بنادر جغرافيا الروح علي الشرقاوي |
ما يفرق المجتمعات البشرية عن بعضها امور كثيرة غاية في التضاد اهم هذه الفروقات في تصوري حركة الجغرافيا في مسارها الكوني المستمر المتناقض.
روح المناطق الحارة والجافة كالصحراء الغربية والتي تكون فيها قطرة الماء اكثر اهمية من سبيكة الذهب تختلف عن روح المناطق الباردة كالإسكيمو المحاصرة بالثلوج على مدار العام.
سكان الانهار التي لا تتوقف عن الجريان في جميع الفصول يختلفون عن سكان الجبال الذين يعيشون في انتظار ثمرات الغيوم الناضجة بالرعود والوعود وأهالي الجبال بالطبع يختلفون عن اهالي السواحل المعرضين الى هجمة الاعاصير.
المناطق الحارة كالغابات الاستوائية او الصحارى تفرض على من يسكنها ان يتعامل معها بأسلوبه الخاص وبالشكل الذي تريد، تلوّن بشرته لفحتها التي تحول جسده الى السمرة الداكنة، تحدد له نوعية الملابس التي يرتديها او تخلصه منها، وتهبه الأكل الذي تنتجه أرضها فقط، وتوسم لغته وعاداته وتقاليده بطقوسها وخرافاتها واساطيرها.
المناطق الباردة لها منطقها الخاص في تشكيل الكائن البشري الذي يعيش في محيطها، هي التي تفرض عليه البحث عن الدفء بأي شكل من الاشكال سواء عن طريق البحث الدائم عن فحم الخشب او التفكير بشكل السكن الذي يحميه من هجمات البرد التي لا تكاد ان تتوقف الا لتبدأ من جديد.
من هنا نلاحظ كم الفروقات الواضحة والجلية بين سكان العالم المنتشرين على سطح الكرة الأرضية فالذي يسكن الجبال له نفسية الجبال بصلابته وخشونته وطريقة اكله وطريقة ملبسه، اما الذي يسكن السواحل فهو اقرب الى الروح المائية، سواء في طريقة الأكل او نوعية الملابس او في السكن الذي يحتمي به.
إذاً الجغرافيا قامت بما لديها من امكانيات في وضع الشروط الخاصة بها لكل من يتعامل معها وهي كما نرى جيدا مسائل خارجة عن إرادة الإنسان الا في ما ندر كتخفيف حدة الحر او البرد.
قد يكون شرط الجغرافيا يملك امكانية التفريق بين المجتمعات البشرية ولكن ما لا تستطيعه الجغرافيا بكل تناقضاتها هو التفريق بين المشاعر الإنسانية التي تسكن داخلها فالجنس الابيض والاحمر والاسمر والاصفر والاسود، كل منهم يملك نفس العواطف المتأججة للعيش بكرامة ولامتلاك الرغيف الكريم من غير مد اليد بذل المحتاج وللحب الخالي من المصالح ويملك نفس الرغبة العارمة بالعيش في منطقة يسودها الأمان ويملك نفس الحماس للسلام بين الشعوب ويملك اللغة المشتركة لابعاد شبح الحروب وآلات الدمار والتخلص من جميع اشكال الأسلحة المدمرة المتوفرة اكثر من الخبز في العالم.
إن كانت الجغرافيا ادت الى اشعال حروب كثيرة بين الشمال والجنوب وحروب ضارية بين الشرق والغرب والعكس صحيح فالجغرافيا ايضا ساهمت بشكل كبير في اعطاء العالم تعدده وتنوعه واختلافه واذا كانت شريعة الاقوى سادت اغلب فترات التاريخ البشري منذ الإنسان الاول الذي إن لم يجد اللقمة قام بسرقتها من جاره الاضعف منه فإننا نرى اليوم ضرورة ان تكف الجغرافيا القديمة عن تسيير الشعوب بنفس الطريقة التي سارت عليها من قديم الزمان وتحولها من جغرافيا الخارج الى جغرافيا الداخل، اعني نبذ الفروقات وزراعة بذور التآلف والتعاون بين الشعوب
هل يمكن ذلك؟.
|
|
|