نتباهى كثيراً ونحن نستعمل في أحاديثنا مفردة الحضارة,, وكأنما هي للتعريف بأن قائلها بلغ سلوكا يرفعه كثيراً عن الآخرين, وليست المشكلة في استعمال المفردة إنما الصعوبة في تمثيلها,, في استيعاب مضمونها اللغوي, اذ كلنا نعرف بأن الحضارة ما هي في الحقيقة سوى إرث إنساني,, تعاقبت على تشكيله مختلف الجماعات في سائر أرض الله الواسعة,, وهو لهذا رصيد جماعي لا يدعي أحد ما امتلاكه واحتكاره ولا حتى تداوله بمفرده - بصوت جماعي فمن عاش في الغابات قبل ملايين السنين وضع اللبنة الأولى في الحضارة حين اكتشف الشرارة التي تعطي الضوء او النار,, وهو ذلك الانسان الذي صنع من الحجارة سيفا يقاتل به الوحوش,, وهو الذي واجهه الصقيع فبحث عن رداء يقيه من ذلك الزمهرير, وهم أولئك القوم الذين نشروا الوئام بينهم فتدانت مساكنهم حتى يأمنوا الهجمات الشرسة من الحيوانات المفترسة, هم الذين تآلفوا مع الحيوانات المطيعة فتعايشوا معها لتنفعهم في حمل المتاع أو الاستفادة من لحومها ومنتجاتها الأخرى, إنه تاريخ حافل للإنسان الذي جعل من تلك الأشياء البسيطة سلماً للارتقاء بحياته من الأدنى الى الأعلى,, إنها السلم الحضاري الذي ارتقى درجاته خطوة خطوة,, وبعد تطوير تلك الادوات على مدى كم هائل من السنوات,, أصبح المعيار ليس في الامتلاك,, ولكن في حسن الاستعمال , وهنا فقط يتبدى الوعي الذهني والامتداد العقلي, واذا كنا نحن العرب قد اشترينا كل ما نحتاج اليه بالنقود فلا نستطيع أن نمتلك العقل الموهوب بالثمن النقدي لأنه ينطلق من ذاتنا ولا يمكن لأمة من الأمم أن تحتكر المواهب والابداعات بمفردها لأن ذلك افتئات على حقيقة التكوين البشري, إذن فمن حقنا كجنس بشري أن نطرح ما لدينا ليس بقصد التباهي إنما لإثبات امتلاكنا للوعي الذي يوجه سلوكنا وتصرفاتنا,, ومن هنا فالتنافس حق مباح لا يستطيع كائن من كان أن يمنعنا من طرق عالمه ومضماره,, انه السباق الذي لا يمتنع على من يريد أن يجرب إمكانياته وقدراته وطاقاته, إذن فلنمض في طرق كافة الأبواب مهما بدت صعبة لأن الخوف والتردد هو المثبط لكل همّة, والفشل مرة لا يعني الاخفاق في كل مرة, ومن سار على الدرب وصل,, إنه مثل عربي قديم يوحي بالتصميم وعدم الانكفاء.
|