خامات طبيعية مجهولة د. عبد العزيز علي الخضيري |
البروفيسور ارثر كونبرك Arther Kornberg امضى من حياته قرابة ثلاثين عاما درس فيها التركيب الأساسي لمادة الحياة DNA في الكائنات الحية, وكان الدافع على الدوام هو إشباع المعرفة الاساسية حول هذا المركب العجيب الذي يحمل في ثناياه اسرار الحياة, اسئلة كثيرة كانت تلوح في الافق، لماذا تحتوي كل الكائنات على التركيب الكيميائي الاساسي نفسه لكنها تختلف فيما بينها، فهذه حشرات ملونة وتلك طيور تحلق وهناك فيلة ضخمة تدب على الارض وغيرها كثير وبشر يفكر فإما أن ينشر الخير أو الشر.
كان المطلوب هو تحقيق قدر من المعرفة، أما الاجابة أو الاجابات النهائية على كل الاسئلة فهي سر من الاسرار الربانية التي لا يعرفها إلا الله سبحانه وتعالى.
في البدء لم يكن هناك ما يبرر الملايين من الدولارات التي دفعها معهد الصحة الامريكي وغيره من المراكز البحثية في اوربا، اذ لم يكن مرجوا ان تقدم تلك الابحاث تفسيرا علميا لنشوء الامراض والآفات التي تصيب النبات والحيوان والبشر على حد سواء في محاولة لحلها.
جملة الاكتشافات في هذا الحفل ظلت مهملة على الرغم من نشرها في مجلات علمية مختلفة، حتى أمكن من الناحية التقنية تحوير وتعديل هذا المركب مما حوله الى سلعة رائجة في سوق الاقتصاد العالمي, بعض الصناعات الدوائية وطرق مقاومة الامراض الفيروسية والوراثية وكذلك إنتاج النباتات المقاومة للآفات والحشرات وانتاج الحيوانات وفيرة اللحم وغيرها كثير هي ثمرة جهود سابقة في البحث الاساسي في خامات الطبيعة ولم تكن موجهة أصلا للاستثمار التجاري, واليوم جزء لايستهان به من الناتج المحلي الاوروبي والأمريكي يقع تحت مظلة تكنولوجيا مركب الحياة DNA.
قدر كبير من التنمية الاقتصادية في بلادنا العربية والاسلامية يتطلب البحث في الخامات المحلية المجهولة لنا, وهناك من الخدمات ما هو آني ومباشر المنفعة ففي جبال لبنان ظل الناس على وفاق مع نبات شرش الزلوع، تأكله حيوانات الرعي ويحرقه البعض طلباً للدفء, لم تظهر أهمية هذا النبات حتى ظهرت الحبة الزرقاء (فياجرا), أحد الرعاة تنبه الى هذا النبات وانه يستخدم كما يستخدم هذا الدواء الجديد, فجأة تحولت الانظار الى جبال لبنان، ووحدها الشركات الاوربية والامريكية سارعت الى جمع عينات كبيرة من هذا النبات بهدف دراسته, ونحن لا نعلم فقد نضطر لشراء نبات شرش الزلوع في زجاجات زرقاء في المستقبل القريب وبأسعار باهظة.
المعنى هو أن الارض غنية بخاماتها الطبيعية وهي في كثير من الاحيان مجهولة او مهملة في حين أن مثل تلك الخامات قد تحمل معها الثراء للوطن والمواطن.
ولا أريد هنا أن أخرج عن المحيط الوطني ذلك أن بلادنا غنية بخاماتها الطبيعية كما هي غنية بقيمها ومنجزاتها الحضارية.
الدكتور جابر موسى وزملاؤه في الصيدلة بجامعة الملك سعود أمضوا جزءاً من حياتهم الاكاديمية لاهثين وراء النباتات الطبيعية وأهميتها الاقتصادية والطبية.
وقد قرأت قبل مدة كتابا بعنوان النباتات المستخدمة في الطب الشعبي السعودي قام بجمع مادته وتنقيحها الدكتور محمد احمد الشنواني وقامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بنشره وطبعه (1417), ويضم الكتاب 319 نباتا سجلت أسماؤها الشائعة والعلمية وأهميتها العلاجية، كما زود الكتاب بصور فوتوغرافية رائعة مع ذكر موطن النبات والجزء المستعمل منه والتحذيرات والمخاطر إن وجدت.
بالنسبة لهؤلاء الباحثين لا تعتبر هذه النباتات مجهولة أو غير ذات أهمية، بل انهم يصرون على أن لبعضها فوائد جمة كما أن لبعضها مخاطر كبيرة على الصحة العامة اذا أسيء استخدامها, أما بالنسبة للجهات الرسمية وأعني بذلك وزارة الصحة فان هذه النباتات لاتزال مجهولة وغير مأمونة على الاطلاق وهم يطبقون المثل الشعبي القائل الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح .
شخصيا لا أستطيع المجازفة باستخدام اي من هذه النباتات على الرغم من كل التفاصيل التي أوردها الباحثون وما بذل من جهد اكاديمي رصين، ما لم يكن هناك تأييد من الجهات الرسمية المسؤولة عن الصحة العامة، ذلك انهم وحدهم وليس الاكاديميين من يتحمل المسؤولية الكاملة عند طرح الادوية أمام المستهلك.
الثابت هنا أننا أمام خامات طبيعية لم تستثمر بعد، وأننا بحاجة لفتح الأبواب أمام خطوات جادة للاستفادة من هذه الخامات, فهل يمكن أن تصبح هذه النباتات أو الخامات الطبيعية في بلادنا مصدرا من مصادر زيادة الناتج المحلي؟ هل نصبح في يوم من الايام في عداد المصدرين الرئيسين للدواء في العالم لا مستهلكين له فحسب؟
هذه أسئلة تدور في ذهني وذهن كل المحبين لهذا البلد الطيب.
شخصياً لا أعرف الاجابة وسننتظر حتى ينتهي السجال الصحفي الذي يدور هذه الايام بين الدكتور جابر موسى وزملائه من جهة، ووزارة الصحة من جهة اخرى حول صلاحية بعض تلك النباتات, الوزارة تحذّر من استخدامها وهؤلاء الاكاديميون يؤكدون خلاف ذلك وربما لن يصل الجميع الى وفاق.
|
|
|