تلويحة وداعاً بولز طنجة,,! عبدالعزيز مشري |
بول بولز الكاتب الأمريكي الذي خلف وراءه كل أمريكا ليجلس على ما يواجه الشاطىء الآخر بشرقية الأطلسي,, أعني المغرب العربي وتحديداً طنجة المدينة المغربية التي تشرب الشاي على سطح الجبل ولا شك أنك ستذكر على الفور الكاتب المعروف محمد شكري وستذكر روايته الخبز الحافي نعم,, لقد ترجمت الى الانجليزية على يد بولز أو بولاز كما ينطقها الاخوة المغاربة.
بولز دخل مشارف التسعينات عمراً,, لكنه دخلها بلا عمر ليقع في أبدية لا نهاية لها, الم تر أن عددا من مشاهير العالم لا تتعرف عليهم إلا عندما يعلن عن نهاياتهم؟! هذا التساؤل إن أردت أو لا تكون,, لكنك لا تستطيع ان تهرب من حقيقة اسمها غياب الكتاب الجيد عن باحثنا، وغيابه يكمن في حدود الدخول، فإن كنت ممن يتعاملون مع الانترنيت ولندع كل هذه الاعتراضية المقهورة جانبا، واغترف من كل خبيء عن هذا العقل الذي جاء منذ الثلاثينات وقرأ الفنون الشعبية بحواسه وليس بلغة اللسان فقط.
***
في جريدة عكاظ الثقافية الإخبارية,, عرضت يوم السبت 20/11/1999م لبعض الأسئلة مع بولز منها هذا السؤال,اعتقد ان قصصك أقرب إلى الحكايات منها الى القصص القصيرة، وذلك لأنها تغفل الاعتناء بالشكل .
لا تعجل عليَّ وربما كنت متحفزا إلى حد يجعلك تجاوب بالنيابة، فإن كنت كذلك فلا تؤاخذني إن قلت إنك تزعم وترى أن كتابة القصة تعتمد على قوائم ليزرية واجهية لغوية أولا وأخيرا ودائما، دون أن يكون الأمر له علاقة بالقصة أو بأي نص كان، لست صخرا يعثر طريقك,, اكتب ما يحلو لك لكنك لن تصدق قولي بالرد عليك لو انني قلت (إنه الإفلاس) لأنك أقمت حديقة من الألوان الجميلة والزهور لكنها بلاستيكية، والأدب الإبداعي لا يمكن أن يكون جماله للمشاهدة او لمتعة الإبصار مثلا او لجعله في حُق من المساحيق المؤجلة,, أتعلم لو أنك مزجتها وجعلتها معجونة بمضمونها الحكوي,, فإن ملاحظتي وليس اعتراضي قد تقف عند أي موقع تريده دون أن تحمّل صوتك ما يدفعه للغط والصراخ.
أتعلم بماذا أجاب بولز أجاب بنوع من التساؤل الذي كثر ما رددناه في حين التشابه داخل التشابه ذاته أو قل حيناً من التطابق في أدبنا العربي: كأننا والماء من حولنا,, إلخ لقد تساءل بولز في جوابه عن كون الماء مطرا أو أن المطر ماء، او أو كلاهما له صفة البلل فيما إذا كان للحكاية صفة القصة أو أن للقصة صفة الحكاية او ما يشابهها!.
***
شخصيا,, أذهلني هذا الجواب الذي كان على هيئة تساؤلية، فقبل أعوام تزيد عن الثمانية قلت جوابا اختصاره (أن حكى وما حكى) مرتكز أساسي في كتابات القصة والرواية إذ ما كنت محدثكم,, نعم, لقد وجدت أن الحكاية والقصة ليستا جاهزتين للفظ بهما في مجالس السمر اليوم ,, بل انهما القوام الذي تقوم عليه منهجية ورؤى الكاتب ومعماريته الخاصة بتميزه واللمسة الفنية التي لا يمكن لأحد أن يستعيدها ليجمل بها بيوته وحدائقه الأخرى فالبيت الاسمنتي أو الحجري ليس كالبناء البورتبولي الجاهز من بقايا الأخشاب ونفايات الأوراق المضغوطة.
لا تضع إبداعك دائما في محفة من أجل أن يتعاطف معك أهل الحي فيستنهضوا أحزانهم على هيئة المشاركة الواجبة بحكم الجيرة,, قال بولز الأمريكي الأوروبي اللغة,, إنه لا يكتب للمغاربة العرب ولا يتعاطف معهم، فهل هي اللغة الحاجز أم العلاقة الإنسانية المعبأة سلفا بجاهزية الموقف الحاد من الغريب,, أم أن كل هذا وغيره جعله يقول مجيبا على تساؤل من أحد المغاربة أن ما يكتبه معروف معلوم عند أهل البلد: أنا أكتب للأوروبيين والأمريكان أي أنه يعرف بما يرى ويكتشف لقراء لا يعرفون عن عالمه المكتشف شيئا؟! بولز المعجون بالشاي الأخضر ذي العبق النعناعي الطنجاوي,, ترك أدواته التقناوية على شاطىء أمريكا الشرقي، وجاء عائما عبر الأطلسي الى حيث الإنسان التاريخي المتعمق في المغرب، لا ليبحث عن المعادن الطبيعية في الجبال والصحارى والمياه، وإنما ليدور عن مخبأ يدفىء في محدودية مكانيته إنسانيته المهاجرة البعيدة، هو وغيره ممن شابهوه على هذه الضفاف المغربية تحديدا.
لقد عرف بولز ب محمد شكري عند قراء الانجليزية, بترجمته ليس للخبز الحافي بل لثلاثة أعمال أخرى، وكان شكري الذي كتب عنه كتابا مثلما كتب عن جان جينيه وتينيس وليامز وكان يشكو منه كثيرا في ابتزاز الحقوق وفي البخل الشديد لكنه لم يقل يوما انه غير إنسان مثقف ومالك للنظرة الواعية الثاقبة للكثير من الاكتشافات,هذا الكشاف المعمّر توقف وبقيت إضاءاته,, ترى هل يعيد شكري الفقير العظيم إيعاز وكيل أعماله البرازيلي الأصل للبحث عن بعض حقوقه لدى بول بولز المتوفى أبداً!!
|
|
|