كثير من دول العالم خطت خطوات لم يحالفها الحظ بسبب عدم نضج الظروف الموضوعية الملائمة، وكان من نتائج تلك الخطوات اعاقة الاقتصاد وارباك عجلته بل وتراجع وتيرته، ناهيك عما خلفه من دمار من جراء زيادة الكلفة المالية وضياع قيمة الوقت وتشتيت وهدر الطاقة البشرية.
إن ما كشف عنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية لرؤساء الصحف السعودية المرافقين لسمو ولي العهد الأمين في جولته الراهنة لدول المغرب العربي من أن المملكة لديها تصور شامل ورؤية استراتيجية بعيدة المدى من وراء تشكيل المجلس الاقتصادي الأعلى سيعلنها سمو ولي العهد لدى رئاسته لأول اجتماع للمجلس.
إن هذا المجلس في حقيقة الأمر جاء ليترجم مرحلة مهمة من مراحل التطور التي تبوأتها المملكة بفضل من الله ثم نضج ووعي القيادة السياسية وحنكتها في ادارة الأمور.
ان المجلس الاقتصادي الأعلى قد بات ضرورة ملحة أملتها الظروف الموضوعية التي تحتم علينا أن نعد العدة لدخول القرن الجديد بكل ثقة بعد أن اكتملت كثير من البنى التحتية وأصبحنا مهيئين أكثر من أي وقت مضى كي نخطو خطوة متقدمة بثقة عالية بمقدرتنا على دخول القرن الجديد بمقومات أكيدة للنجاح والاستمرارية.
إن من يتمعن في كلمات الأمير سعود الفيصل يدرك مدى عمق المعرفة بظروفنا الحالية وصحة قراءة المستقبل، فالمجلس جاء ليقود الاقتصاد في مرحلة صعبة جداً سيكون من أبرز سماتها المنافسة بين اقتصادنا النامي واقتصاد الدول المتقدمة صناعياً، ستكون مباراة صعبة ستلقي ظلالها على تجربتنا الاقتصادية الحديثة وبتقديري اننا سوف نكون في مستوى المسؤولية والتحدي خاصة وأن تجربتنا السابقة جعلتنا دون فخر في مصاف الصفوف الأولى ولكننا ولله الحمد لسنا بعيدين بعد أن تفوقت الصناعات السعودية على كثير من الصناعات المماثلة لها الحديثة النشأة كونها بدأت من أرضية صلبة وأخذ اقتصادنا يتصدر اقتصاديات كثير من الدول التي بدأت معنا أو سبق لها تجارب قبلنا لكون اقتصادنا أدرك بشكل مبكر قيمة التخطيط المسبق.
واليوم نبدأ مرحلة جديدة ونقول دون مجاملة ونحن نتحمل مسؤولية ما نقول إننا تجاوزنا كثيراً من المراحل بزمن قياسي نجني ثماره اليوم.
إن المجلس الاقتصادي الأعلى جاء لتفعيل كل قطاعات الانتاج وتحفيزها وفق ادراك بالظروف المحيطة بنا ووفق امكاناتنا الذاتية وقدراتنا المتوفرة وهي بلا شك رغم تواضعها إلا أن روح المنافسة والتحدي تكمن داخلها.
إن القرن القادم سوف يشهد سقوط الحواجز الجمركية بين دول العالم ومن شروطه إزالة العوائق أمام بضائع التجارة العالمية والتي يتعارض بعضها مع الثوابت الدينية التي أكد سمو الأمير سعود الفيصل على تمسك المملكة بها وجعلها غير قابلة للمساومة لما للمملكة من مكانة شرفها الله سبحانه وتعالى وخصها برعاية وخدمة الحرمين الشريفين.
إن انبثاق المجلس الاقتصادي الأعلى في هذا الوقت بالذات لم يكن من قبيل الصدفة وهو ليس اشباع رغبات الترف السياسي وإنما ضرورة أملتها الحاجة الماسة لمواكبة التطور السريع الذي أصبح احدى سمات هذا العصر، ومن يتخلف عنه لن ينتظره قطار التقدم الحضاري بل سيتركه في أكثر المحطات تخلفاً تتراكم عليه غبار الأزمنة.
*عضو مجلس الإدارة المنتدب لجريدة المؤشر