سرديات عبدالعزيز السبيل |
تستكمل سرديات هذا الاسبوع المعني اللغوي للسرد جاء في لسان العرب السرد في اللغة: تقدمة شيء تأتي به منسقا بعضه في اثر بعض متتابعا والجزء الثاني من التعريف تشترك فيه اشياء كثيرة, فقال: سرد فلان الصوم اذا تابعه وواصله دون انقطاع، وجاء في الحديث (كان يسرد الصوم سردا) كما جاء فيه ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اني اسرد الصيام في السفر فقال: ان شئت فصم وان شئت فافطر وسئل اعرابي عن الاشهر الحرم فقال: واحد فرد وثلاثة سرد, اشارة الى ذي القعدة وذي الحجة ومحرم.
وحين نعود للآية الكريمة في سورة سبأ التي يخاطب فيها المولى سبحانه نبيه داود عليه السلام (وقدر في السرد) نجد ابن منظور يفسر المعنى بقوله (قيل هو الا يجعل المسمار غليظا والثقب دقيقا فيفصم الحلق، ولا يجعل المسمار دقيقا والثقب واسعا فيتقلقل او ينخلع او يتقصف، اجعله على القصد وقدر الحاجة , ويضيف صاحب اللسان لان السرد تقديرك طرف الحلقة الى طرفها الآخر وحين ينتقل معني السرد من الدرع الى الكلام، فان التقدير يكون للكلمات والجمل والفقرات في الحديث المنطوق او المكتوب.
ومما سبق يتضح ان المعنى العام للسرد هو التتابع سواء كان لحلق الدروع او الايام او الجمل او سوى ذلك، الا انه يجدر التأكيد على ان معنى السرد ليس مجرد تتابع الحديث بل لابد ان يكون على مستوى من الدقة والاحكام، ينص القاموس المحيط على ان السرد (جودة سياق الحديث)، وهو بهذا يمنح السرد معنى ايجابيا، ويخرجه من معناه العام الى معنى خاص، فلا يحسن وصف الكلام المتتابع بالسرد إلا اذا اتسم بالجودة والتميز الأسلوبي، وابن منظور في اللسان يؤكد نفس المعنى بقوله فلان يسرد الحديث سردا اذا كان جيد السياق له , ويعيد المعجم الوسيط صياغة نفس المعنى حيث يشير الى أنه يقال: سرد الحديث: أتى به على ولاء جيد السياق , ويضيف المعجم الوسيط أنه حين يكون الحديث جيد السياق يقال تسرّد الحديث بتشديد الراء .
واذا كانت معظم المعاجم كما أسلفنا تربط بين السرد والحديث بشكل عام، فإن المعجم العربي الأساسي الذي أصدرته المنظمة العربية للثقافة والعلوم 1988 هو الوحيد الذي ربط بين القصة والسرد، حيث جاء فيه سرد القصة ونحوها: رواها , ولاشك أن طباعته الحديثة أتاحت له ذلك الربط، لكنه مع ذلك لم يشر الى السارد كاسم فاعل للفعل سرد, والاشارة الى السارد جاءت في المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1960 حيث يذكر ان السارد الخراز، ولم يذكر معنى آخر سواه, ويأتي ذلك نقلا عن لسان العرب على ما يبدو حيث ورد هذا المعنى وغيره في اللسان.
واذا كان الشائع حاليا قولهم سرد القصة، بفتح الراء، فإن الفيروز أبادي في القاموس ينص على أن سرد كفرح: سار يسرد صومه , وعليه صار فالأولى أن يقال سرد القصة بكسر الراء لا بفتحها, لكننا حين ننظر الى لسان العرب نجد ما نصه سرد (بفتح الراء) الحديث ونحوه يسرده سرداً اذا تابعه,, وسرد (بفتح الراء) القرآن تابع قراءته في حدر منه , وبهذا يمكن القول: انه يجوز الوجهان بفتح الراء وكسرها, وتجدر الاشارة الى أن الاعتماد في الثانية كما جاءت في لسان العرب) كان على تشكيل الراء بالفتح دون نص على فتحها من المؤلف ودون تحديد بابها الصرفي, لكن مختار الصحاح قد نص على الفتح بقوله و(سرد الدرع والحديث والصوم كله من باب نصر .
ويمكن الجزم ان شيوع مصطلح السرد في السنوات الاخيرة جاء بتأثير الترجمة، نظراً لدخول عدد من الفنون تحت هذا المصطلح،, وحين النظر في القواميس ثنائية اللغة نقف أولا عندما يقابل لفظة سرد، فنجد ان روحي البعلبكي في قاموسه (عربي انجليزي) يضع مقابل الفعل سرد: روى قص، عددا من الكلمات من بينها Narrate أما الاسم الذي يقابل سرد: رواية، قص، فمنها Narration وNarrative وهي ابرز المصطلحات الانجليزية التي تأتي مقابلا للسرد في اللغة العربية, ويأتي استخدام السرد بدلا من الرواية والقص لشمولية الاولى، ثم ان الرواية قد تحولت من العام إلى الخاص وأصبحت علما على احد الانواع النثرية )NOVEL(.
وحين التحول الى القواميس الاخرى (انجليزي عربي) للنظر في المفردة العربية التي يضعها المؤلفون مقابل المصطلح الانجليزي الاكثر شيوعا بالنسبة لهذا الفن Narrative كاسم )NOUN(، نجد منير البعلبكي في مورده الشهير يستخدم قصة، حكاية، سرد الاخبار او فن سردها: القصص ,؟ اما حسن سعيد الكرمي في المغني الاكبر فيضع مقابل المصطلح الانجليزي السابق قصة، حكاية ولا وجود للفظة السرد عنده، سواء مقابل نفس المصطلح او أي من مشتقاته.
أما أحدث هذه القواميس وهو المنجد )1996( الذي وضعه قسطنطين تيودوري وساهم في تحريره آخرون، فإنه يستخدم مصطلح سرد مقابلا لNarrative ولعل حداثة القاموس كانت خلف هذا الاستخدام المباشر نظرا لشيوع هذا المصطلح كثيرا في الكتابات النقدية العربية الحديثة، فهناك العديد من الكتب التي استخدمت هذا المصطلح في عناوينها، وهذا حديث سرديات القادم.
|
|
|