Tuesday 30th November, 1999 G No. 9923جريدة الجزيرة الثلاثاء 22 ,شعبان 1420 العدد 9923


العقل الشامل
د. علي محمد التويجري

منذ ما يربو على ثلاثين عاما كنت تسهر في ليل قرية عربية فترى الناس يتسامرون في حدود ما وقع في قريتهم على ضوء مصباح غازي او بقنديل زيتي,, فيما يقع من بيع او شراء وزواج وطلاق,, يتخلل ذلك ملحة وطرفة او موعظة يختتم بها السامر, لا يتجاوزون حدود قريتهم إلا قليلا بحديث قد يمتد احيانا لعاصمة دولتهم او قطرهم, يرون الدنيا هذه الدولة ويرون قريتهم هي مركزها وليس للدنيا إلا ان تدور حولها وحولهم.
ولو اطلعت اليوم على نفس السامر في نفس القرية لادهشك ان ما يحدث في العالم اجمع حاضر بين هؤلاء من اهل القرى.
وأن التلفاز والفيديو يتصدران السامر في البيت والمقهى، وأن البث التلفازي العالمي اصبح حاضرا بلمسة,, وان برامج الاقمار الصناعية تبث بثا مباشراً.
لقد انتقل العالم إذن كله في خط الرؤية والفكر إلى القرية الصغيرة.
فهذا زمن الحشر التلفازي، يجتمع من انحاء العالمين رغبنا فيه ام لم نرغب.
نقول يدق كل عقل وقلب,, ولا نقول يدق كل باب,.
لانه لا يستأذن أحداً ولن يستأذن!!
فهذا إيذان بنهاية العقل الجزئي في العالم يعيش في إطار القرية الصغيرة ومولد للعقل الشامل يرى الدنيا وهي تموج بعضها في بعض في يوم واحد بل في اللحظة نفسها.
وحين يستقر هذا العقل الشامل الجديد على تلك الرؤى الواسعة فيستوعبها فسوف يشهد العالم من التطورات ما يتجاوز خيال المتخيل.
في الثلاثينيات من هذا القرن دوّن الكاتب المشهور جورج اورول قصتين ذاعتا في العالم مزرعة الحيوان والعالم عام 1984 ,, متخيلا لما سيحدث في العالم بعد خمسين عاما، فلما انقضت الخمسين المذكورة رأينا العالم يبحر متجاوزا ما اعتبره قراء ذلك الكاتب الاديب خيالا لا يمكن ان يتحقق.
نتحدث عن هذا العقل الشامل وفي الذهن محاذير كثيرة,, فإن معظمنا وأهل العالم معنا في ذلك لا يرون ما يرون ولا يقرؤون ما يقرؤون إلا من خلال ما تراه وكالات الانباء العظمى، ولها معاييرها وفلسفاتهاواهتماماتها فيما ترى وفيما تحجب,, وفيما تصغر وتكبر فهي من خلال ما تطلعنا عليه من خبر وصورة تكاد تصنع محاور احاديثنا اليومية واهتماماتنا العقلية والعاطفية، ولذا فإن حرية عقل الانسان المعاصر حرية محل نظر ومن يستطع ان ينفذ من اقطار تلك الموجهات السمعية والبصرية العظمى,, فلينفذ!
ولا ينفذ في الحقيقة إلا بسلطان من علم وخبرة وقراءة منتقاة، وتأمل وإرادة لا تلين,, سدد الله الخطى لما يحبه ويرضاه
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

المتابعة

قمة مجلس التعاون

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

وطن ومواطن

العالم اليوم

التقنية البنكية

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved