Thursday 25th November, 1999 G No. 9919جريدة الجزيرة الخميس 17 ,شعبان 1420 العدد 9919


أفق
مشهدنا:
رؤية هرمية تحكم النص الشعري,,!!
محمد الحرز

التحولات الكمية والنوعية التي تطال مفهوم الشعر والتجربة الشعرية في ساحتنا، والتي هي الاكثر استجابة لمايحدث من متغيرات معرفية وثقافية وادبية على الصعيد العربي والعالمي، فإن مجمل هذه التحولات، لاتذهب في التأثير إلى العمق، ولاتشكل مرجعيات ضاغطة على التجارب إلا بالقدر الذي يسمح بالتعالقات الشكلية، أي التأثير الذي ينصبّ على الجانب الشكلي في التعبير الإبداعي بأنواعه المختلفة دون الفرز في مسألة البنية، بمعنى آخر: لم يكن الوعي الإبداعي بوصفه رافداً أسياسياً من روافد التجربة الإبداعية، يشكل منطقة انفتاحية قابلة للتحولات والتبدلات، ولم يكن كذلك يدخل ضمن دائرة الاهتمام لتاسيس وعي ابداعي مغاير، يستجيب بصورة كبيرة لمتغيرات الواقع المعاش في لحظته الآنية، بل إن الذي يحدث بالمقابل هو انفتاح تطبيقي وانغلاق مفهومي، أي أن الممارسة التطبيقية الإبداعية وصلت في جانب كبير منها، إلى حدّ التضخم والامتلاء، ولم يؤد ذلك أو يفضي إلى إزاحات نوعية في بنية الوعي الإبداعي المتجذرة في المشهد بشكل ثابت ومؤثر، وهنا مكمن المفارقة أو الإشكال الذي يصاحب التجارب بحيث يحدُّ من حركيتها وفي رؤيتها الإبداعية، وقد يبدو ذلك ليس في شكل تعبيري محدد دون شكل آخر، وإنما ينطق إجمالاً على جلّ الممارسة الإبداعية في الساحة، ولو أخذنا الكتابة الشعرية كمثال، لوجدنا، أن تفتح الوعي الأولي على الشعر، قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالطريقة ذاتها التي يتم من خلالها تلقي الشعر بوصفه (ديوان العرب)، وبوصفه جزءاً من التراث، ينبغي احياؤه واستدعاؤه بأي طريقة كانت، وبأي وسيلة دون شروطية التركيز على انطولوجية الشعر وعلاقته الحميمة بالحياة وبصيرورتها المعقدة، وقد أدى هذا الموقف المعطل لشعرية الحياة إلى الكثير من التصورات التي ترى في الشعر على أنه ذلك الموزون المقفّى وعلى هذه الفرضية، انبنت علاقتنا نحن اصحاب التجارب الشعرية على اختلاف توجهاتها بالشعر، وكان هذا الانبناء، يستدعي الموروث الشعري دون أن يحاينه استدعاء المنظور الجمالي للحياة كضرورة روحية لازمة للكاتب، وقد يبدو للوهلة الاولى، ان هذا الكلام ينطبق نوعا ما أو لنقل: أن له صلة وثيقة بشكل التعبير الشعري (عمودي,, تفصيلي نثري سردي,, إلخ) الذي يمثّل قناعة تامة للتجربة، ولكنّ حقيقة المسألة أو المعضلة لاتكمن او تتوقف على علاقة الشكل التعبيري بالوعي الشعري فقط وإن كان يمثّل أهم العوامل فيه وإلاّ لسلمنا مطلقاً بأفضلية من يكتبون الشعر الحديث على ماعدا هم من الشعراء وهذا خلاف المعقول اذا اخذنابه كفرضية ثابته، وانما الذي يبدو لي أن الأزمة تكمن في الجذور,, في تلقينا الأولي للشعر,, في طريقة تشكل ذائقتنا واسلوب دهشتنا اللاواعية بموسيقاه وتفعيلاته,, في الظرف التاريخي المعرفي الذي تمت فيه عملية تلقينا الشعر وفي سياق التلقين ذاته الذي يطال عملية التعليم الاجتماعي والشعر هوأحد افرازات التلقين ذاته الذي أثّر بشكل مباشر على مفهوم الشعرية وحصرها بالتالي,, في الكلمات دون الاشياء، الأمر الذي سوف يؤدي بالتالي إلى مايمكن أن نسميه بالتفريغ الجمالي لمحتوى التجارب بمعنى: أن جماليات التجارب الشعرية عندنا أكثر ما ارتبطت واكثر ما اندمجت بالجماليات الموروثة دون أن تؤسس منظورها الجمالي الخاص، والذي ينبع من الحياة ذاتها، ومن كيفية العلاقة التي تنهض بين الذات الشاعرة وبينها في أكثر اللحظات تجلياً وحدساً ومغامرة في التأمل والكتابة.
وقد انسحبت هذه الأزمة على التجارب جميعاً دون استثناء، أي أن العمق من تجاربنا الشعرية، لم يزل يخضع في فهمه للشعر إلى الجماليات ذاتها التي شكلت ذاكرتنا منذ الصغر، وإن بدت على السطح في بعض التجارب السماتُ الحديثة للشعرية المعاصرة، لان ذلك يرجع في اغلبه إلى المنطقة اللاواعية في تجاربنا التي امتلأت بالشعر التلقيني التعليمي، وإذا كان ثمة حالات استثنائية في بعض التجارب فإن الاستثناء لايمسُّ بنية الوعي الشعري بقدر مايمس الشكل التعبيري للتجربة، مع الأخذ بعين الاعتبار للعلاقة الجدلية بين الوعي لا الشكل داخل التجربة، غير أنه من المؤكد في جانب آخر، وبسبب عدم التفعيل الكافي لهذه الجدلية بشكل واع، يكفل للتجربة الشروع في تأسيس المختلف والمغاير، وبسبب ايضاً التيار الجارف لمنظومة الوعي الاجتماعي، التي تحكم المشهد ثقافياً واجتماعياً، فإن ذلك أفضى إلى وجود رؤية هرمية تحكم انتاج النص الشعري، بصبغة أخرى: لقد تم انجاز النص الشعري / الأم وما على التجارب إلا أن تستمد شعريتها ورؤيتها منه بطريقة أوبأخرى، وهذا غالباً ما يؤدي الى تنميط التجارب، وجعلها تدور في حلقة مفرغة أو تقوم بإعادة مقولاتها الشعرية بصورة مكررة وساذجة في اغلب الاحيان، لأن تجاربنا الشعرية بكل بساطة تكتفي في سياق تطورها الشعري على تعالقاتها النصية مع الآخر دون أن تتجاوز ذلك، إلى شعرية الحياة وعصرنة اشيائها في الكون، وهذا جانب مهم، ينبغي التركيز عليه عندما نريد أن نقارب تجاربنا الشعرية في شتى توجهاتها ومشاربها الإبداعية المختلفة.
إذن عندما نشير إلى بنية الوعي الشعري، فإننا نشير بالتأكيد الى وعينا الطفولي للشعر، فنحن من هذا الجانب مشتركون جميعاً في استلهام مفردات هذا الوعي بحكم الحاضن المكاني وسماته المؤثرة على عموم المشهد ككل.
وإذا كنّا نطالب دائماً في توسيع دائرة الاهتمام وذلك من جهة السعي في انتاج شعرية ذات جماليات أكثر التصاقاً بروح العصر، ومن جهة أخرى: انتاج القارىء المنفتح بوعي معرفي على هذه الجماليات، فإن هذه المعادلة من الصعوبة بمكان أن تتحقق دون أن يكون هناك تفكيك لبنية الوعي التعليمي التلقيني للشعر الذي يطال أجيالاً لها القابلية العظمى على التشكل والإنتاج والاختلاف والاستحداث في مجمل مايمسُّ المفهوم الشعري والشعرية المعاصرة، وهذا التوجه لايتم إلا في إطار قنوات رئيسة ومهمة بدءاً من المدرسة (وما تضمه من مناهج ورؤى وطرق تدريسية) وانتهاء بالمجتمع، والوعي الجدلي القائم بينهما، يعمق من مسألة التوجه هذه، خصوصاً اذا كان قوة الإحساس بالشعر له مبرراته العميقة التي هي وثيقة الصلة بتاريخ الجزيرة العربية الشعري، الأمر الذي يؤدي من جانب ليس إلى ماهو شعري عند الكائن ومحاولة استوقادها فقط، وليس إلى استوثاق الاسئلة ذاتها المرتكزة في قلب الموروث الشعري وانما يذهب إلى ابعد من ذلك,, يذهب بالكائن وبالوعي وبالتجربة الروحية إلى حالات وثوقية اطمئنانية مشجعة، تعمل على فرز اسئلتها الشعرية وانتاجها في ظل حرية تفكيرية، توسع من سباقات التجريب الشعري في المشهد ذاته أما من جانب آخر فهي ما يتركه هذا الاحساس أو بالأحرى ما يشكله في أغلب الأحيان من عوائق كما نلحظه حالياً في المشهد مُراوغة بحيث تقوم كمرجعيات ثابته، تكرس هرمية النظرية إلى النص الشعري,, وإلى الشعرية بشكل عام، والتجارب الحديثه في بعضها لاتنفلت من هذه المرجعيات ومن سلطتها الثقافية والمعرفية.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved