Wednesday 24th November, 1999 G No. 9918جريدة الجزيرة الاربعاء 16 ,شعبان 1420 العدد 9918


رؤى وآفاق
بداوة القطامي وحضارة أبي نواس

صحبت البداوة حياة العرب في جاهليتهم، كما صحبت البداوة بعض العرب في اسلامهم، وكان البدو يعتزون بنمط حياتهم، ويرون ان تلك الحياة هي الافضل، وقد يشاركهم اخوانهم الذين يسكنون في البيوت، ويقيمون في المدن، ومصدر اعتزاز البدو بحياتهم يقوم على اسس متعارف عليها من الاخوة، والنصرة، وعزة الجانب، والاسراع الى الحرب، والاستعداد لها، بالخيل والسلاح، وهم ينظرون الى سكان المدن نظرة دونية لانهم تخففوا عن الاستعداد للحرب والاهتمام بالخيل، كما ان نظرتهم الى الشجاعة لم تكن في منزلة نظرة البدوي لها، فالقيم في حياة البدو تختلف عن القيم في حياة الحضر, والعرب عامة في مدنهم وباديتهم يحترمون حياة البادية لانها مرتبطة بالنقاء والصفاء، بل ان الخلفاء في عهد الدولة الاموية يرون ان حياة البادية تهذِّب، وتقوِّم ولذلك استقبل اولئك الخلفاء زعماء القبائل، ورغبوا في الإصهار اليهم، فقد عرض عبدالملك بن مروان على عقيل بن علفة المري الذبياني الإصهار اليه، بأن يزوج احد ابنائه من احدى بنات عقيل، فتغافل عنه عقيل وكأنه لم يسمع قوله، فلما ألح عليه عبدالملك قال عقيل: ان رأيت ان لابد من ذلك، فجنبني هجناءك، فاستجاب عبدالملك لمطلب عقيل، وتم زواج يزيد بن عبدالملك بالجرباء بنت عقيل، ويزيد هذا هو الذي آلت اليه الخلافة، فعقيل يعرف منزلته، وعبدالملك عربي يقدر للبدو سمو منزلتهم، ويرى الإصهار اليهم شرفاً وعزة، واذا كان عقيل بن علفة الذبياني مغرماً بحياة البداوة مزهواً بنفسه، فان امثاله كثرٌ في عصره، وفي غير عصره، فعمير بن شييم القطامي التغلبي اشاد بالبداوة في شعره، وذلك في قوله:
ومن تكن الحضارة اعجبته
فأي رجال بادية ترانا
فهذا البيت يشير الى المعجبين بالحضارة، ومع ذلك فانه يسمو بحياة البداوة ويعتز بها، واعتزاز القطامي بالبداوة مبني على مجد تغلب في الجاهلية، وايامها مع قيس في الاسلام، فهي قبيلة عزيزة الجانب، تحمي حريمها، وتصون شرفها, والعرب وان كان منهم بادية فليسوا بعيدين عن الحضارة فقريش ألفت الاستيطان في مكة واقترن اسمها بالتجارة، ووقفت على حضارة الشام واليمن، وسكان اليمامة والبحرين الفوا الحضارة منذ القدم، وقد ذكر الاعشى ماعند الآخرين في البلاد التي زارها، فهو يرتاح الى حياتهم، ويشيد بها لانه نشأ في بيئة حضرية, وابو نواس نفر من البداوة واشاد بالحضارة، واستمر يلهج بما يدعو اليه في قصائده الكثيرة، فهو خصم لدود للبداوة وداعية لا يمل للحضارة، فكل ماهو حضري محبب الى نفسه، قريب من قلبه، وكل ماهو بدوي بعيد عنه لا يألفه ولا يرتاح اليه، يقول:
حاشا لدرة ان تبنى الخيام لها
وان تروح عليها الابل والشاء
فالخيمة التي هي مسكن البدوي مذمومة في شعره، ومثلها الابل والغنم لانها اموال البدو، وقد ذم الطلل، والطلح، والعشر في قوله:
دعم الطلل الذي اندثر
يقاسي الريح والمطر
ويقول في ذم اشجار البادية:
بأرض باعد الرحمن
عنها الطلح والعشرا
بل انه ذم كل نبات ينبت في البادية ومابها من هشيم العرب عرفجة وذم اكل العرب الضب في قوله عدَّ عن ذا كيف اكل للضب واذا ورد الطلل في شعره فانه يعتذر عن ذلك، ويصرح بارغامه على ذكر الطلل دعاني الى ذكر الطلول مسلط فابو نواس يعبر عن رغباته في شعره ورغبته تتوافر في مباهج الحضارة حيث الانهار، والنخيل ، وحوانيت المدن، التي تعرض كل شيء تطمح اليه نفسه، فأبو نواس ينظم بلسان الحضارة العباسية التي من اهم مظاهرها في زمن ازدهارها زواج المأمون ببوران، الذي يعكس ما وصلت اليه الحضارة العباسية من الترف في المآكل والملابس، والفرش، والمراكب فمآدب بغداد حرية بإطلاق لسان ابي نواس بالاشادة بها وبكل ما تميل اليه نفس الشاعر، وليس ابو نواس وحده في الاشادة بالحضارة، فالشعر العباسي والاندلسي يعبران عن الحضارة العربية الاسلامية، ولكن ابا نواس قاد الحملة الشعواء على العرب في باديتهم، فلم يتقدم عليه احد في هذا المضمار اما القطامي فكان منصفاً في قوله في الحضارة والبداوة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

ملحق جائزة المدينة

ملحق الحرس الوطني

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved