Thursday 2nd December, 1999 G No. 9926جريدة الجزيرة الخميس 24 ,شعبان 1420 العدد 9926


في توصيف المثقف والثقافة (2)
المثقف غائب عن الوعي وذو خطاب مهزوز!
ماجد الحجيلان

تكمن الاشكالية عند دراسة حالة المثقف في التباس المفهوم الخاص به مع اصطلاحات اخرى، فهو ملتبس بالكاتب والاديب والفنان والعالم والباحث والاكاديمي والاداري، بل انه عند بعضهم مزيج من ذلك كله، ولذا فان الاحكام التي تصدر بحقه او حول شخصيته، لا توصف بانها نهائية كما تقدم اذ هي مفتوحة على كل الاحتمالات وهي حمّالة اوجه، قابلة دوما لاجراء المداخلات واحداث الاضافات والدراسات حتى زمن ربما يطول كثيرا تباعا لآراء تقول: ان هذا الموضوع الثقافة والمثقف لم يجرؤ الكثيرون على ارتياده قدر جرأتهم على نتائجه والافرازات المنبثقة عنه.
مكانة المثقف كبيرة، فهو صاحب الرأي الاول في ميادين الطرح الجاد، وهو الذي يتصدر المجالس عند الحديث، اليه يوجه السؤال، وعليه تقترح الحلول والنتائج، صحيح ان معظم نظرياته تنتهي بالفشل وان كل خططه التي رسمها لنفسه باءت بالخسران، لكن استناد آرائه الى حجج العقل والدليل، يجعل الناس يعطونه مكانته التي يستحقها وان لم يلتزموا بما يقوله حرفيا، لكنهم يعرفون ان لديه من الامور ما يستحق ان يكون مثاليا وجيدا.
اما الذين يختلفون معه اختلافا حادا تكون نتائجه علنية، فإنهم غالبا ما يصدرون عن اهواء شخصية او قناعات تستقي مادتها من منبع آخر يمكن التشكيك في سلامته، تلك دوما فكرة المثقف عن المخالفين، وكثيرا ما يكون محقا في هذا التوجه المسبق، ويكاد يكون مسلما ان ذوي النفوذ يرقبونه عن كثب، ويهتمون بما يطرح، لكنهم لا يتابعونه حد التماهي الجارف او التأثر به، بل يكتفون بالاطلاع والمعرفة والمراقبة،وهم معه دائما بين مرغب ومرهب.
اهمية المثقف قد لا تبدو فاعلة بالصورة الراهنة والتي عليها المثقف الآن، اذ هو عديم الجدوى في احيان كثيرة، بل هو عالة على ما يعرفه من علوم ومهارات، وهو كَلٌّ على الناس، يأمر فلا يطاع، ويوجه فلا يجاب، فلاهو بالقائد ولا المقود، انه كائن بلا ملامح، وسلطان بلا سلطة، واداة بلا وظيفة، بل انه بوصف آخر وفي صورته الراهنة غائب عن الوعي تماما,,!
يشعر المثقف بالتميز، ولذا فهو يكوّن حوله سياجا من الاستعلاء، وربما الكبرياء، ويحيط نفسه بهالة من المثقفين المماثلين، ويرفض التفاعل مع من هو ادنى منه ولا يجرب ذلك على الاطلاق ، ومن هنا تنشأ عزلته وشعوره بالوحدة، التي تفضي به الى صفات تبدو سلبية عليه قبل ان تطبع آثارها على مجتمعه الذي يقرؤه الكثيرون من خلال ما يفرزه هذا المثقف المحتجب من تفاعلات نفسية، ومن اضطرابات شعورية.
ولما كان المثقف كائنا اجتماعيا عائم الفعل غائب الحضور استنادا الى تغيب دوره الوعظي الارشادي واغفال الاستئناس برأيه ومشورته مضافا اليها كسله واحباطه الملازم له تجاه المستقبل، فانه يبقى هامشي الفاعلية هلامي الحضور حتى اشعار آخر، وهو يسوغ لنفسه ان سيأتي يوم يدرك فيه الناس من هو، او سينتقل الى حيث يعرف الناس قيمته، وغالبا ما ينتهي الامر بأن ينفي ذاته الى الداخل لتبدأ بالتالي عزلته المعروفة.
يلجأ المثقف الى الاغماض، بدافع من شعوره بلا جدوى الوضوح، واحيانا برغبة عارمة لاظهار المزيد من التبحر في المعرفة، وهو مقتنع الى حد كبير بما يعرفه وما وصل اليه، ولكنه يرغب في ابداء المزيد من التألق، كما يهوى ان يكون غامضا سؤالا غير مفهوم، وشخصا اشكاليا غير محدد بحدود حاسمة، وموضوع اختلاف وارتباط دائم، يضاف الى ذلك جنون المثقف اكثر من غيره من الناشطين بالنجومية الثقافية.
يوصف المثقف عادة بانه مستقلّ، وبانه غير مؤدلج، ويوصف بانه ذو خطاب نقدي ، وذو نزعة جارفة نحو التعديل والتغيير، كما انه وسيط عادل ومأمون بين طرفين معروفين، ولكن الواقع انه ليس مستقلا ولا يخلو من ايديولوجيا متطرفة، وخطابه النقدي مهزوز وغير مكتمل الادوات، وهو مؤخرا ميال الى الصمت والمسالمة، وهو ايضا منحاز الى احد الطرفين بحدة، ولا يجرب ان يكون وسيطا.
والمثقف نخبوي بطبعه، ينحاز الى الجماهير على الورق وفي النظريات، فهو يزود منطلقاته من وقودهم، ويستمد سلطته من حريقهم، ويكاد لا يخلو حديثه من كلمات مثل: الشعب، الناس، الكادحون، الفقراء، العامة المجتمع، القراء، المتابعون,, ولكنهم في الوقت ذاته الدقيق الذي تطحنه رحاه الثقافية، ولا تعترف بفضله وسرعان ما تتنكر له.
ويذهب باحث مهم بالمثقف الى حد كونه بديلا فاشلا ورديئا للسياسي المحترف وهذا حديث في نقد المثقف وفي وظيفته، وهو امر يجدر نقاشه في الحلقة القادمة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved