبيت فيه عن 50 دولاراً لليلة، أما تلك التي تصنف بالنجوم فهي تتجاوز المائة بمراحل، وربما تجاوز سعر بعضها أضعاف ذلك, أما المأكل والمشرب فحدث ولا حرج، الحرام منه كثير والحلال نادر يسير، وقد لا يخلو من غير المباحات في كثير من الأحيان، نسأل الله العفو والعافية.
هذه بعض ملامح مدينة باريس مما يلفت نظر الزائر المتأمل، وهناك ملامح أخرى كثيرة لم أتعرض لها في هذه العجالة المقتضبة، منها ملامح مشرقة أذكر منها على سبيل المثال، المكتبات ودور النشر ومتاجر الكتب والمتاحف والجامعات, ومن هذه الملامح جوانب أخرى موغلة في القذارة والانحطاط، ولا ترقى إلى أن يُكتب عنها، حيث الجهل بها أولى, هذه الجوانب أو الملامح المظلمة والتي تشكل ندبا وبقعا في غاية القبح تشوه وجه العاصمة الفرنسية، يعتبرها الفرنسيون عامة والباريسيون خاصة جزءا لا يتجزأ من مدينتهم العريقة!، وميزة حضارية يتفوقون بها على سائر الأمم!! بئس الحضارة حضارتهم، وبئس الفن فنهم، وبئس المدينة عاصمتهم,.
والله المستعان
E-Mail: awazrah* yahoo.com>