Wednesday 1st December, 1999 G No. 9924جريدة الجزيرة الاربعاء 23 ,شعبان 1420 العدد 9924


عملُ المرأةِ مرةً أخرى
حمد بن عبد الله القاضي

** وجدت لمقالي الذي نشرته الجزيرة الأربعاء قبل الماضي تحت عنوان هذا رأيي في عمل المرأة ورزقي على الله ,, أصداء كبيرة أكثرها يتفق معها، وبعضها يختلف معي.
وليس من عادتي أن أتناول الموضوع مرة أخرى سواءً بالتعليق أو التعقيب لأني أطرح رأيي الذي أزعم بصوابه، ومن حق الآخرين أن يتفقوا معي أو أن يختلفوا,,!.
واللطيف أنني وجدت اكثر من اتفق معي هن من مخضوبات البنان ، وهن المعنيات بالموضوع.
إنني أعود لهذا الموضوع لأهميته من ناحية، ولأن الأصداء التي تلقيتها أو قرأتها قدمت رؤى وإضافات تثري الموضوع.
ولقد حرصت في مقالتي الأولى أن أكون موضوعياً وأنا أطرق هذا الموضوع، فأنا لم أدعُ إلى بقاء المرأة في بيتها ولكنني أكدت أن التحاقها بالعمل يجب ألا يتم على حساب أخذها وظيفة أخيها الشاب الذي هو أحوج منها إليها.
وحسبنا أن الشاب الذي لا يعمل يسمى عاطلاً ,, أما المرأة عندما تبقى في منزلها فهي لا تسمى عاطلة,, بل هي تقوم بأجلِّ عمل وأغلى رسالة ألا وهو خدمة أسرتها من أبٍ وأمٍّ أو إخوة أو زوج ومن تربية الأولاد ورعايتهم.
وأضيف هنا من رسالة لإحدى الأخوات أن تعلُّمَ المرأة وحصولها على الشهادة يجب ألا يكون الهدف منه الحصول على الوظيفة بل الأمر مرهون، أو يجب أن يكون مرهوناً بحاجتها هي، وحاجة المجتمع إلى عملها، وتوفر الظروف المناسبة للعمل من موقع وخلافه! .
* * *
** ومن أغرب الأشياء التي تلقيتها بعد نشر ذلك الموضوع التي تدعم وجهة النظر التي طرحتها استطلاع صحفي أرسله إليّ أحد الإخوة، وقد تم نشره في مجلة الشرق الصادرة بالدمام وهو عن عمل المرأة وتعيينها في أماكن نائية، وقد جاء في الاستطلاع أمور غريبة تحكي معاناة المرأة التي عملت خارج مقر إقامة أسرتها,, وحسبكم من هذا الاستطلاع هذه العناوين:
* المعلمة منى: مات أبي ولم أعرف بوفاته إلا بعد أسبوع.
* المعلمة عبير: قضيت معظم فترة عملي في إجازة مرضية.
* أم عبد الكريم: زوجي ترك عمله للتفرغ للبيت والأولاد عندما تعيّنت في مكان ناءٍ.
* المعلمة أم عبد الله: رأيت الموت فوق جبال جيزان إذ مدرستها فوق الجبال المرتفعة.
* معلمة: بسبب إصرارها على العمل بعيداً عن زوجها أصبحت مطلقة.
** وأنا أقول تعليقاً على ذلك:
ترى لماذا كل هذا العناء والمعاناة أيتها الأخوات؟.
إنه إذا لم يتوفر لكنّ عمل في مقر إقامة أسركن فَقَرنَ في بيوتكن وارتحن من أمثال هذه المعاناة وهذا العناء، وهذه النتائج المؤلمة من طلاق، ومرض، وعدم معرفة بوفاة أغلى الناس عليكن.
وكم توقفت كثيراً عندما قرأت في ذلك الاستطلاع عن تلك المعلمة التي خيّرها زوجها بين الوظيفة في مكان بعيد عنه وعن أولاده وبين الطلاق وعندما أصرّت على العمل بعيداً عنه تمَّ طلاقها.
عجيب جداً لماذا الإصرار على الوظيفة؟.
ترى!.
إنه من المؤكد أن زوجها عندما طلب منها البقاء في بيتها فإنه ليس هناك ضرورة مادية تدفعها للعمل وإلا لوافق زوجها على عملها بعيداً عن أسرتها.
* * *
** والسؤال
هل أصبح الإصرار على الوظيفة من بعض النساء ولو في أماكن نائية بعيداً عن بيوتهن وأزواجهن وأولادهن، هل هذا الإصرار نتيجة ضرورة أم محصلته ضرر؟.
هل الوظيفة خيرٌ لهن من سعادتهن واستقرارهن في بيوتهن ولدى أزواجهن؟.
هل ترى المرأة عندما تتعلم لا بد أن تتوظف؟.
أليس جميلاً أن توظف ما تعلمته في تربية أولادها وشؤون حياتها!.
أسئلة كثيرة تنهض هنا,, وفي هذا الوقت الذي شحّت فيه الوظائف ليس امام النساء بل وامام الرجال.
* وبعد:
اؤكد أنه لا غضاضة في عمل المرأة إذا ما توفر لها العمل المناسب ظروفاً ومكاناً وحاجةً.
لكن كل الغضاضة أن نسعى ونرفع راية توظيفها حتى ولو على حساب وظيفة إخوانها الرجال أو على حساب ظروفها وزوجها وسكناها في أماكن نائية.
* * *
تقوى وتقنية لكيلا يفوتنا الركب الحضاري!
** أجل، في هذا العالم سوف يُستبعد من لا يعلم ,,!
وهذه الحقيقة التي أكدها د, محمد الرشيد وزير المعارف في كلمته البليغة التي وجّهها إلى المعلمين والطلاب، وأبناء المجتمع عامة.
وكل يوم والعلم يقود التقدم الهائل في هذا العصر تتأكد هذه الحقيقة,,!
والسؤال، أين سيكون موقفنا كأمة عربية إسلامية؟.
إنه سؤال مهمٌّ جداً.
وفي المنظور المحلي السعودي طرح الدكتور الرشيد ثلاثة اسئلة بالغة الأهمية تتعلق بهذه القضية، وأراد منها أن تكون قضايا الحوار في هذا العام,,!.
وهي تستحق فعلاً ذلك.
فهي ليست قضية طلاب ينجحون، ولكنها قضية أمة تريد أن تلحق بركب هذا العالم الذي يوشك أن يدخل ألفيته الثالثة.
إنني أقترح على معالي الدكتور الرشيد، أن تكون هذه القضية بأسئلتها الثلاثة التي طرحها في كلمته موضوع ندوة عامة تتبناها وزارة المعارف ويشارك فيها نخبة من التربويين والإعلاميين والمسؤولين لتكون منطلق حوار يفتح المزيد من الآفاق التي ترسخ هذه الحقيقة، وتحرض على الأخذ بها منهاجاً وإعلاماً وتنمية.
ولعلّ هذه الندوة تكون إحدى مبادرات معالي الدكتور الرشيد التي عوّدنا عليها قبل أن يستوزر من الوزارة لا الوِزر وبعد أن حمل حقيبة الوزارة الأم، بل الوزارة الأم والأب معاً!.
إننا نريد لأمتنا ألا تكون أمة متعلمة,, بل ومتفوقة حضارياً وتعليمياً، ليس لكي لا تُستعبد، بل لتكون في زمالة مع الأمم المتقدمة حضارياً وصناعياً وتعليمياً,,!.
إنني أريد أن يكون لنا موقع نحن مؤهلون له بما نحمله من قيم وثوابت، ويبقى أن ننطلق بقيمنا وثوابتنا على سفينة العلم والتفوق.
إن علينا أن ندرك أن رهان الغد سوف يكون على الثروات الذهنية قبل أن يكون رهاناً على الثروات المادية .
إن عطاء الذهن هو الذي يخلق عطاء المادة.
وإن إعمال الفكر والتفوق في البحث والنهل من أحدث علوم العصر هو طريق المستقبل.
هذه العوامل وحدها لا غيرها التي من يمتلكها هو الذي يمتلك مقومات التحكم في هذه القرية العالمية ، وهي سبيل التفوق في هذا الكون سواء على المستوى الاقتصادي أو الحضاري!.
ونحن أمة قادرة على ذلك متى آمنا أن الاستثمار في حرث العقل مثل وقبل الاستثمار في حرث الارض .
متى أعطينا التعليم ما يتطلبه من مدد مادي، ودعم معنوي.
هنا,.
سنكون من الأيدي العليا في هذا العالم في زمالة مشرفة لأكثر الدول تقدُّماً وتطوراً.
وإن من خير البشرية أن تكون أمة مثل أمتنا هي التي تملك زمام التقدم المادي، لأننا سوف نرشِّد هذا التقدم بثوابت القيم ليكون التقدم العلمي في صالح البشرية إسعاداً وإنماءً!.
إن منارة المصنع بحاجة إلى منارة الجامع، بل إن التقنية بلا تقوى توجهها كما قال أحد المفكرين المسلمين المستنيرين قد تكون عامل هدم لمنجز البشرية بدلاً من أن تكون هذه التقنية سبيلاً إلى رقي الأرض وسعادة الانسان!.
فهل ندرك هذا!.
هل ندرك هذه الحقيقة قبل أن تفوت الفرصة، ويتجاوزنا الركب فنصبح على ما فعلنا بأنفسنا وعقول أجيالنا ومكتسبات أمتنا، نادمين!.
* * *
الشعر وعندما تذهل الشفاه!.
** نظلم الشعر العامي عندما نجرِّد قليله ، وأقول قليله من الابداع مضموناً، وصورة، وذائقة!.
وأحسب أن الشعر النبطي الذي كنا نتغنى به ونتذوقه لم يسىء إليه إلا كثرة الغث الذي تنشره صفحات الشعر في الصحف اليومية، أو تبثه مجلات العبث الشعبي التي أصبحت أكثر من الهمِّ على القلب!.
إنني أحد المتذوقين للشعر النبطي الجميل وتستوقفني بعض قصائده وصوره عندما أقرؤها أو عندما يلفت نظري صديق إلى الجيد منها!.
وكم طربت جوانحي وذائقتي وأنا أقرأ تلك الأبيات الشعرية النبطية التي قلت في نفسي من إعجابي بها ماذا لو كان قائلها شاعراً فصيحاً:
إن فيها صوراً غير مسبوقة ومعاني رقيقة وإبداعات متألقة.
إنها أبيات من قصيدة للشاعر النبطي علي المفضي نشرها في صفحة مدارات شعبية في الجزيرة .
واقرأوا ما يقول فيها في وجدٍ شفيف وصور مبتكرة,, ترى ماذا لو كان هذا الشاعر فصيحاً:
ان كتبتك غرقت أوراق عمري في شذاك
وان حكيتك كل الاسماع بك دلَّلتها
وان لقيتك غبت بك عنك ما كنِّي معاك
وان فقدتك غبت عني معك واطولتها
كيف ما تذهل شفايفك من ذايب لماك
كيف ما تشهق مراياك لا قابلتها
وكيف ما يفتن بلينك وقدك ما كساك
وكيف ما تبكي وسايدك لا بدلتها
وكيف يقوى دونك أمسك وهو جرَّب هواك
وكيف تقوى صد عينك عيون أشغلتها
تقبل أو تقفي تقل تمشي الدنيا وراك
وتحكي بك لاختها كل نجمة خلّفتها
وأحسب هذه الابيات البالغة الجمال، الزاهية الصور، غنية عن كل تعليق.
لقد جعل الشاعر في لوحات بسيطة جميلة وتلقائية حضور الحب يتداخل مع غيابه، ورسم الحسن متشابكاً حتى تحكيه النجمات.
لقد بلغ من جمال هذه المحبوبة أن شفاهها تذوب من عذب ريقها، ومرآتها تنهزم أمام حسنها,, وأن الدنيا تلاحق حسنها، وليس حسنها هو الذي يلاحق الدنياواصمت فالصمت خير تعبير في حرم الشعر الجميل سواء كان فصيحاً أو نبطياً.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

منوعـات

منوعـات

شعر

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved