كان موضوع مقال عدد الاثنين 24/6/1420ه عن الاقتصاد الاسلامي ومجالات تطبيقه، وقد سرني ما حظي به المقال من اهتمام لدى الاخوة الزملاء والمهتمين بقضايا الاقتصاد ككل والاقتصاد الاسلامي بخاصة, وقد تطرق النقاش حول امكانية تطبيق الاقتصاد الاسلامي كبديل للاقتصاد التقليدي سواء من منطلق شرعي او من منطلق فني بحت وانه ليس هناك ما يمنع من تطبيقه وان امكانية نجاحه وتحقيقه لأهدافه كبيرة.
الامر الشائع عن الاقتصاد الاسلامي لدى الكثيرين تلك النظرة القاصرة التي ترى انه لا يختلف عن الاقتصاد التقليدي الا في قضية الفائدة, وعندما يكون ممكنا التحرر من هذه المعضلة نكون بذلك قد وصلنا الى ما نهدف اليه, وفي الواقع فان الاقتصاد الاسلامي اعم وأشمل من هذا، لكن لعل هذه النقطة هي الاكثر وضوحا في دائرة الاقتصاد الاسلامي, ولذا استأثرت بالكثير من الاهتمام الذي ترجم الى انشاء المصارف الاسلامية في دول متعددة بل وأصبح العديد من المصارف التقليدية يوفر منتجات وخدمات مصرفية توصف بأنها متوائمة مع الشروط والضوابط الشرعية المرعية في هذا الجانب.
والمتابع لهذا الجانب يجد المنافسة على اشدها بين المصارف لاجتذاب الافراد لشراء هذه المنتجات والخدمات ولا تفتأ تتفنن في ابتكار الجديد من هذه المنتجات نظرا لما تجده من رواج وقبول لدى شريحة كبيرة من الناس, كما امتد الاهتمام بقضية المصارف الاسلامية وبالمنتجات والخدمات المصرفية الاسلامية الى المصارف العالمية الرئيسة, ويمكن ارجاع الرواج المتزايد للمصارف الاسلامية وللخدمات والمنتجات المصرفية الاسلامية الى التأثير الكبير للجانب العقدي لدى المجتمعات الاسلامية والتي تفضل سلوك طرق مقبولة من الناحية الشرعية في استثمار مدخراتها وفي الحصول على التمويل اللازم وفي نفس الوقت لا يمكن اغفال العامل المادي المتمثل في العوائد المرتفعة نسبيا لبعض المنتجات المصرفية الاسلامية.
وتتسع دائرة الاقتصاد الاسلامي لتشمل الى جانب النظام المصرفي نظام الزكاة والذي يمثل احد الركائز الهامة في جانب اعادة توزيع الدخل وضمان مستويات معيشية ملائمة لكافة افراد المجتمع، والزكاة ليست وحدها في هذا الجانب بل انها تعمل ضمن منظومة متكاملة من الادوات التي يمتلكها الاقتصاد الاسلامي, ويعاني نظام الزكاة ايضا من النظرة القاصرة والتي تجعله عبارة عن شيء من المال يجود به الاغنياء على الفقراء على وجه التفضل والاحسان، في حين انه ابعد من ذلك بكثير فهو نقل ملزم لملكية مال او ثروة من فئة الى اخرى، وهو احد مصادر الايرادات الحكومية والتي للحكومة الحق في جبايتها وصرفها على مصارفها المحددة.
وفي جانب المصارف لا يقتصر هدف نظام الزكاة على الوفاء بالحاجات الاستهلاكية فقط بل يجوز صرفها لأغراض استثمارية، فمثلا بدلا من جعل اصحاب الدخول المحدودة عالة على الزكاة بصفة مستمرة يمكن انشاء مشاريع استثمارية من حصيلة الزكاة تكون مملوكة لهم، وفي نفس الوقت توفر لهم فرص العمل المناسبة فيكونون بذلك قد حصلوا على اجر العمل وأرباح الاستثمارات وربما يصبحون في الاعوام القادمة من دافعي الزكاة بدلا من اخذهم لها, كما اجاز بعض الفقهاء المعاصرين الانفاق من حصيلة الزكاة على تدريب وتأهيل العاطلين عن العمل اذا كانوا من اهلها واكسابهم خبرات ومهارات تجعلهم قادرين على الالتحاق بسوق العمل والحصول على عمل مناسب, والشواهد والامثلة على التطبيقات المعاصرة لانفاق الزكاة كثيرة.
ولو انتقلنا الى جانب الجباية لوجدنا العديد من الانشطة الاقتصادية المعاصرة والتي لم تكن موجودة في السابق هي بحاجة الى تكييف شرعي من اجل الوصول الى الكيفية المناسبة لتطبيق فريضة الزكاة عليها.
فهناك على سبيل المثال لا الحصر المصارف والصناعات الاستخراجية والتحويلية وشركات التأمين والصيانة والادارة والشركات الزراعية المعاصرة وشركات انتاج الالبان ومشتقاتها والدواجن والبيض وغيرها كثير جدا.
والمطلوب النظر لنظام الزكاة نظرة شمولية موضوعية والتفكير بشكل جاد بآلية تجعل بالامكان تفعيل دورها في المجتمع ضمن الضوابط والاطر الشرعية الحاكمة لها سواء من ناحية الجباية او الانفاق حتى تخرج من الدائرة الضيقة التي جعلت فيها الزكاة الى الدائرة الارحب والاوسع التي ارادها لها الاسلام, وألا يكون الحكم على هذا النظام من واقع بعض التطبيقات والممارسات القاصرة.
قسم الاقتصاد الإسلامي
جامعة الإمام محمد بن سعود