Wednesday 10th November, 1999 G No. 9904جريدة الجزيرة الاربعاء 2 ,شعبان 1420 العدد 9904


الواقفون,,!
إبراهيم عبد الرحمن التركي

1
,,, هذا التناقض بين كوننا شكلاً في العالم الحديث، وجوهراً في خارجه يضطرنا الى معاناة قضايا مجتمع قديم في عالم حديث، ومعاناة قضايا عالم حديث في مجتمع قديم ,,, .
يوسف الخال 1978م
* * *
,,, الكاتب منتمٍ بفكره أو الأنا العليا إلى العالم الغربي الحديث، بينما هو منتمٍ بعلاقاته الاجتماعية، أي بالأنا الى المجتمع العربي ,,, .
شكري عياد 1993م
* * *
,,, العمل الأول للفكر هو نقد أصله أو أصوله، بل والخروج منها كذلك، كل شيء يجب أن يخضع للسؤال والبحث ,,, .
أدونيس 1999م
* * *
2
** لم يختلف لونُ الهواءِ
ولا تغيَّرَ طعمُ هذا الماءِ
من لدن القبيلةِ والفضيله
ها نحن في زمن الوسيلةِ والرذيله ,,!
** فالريحُ ما زالت تهبّ,,!
والروحُ ما برحت تدبّ,.
** والمتعبون بلا ارتداد,,!
والتائهون بلا امتداد,,!
** قم غنِّ إن حلَّ الردى
فالموجُ لا يرثُ الصدى,.
والأمسُ لا يأتي غدا
والصوتُ قد ملَّ النِّدا
* مال الغبيط بنا معا
خلِّ البكاءَ,.
فقد كرهتُ الأدمعا
* * *
3
** هناك من المفكرين من أيقن أن الشكل يتعدد بتعدد المضامين ، وهي نظرية وجدت جواً مهيأً حين دافع عنها في استهلالات هذا القرن الفيلسوف الألماني جورج لوكاش ,,!
** لا تزال قضيّة الشكل والمضمون هاجساً مُلِحّاً في الأدبيّات العربية أخذ من الجدل ما يفوق أهميته ، وربما انقسم المجتمع الثقافي بسببه الى آحادٍ متناحرة لم يُعانِ منها جيلٌ واحد، بل امتدت أجيالاً ولا تزال,,!
** ولم يقف الحوار عند بُعدٍ محدد فقد انتقل الخصامُ من ساحة الأدب الى الساحة السياسية والاجتماعية وبدأت مصطلحات القديم والحديث والرجعيّة والتقدميّة والتخلف والتطور تجد أصداءً في مختلف مناحي الحياة,,!.
* * *
4
** منذ الأزل والمعركة محتدمةٌ بين القديم والحديث ، فجيلٌ يزهو بما هو كائن وجيلٌ يتحسّر على ما كان وجيلٌ جديدٌ يقف بينهما على خط التماس دون أن يحدِّد موقفاً حتى إذا شبَّ عن الطوق وجد نفسه داخل دائرة صراع الأجيال !.
** خذوا الساحة الثقافية على سبيل المثال ، فقد امتلأت بجدليّةٍ لم تنتهِ، بعد حول هذه القضية ، وكانت الصراعات أوسع من أن يحتويها موقفٌ وسطي توفيقي يقرأ بعينين ويسمع بأذنين وينظر في كل الاتجاهات ,,!
** ولجأ أدباءُ أو مثقفون الى الاستعانة بالمرجعيّات الفكرية لنصرةِ آرائهم وكان منها وفيها ما صدق وما لم يصدق ، وما كان دافعه غيرةً وما كان محرّكُه اندفاعاً ، وظلَّ فيها ما تبرأ من الهوى وما غاص حتى أذنيه فيه,,!
** ولعلّ من يعيد قراءة تلك الخلافات سيجدُ أن كثيراً فيها قد جاء بلا مبرر منطقيّ، أو أن الخلاف لم يحتمل كل ذلك الصُّراخ المملوء بمعانٍ أنويّة بعيدةٍ عن البحث والعقلانية ,,!
** كتب الرافعي غفر الله له كتابه (تحت راية القرآن) ليجد سنداً قوياً من اتكائه على تحريض الشُّعورِ المؤمن بالثوابت الدينية، وكانت له رؤيةٌ محقّةٌ في كثير مما قاله رغم تراجع طه حسين رحمه الله عن آرائه الحادّة في قضيّة الشعر الجاهلي وإبقائه على ما ظنّه مجالاً لشيءٍ من الحوار والخلاف ,,!.
** مضى على ذلك أكثر من نصف قرن، وشارك فيه مَن شارك منتقداً هذا أو ذاك، وبإمكاننا اليوم أن نستجلي الصورة ونحن بعيدون عن أي تحيُّز، وسوف نكتشف أن الموضوع لا يعدو كونَه اختلافاً أراد الوصول إلى الحق وأضحى بعده من وُصف بالحداثة قديماً، كمن دافعَ عن الأصالة !
** والمعضلة أننا لا نزالُ حيث توقفوا ,,!.
* * *
5
** في محاولة العودة إلى الماضي تعويضٌ عن إخفاق الحاضر أو ربما إسقاطُ حالة الهروب من تقدُّم العمر على الاحساس المتعاظم داخل الذات بضآلة المُنجز على الصعيد الذاتي والقومي !.
** لو لم يكن الأمر كذلك لتفاهمنا مع الواقع بذائقةٍ مختلفة تُحيِّي كثيراً من التبدلات الايجابية التي أسهمت في نقل الإنسان من دائرةٍ مقفلةٍ إلى أخرى منفتحة ، ومن حياةٍ بائسةٍ الى غيرها أقلّ بؤساً، ومن جهلٍ إلى شيءٍ من العلم، ومن تبعيّةٍ كاملة إلى تبعيّةٍ جزئية !.
** الموضوع لا يحتاج الى جدلٍ طويل، ولا مقارنةَ بين أميِّةٍ وعلم ، واستعمار واستقلال ، واتصال وانغلاق ، ورفاهية وشظف ، وإدراك وجهل .
** والموضوع ذاته لا ينفي البحث عن غدٍ مختلف يتحول فيه العلم الى عمل والاستقلال الى تحرر والاتصال الى تأثير، والرفاهية الى وسيلة والإدراك إلى وعي ,,!.
* * *
6
** نفاجأُ حيناً بمحاولاتٍ خداج تسعى للقفز على لغة المنطق وحتميّة التاريخ فيمضي سجالٌ لا يأبه لما حوله مقرراً أن الأمس دائماً أفضل وأجمل وأنقى,,!
** تتحدثُ في الأدب فينعُون زمن العمالقة ويأسفون لتكاثر الأقزام ,,!
** تحاور في الفكر فلا تجدُ إلاّ باكياً أو متباكياً على المفكرين الذين مضوا,,!
** وتناقش في السياسة فتُصدم بتوقف بعضهم عند زعاماتٍ سابقة ربما ضلّت فأضلّت,,!
** وتأتي إلى المجتمع فتلقى حنيناً غريباً إلى أيام زمان وكيف كان الوصل والتواصل مع أنّ في مناطقهم هجراتٍ شبه جماعيّة لم تدع في أوساطهم إلاّ العاجز والخامل والمرفّه ,,!
** وكذا الحال في شؤون الحياة المتعددة الاخرى ليظلَّ التساؤلُ قائماً,.
** هل حقاً كنا أفضل,,؟ أم أنها الذاكرة المتقادمة تحنُّ لما نأى وتهاجر وتهجر ما دنا ولا يجوز لديها حكم منطقيّ، أو محاكمة موضوعيّة هادئة,,!.
* * *
7
* الكاتب سلسلةٌ من الرهانات الخاسرة .
** اعتقد ذلك ماركيز رغم أنه خرج من القاع وأصبح في القمة فلعلّه الاستثناء أو ربما كان الإيماء لتظهر شواهدُ أخرى تؤكد دلالات مفردة هذا الروائي أو تثبت معناها !.
** والكاتب ليس وحيداً، فمثله المفكر والمثقف (والثلاثة وإن تشابهوا شكلاً فإن بينهم فوارق كبيرة) وقريبٌ منهم المصلح والقائد بل وحتى الكادح والمتسولِّ !.
** الحياةُ رهانٌ خاسر لا يجادل في ذلك إلاّ مُحَلّقٌ في زمن الهبوط، او متوهم في عصر الحقائق,,!
** ترفع الهام أو تخفض النظر وترجع البصر مرّتين ومراراً فلا تشهدُ الا تراكماً لأخطاءِ الأوالي يدفع ثمنَها الأواخر أو سقوط الأواخر لتندثر إنجازات الأوالي وانقطاعٌ معرفيٌّ وسلوكيٌّ لا يفرز إلا متواليات من الخسائر !.
** ليس ثمة تشاؤم كما لا تفاؤل ومن يُرِد أن ينطلق فليبدأ من ذاته وليتجه إليها,,!.
* * *
8
** دعا لويس عوض بعد هزيمة 1967م إلى إنقاذ شرف النقد العربي ، وهي دعوةٌ تعني كثيراً لمجتمعٍ أُصيب في ضميره فانهار ضمن ما انهار خُلُقه وصدقه وأفقه المهنيُّ الثقافيُّ المتسامح,,!.
** وقد ظلّ التاريخ العربي الحديث أسيراً لثنائية: التقدم والتخلف أو الوعي والتحجُّر ، أو الحداثة والتقليد وكأن المطلوب اختيار واحدٍ من اثنين مع أن الفضاء يتسعُ للعشرات والمئات والملايين ,,!
** لدى المتنبي حداثةٌ لم يبلغها تلاميذ أدونيس وفي مقابله من نظَّامي نهاية الألفيّة الثانية تبعيّة أو تنميطٌ لا يختلف عن أسلافهم في عصور تردّي ورداءة البيان,,!.
** والسؤال المشروع المشرع : لماذا تفترق الأصالة عن المعاصرة ؟ ولماذا تتعدد المراكز الثقافية العربية بتعدد توجهات أصحابها؟ وما الضير في أن يُتاح المكان الواحد لرؤيتين متناقضتين كما الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نحيا به، والتراب الذي ندرج عليه ثم تحته، فهي وغيرها مركبات متضادة أوجدت ناتجاً متماثلاً,,!.
* * *
9
** المشكلة في حقيقتها تخلُّف الخطوات النقدية عمّا وصل إليه الجمهور أو قفزها لتجاوز كل ما يُهمُّ أو يقع في أولويّات الجمهور,,! وبين هذين الطرفين لا تستطيع الحداثة ان تستأثر بالساحة - كما لا يمكن للتقليد ان يلغي ما سواه!!.
** الناسُ لم يعودوا واقفين عند التباكي على الدِّمَن كما أنهم لا يستطيعون السفرَ إلى الغد بمركبات الفضاء ,,! وهم أو معظمهم متعايشون مع ذواتهم متدرجون في واقعهم يركبون السيارة المتواضعة ويأوون إلى منازلهم الصغيرة بعد العشاء ولا تبهرهم سهرات المساءات المخمليّة كما لا يُقلقهم عواء الذئب خلف الخباء ,,!
** الجمهور يبحث عما يخاطب همَّه دون أن يلتفت إلى من يُثير وهمَه والجمهور كذلك ذو ذائقةٍ تحاول التمييزَ بين ما هو إبداعيٍّ أو اتباعي كما تستطيع الانحياز لما تراه لا لما يُراه الأساتذة النقَّاد ,,!.
** وباختصار فالمطلوب بكل مباشرة تواري الوصاية الذهنيّة التي يمارسها الواجهيُّون لتلميع منطفىءٍ أو إطفاء لامعٍ ، ويبقى لهم الحق أن يقولوا دون أن يتخطوا ذلك إلى أن يحجُروا او يتحجَّروا ,, حتى لا يرجمهم الناس والتاريخ بالحجارة,,!,>صمت العصافير
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
عزيزتـي الجزيرة
ملحق الاتصالات
الريـــــــاضيــــة
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved