Tuesday 30th November, 1999 G No. 9923جريدة الجزيرة الثلاثاء 22 ,شعبان 1420 العدد 9923


قصة قصيرة
وجوه,,!!

لم تكن رغبتي في النوم كبيرة، لكنني كنت مرهقاً حد الفناء بعد يوم مشحون بالعمل من بزوغ الشمس وحتى انكفائها الى حضنها الازرق العميق,, أحس بخمول عظيم يتمطى في مفاصلي، وتوتر يزمجر في اعصابي.
حيث دخلت المنزل ماكنت ألوي على شيء سوى الفراش, أدفن فيه ذلك الارهاق المتعاظم في كل ذرة من جسدي المهترئ، حتى امي التي فارقتها باكراً لم استطع إلقاء تحية المساء عليها او حتى تقبيل يدها وجبينها المتغضن كما هي عادتي كل مساء، فضلا عن محادثتها وإيناسها بتناول فنجان من المردوم الجنوبي الاصيل,.
دلفت مباشرة الى غرفتي، أدرت المفتاح في ثقب الباب فانا لا اتركها مفتوحة ابداً,, حتى اثناء وجود امي في البيت, ازعم ان فيها اشياء من تفاصيل حياتي المهمة!! دخلت غرفتي المبعثرة تماما كأشلاء عواطفي، لم اقلق شبح الظلام الجاثم في ارجائها، استلقيت بعشوائية, تذكرت ان حذائي القذر بكل مايحتضنه من بقايا الشارع لم يزل ملتصقا بقدمي, لا بأس ,, لست اريد النوم، بل سأسترخي قليلا ثم انهض لأبدل ملابسي واستحم واجلس الى امي,, و,, اخذتني سنة لذيذة,, دقّ جرس التاسعة، اللعنة على هذه الساعة,, بل اللعنة على الغرب الذين صنعوها!! اشعر حينما يدق جرسها ان مطارق الحديد ترجف في كبدي، انها تنغص علي دائما لحظاتي الجميلة التي لا التقيها غالباً الا في المنام!
عندما انهض سأنقل هذه اللعينة الى الصالة,, هكذا انوي منذ اشتريتها قبل سنتين!
وبينا انا اجدد العزم على الفتك بالساعة الآثمة عاودتني إغفاءة اعمق من سابقتها,, ولكن شبحا غريباً مرق بجواري وغمز في حذائي باتجاه باب الغرفة، وهناك توقف,, اننى اعرف ذلك الشبح تماما، ليست المرة الاولى التي اشاهده فيها,, انه يحمل وجهي، ولكن جسده لايشبه جسدي فهو متورم قليلاً, والعجيب انني رأيته يحمل على شفا جيبه حفنة من الاشخاص!! من اولاء المتعلقين؟! ذاكرتي لاتنكرهم، ولكنني اجد صعوبة بالغة في التعرف على اسمائهم او اماكن لقائي بهم,, أو اي شيء عنهم,, بالتأكيد اعرفهم,, آه لقد تذكرت، انهم أولئك النفر الذين يعملون في القسم الذي اديره بالمؤسسة، لقد عرفتهم برائحة العفن التي تفوح من وجوههم وعيونهم!! كانوا يتعلقون بجيبه يحاولون ان يرتقوا اليه بأي سبيل، حين دققت النظر اكثر تبينت ان ثمة مجموعة منهم ورغم تعلقهم إلا انهم لم يكونوا يحاولون الصعود,, كانت ايديهم تلمع بياضا! اشار الرجل بأطراف اصابعه كأنما هو يزيل قذاة علقت بثوبه,, فأسقط اولئك البيض، انكبوا على الارض بعنف.
واما البقية فما زالوا يقاتلون من اجل ولوج ذلك الجيب وفجأة قذف احدهم قطعة مستديرة براقة ثم اتبعها بأخرى الى داخل جيبي,, اعني جيب ذلك الرجل الذي يعتمر وجهي!! عندها وبعد ان اطمأن الى استقرار القطعتين في غيابة جيبه سارع ذلك الصفيق الى حمل صاحبهما وواراه داخل جيبه,, والباقون بين ساقط متهالك وآخر يحاول التعلق او ,, الحصول على قطعة ما.
كان ذلك هو المشهد الاخير الذي قام به الرجل قبل ان يتوارى من فضاء الغرفة,, اين ذهب؟ وكيف اختفى بكل هذه السرعة؟! انني ابحث عنه في كل الزوايا المنفرجة التي تكتنف غرفتي السوداء، أتقرّاه في طلاء الغرفة الممتقع وألتمسه بين اغلفة الروايات الممزقة,, رغم ذلك الغطيط الذي ينبعث واهنا من صدري إلا انني لست نائما! بل اشعر اني لم اكن بمثل هذا الصفاء الذهني من قبل.
وبعد لحظات من البحث العائم انه هو لقد وجدته هاهو يتربع على سطح مكتبي الذي ليس له من اسمه إلا قوائمه الاربع، عندما حدقت في الرجل ادهشني نحوله الشديد، لقد عاد ضئيلاً لا يملأ الكف ولكنه مازال يحمل وجهي وقد ابهجني ذلك الرواء والصفاء الطافح من جبيني المعلق على ظهره هذه المرة!! وعندما هممت بندائه استقبلني بصدره الذي يحمل وجهي ايضاً لكن صفرة عجيبة كانت تحتويه وتشي بعاهة ما انه بوجهين إذن,, لم أعد متأكداً من يقظتي الان.
حاولت ان اسأله: من انت ياهذا؟
وكيف دخلت غرفتي؟
والسؤال الملح: لماذا تحمل وجهين كوجهي؟! ما علاقتك بي؟ وما,,؟؟! عصفت كل تلك التساؤلات واكثر منها في فكري المكدود,, اغاظني بوداعته وصمته,, وبتلك النظرة المريبة التي تسمرت باتجاهي، استجمعت قواي وهممت بطرح اسئلتي عليه,, لم أتمكن من ذلك,, لقد عادت الساعة اللعينة لتعلن العاشرة.
علي أحمد زعلة
جازان

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

قمة مجلس التعاون

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

وطن ومواطن

العالم اليوم

التقنية البنكية

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved