بدون ضجيج السميكة أو سندريلا جار الله الحميّد |
سمعت من أمي وأنا طفل، سالفة )السميكة( تصغير سمكة وتعاطفت حدّ البكاء مع بطلتها التي ماتت أمها وتزوج أبوها وأنجب بنتين قبيحتين فلما كبرت البنتان ازداد اضطهادها للبطلة السميكة , فإذا خرج أبوها الى عمله احضرت إليها قفة من حب القمح وقالت بغلظة:
هيّا أنخليه!,
وإذا جاء أبوها جعلت تتظاهر بأنها تحبها وتدللها!,
ما دخلكم في الحكاية؟ المهم أن السالفة تنتهي بانتصار )الخير( ككل السوالف التي تقصها أمي علينا قبل النوم فتتزوج السميكة من حاكم البلدة! خلاص هذه كل الحكاية!,,
وبعدها,, وأنا في الثالثة الابتدائية استعرت من مكتبة المدرسة من سلسلة للأطفال اسمها )المكتبة الخضراء( اذا كانت ذاكرتي تعمل بشكل جيد، كتاباً اسمه )سندريلا( فاذا بها حكاية )السميكة( ثم بعد ان كبرت وعرفت أصدقاء من الدول العربية كان لكل منهم )سندريللاه( الخاصة بشعبه، ولكن المعبرة عن نفس القضية: البنت اليتيمة التي تلقى اصناف العذاب من زوجة أبيها ثم يرسل إليها فارس الاحلام على صهوة حصان أبيض يجري )كالأفلام( والفارس يلوح بسيفه وينتهي الفيلم بزواج اليتيمة من الأمير فتتبدل حياتها الى نعيم، مع ان الجميع ممن يروونها لا يتكلمون عن الجزئية الأخيرة من الفقرة الأخيرة، لأنها شيء اكبر من اي الكلام!!,
أرأيت كيف ان ثمة إرثاً ثقافياً مشتركاً بين الشعوب؟, بل هو ككل الرسائل التي يضيعها رجال البريد, اراد كل انسان ان يخاطب أخاه الانسان الآخر الذي يعرف انه موجود في مكان ما, اراد ان يعيش مع الآخر ويتكلمان لغة مشتركة ويعيشان مصيراً مشتركاً,ويتكىء المتعب منهما على كتف المتماسك,
كل ما ترونه من هذه الحدود إذن ما كان يجب ان يكون؟!,
ما رأيكم اذن في غربة الفرد عن المجتمع؟!,, انه يا سيدي يسمع ما لا يفهم ويُسمع منه لا يُفهم, وعندما يكون هذا الفرد مبدعاً أو على الأقل منحازاً الى الابداع فان حجم غربته سيصعد الى ان يتحول نزيل مصحة!!,, نحن أدري خرجنا عن )النص( ولكنه خروج في نفس سياقنا ولذا أنا بريء مؤقتاً,
عصرنا تحول الى لوحة مفاتيح تضرب اي واحد من أحرفها فيجيئك طوفان من رجال الأعمال الذين هم أول من يطل من الشاشة ولو كان احد اشقياء )نيويورك( يبيع )سيكل(, وستختفي )سندريللا( وأمثالها من السوالف التي توحّد بين البشر!,
ومع أنني لست بصدد الكلام عن )الكتابة للأطفال( التي يحاول بعض ممارسيها تصويرها على أنها من اصعب انواع الكتابة! طبعاً )حفاظاً على رزقهم( مثلما يفعل الصُنّاع في مهنهم إذ لا يعلِّمون المهنة الا لأولادهم او لمن له مقامهم، لأنه لو تعلمها كل الناس لأقفلوا دكاكينهم وجلسوا ك)الحريم( في البيت,
والتشبيه الأخير لم يعد صالحاً للتداول! لأن )الحريم( هذه الأيام لا يجلسن في البيت، بل أصبح اخوانهن وآباؤهن يستقيلون من اعمالهم ليصبحوا مرافقين لهن في القرى النائية التي تعيّنهن الرئاسة فيها, دون ان يروا في ذلك أي عيب وهذه دلالة لا تقبل الدحض على ان معاشات المدرسين والمدرسات لا تقارن بتاتاً بمعاشات باقي الموظفين وكأن الموظفين لا يعملون شيئاً مهمّاً, وهذا ليس حسداً ولكنها كلمة حق )ربما خرجت في غير أوانها( ولو أردنا إدخالها ضمن السياق لقلنا انه لو كانت بنات زوجة أبي )سندريللا( مدرسات لما صارت الحكاية كلها! لأن مؤهل )مدرسة( في زمننا هذا اصبح أهم بكثير من مؤهل )جميلة(!!,
وثمة حكايات كثيرة حينما أقرؤها أتذكر أنها ليست غريبة عليَّ, ربما أكون سمعتها في طفولتي من أمي أو من زوج أختي الذي كان اذا زارنا نبتهج، لأنه يحفظ قصصاً كثيرة وجميلة تشدّنا كأنما نحن في عرض سينمائي,
الدنيا نفسها: سالفة كبيرة!,
|
|
|