انتقلت عدوى انفصال اقليم تيمور الشرقية عن كيان الدولة الاندونيسية الى اقليم اتشاي الذي يُعَدُّ تاريخياً وقانونياً جزءاً لا يتجزأ من أراضي الدولة.
وحين استقلت اندونيسيا كدولة حرة وذات سيادة وطنية عام 1945 كان اقليم اتشاي جزءاً من أراضيها.
وأمس تناقلت وكالات الأنباء ان عدداً تراوح بين نصف مليون الى مليون شخص تجمعوا في قلب عاصمة اقليم اتشاي مطالبين حكومة جاكرتا بالموافقة على إجراء استفتاء مثل الاستفتاء الذي أدى الى انفصال اقليم تيمور الشرقية الذي أصبح الآن أحدث دولة مستقلة في العالم!.
وإذا استحضرنا حقائق التاريخ، نكتشف ان الظروف الموضوعية من الناحيتين التاريخية والقانونية لإقليم اتشاي تختلف عنها لإقليم تيمور الشرقية إذ إن الاخير ضمّته اندونيسيا إليها عسكرياً إثر خروج الدولة المستعمرة له وهي البرتغال منه عام 1975م حين دخلته القوات الاندونيسية لتضمه الى كيان الدولة بالقوة، وربما ضد رغبات سكانه الذين لم يستفتوا بشأن مستقبلهم بعد الاستعمار البرتغالي مما أعطى مسوغاً مقبولاً بل مشروعاً لمطالبتهم بإجراء استفتاء حول البقاء ضمن كيان الجمهورية الاندونيسية او الانفصال عنه واعلان الاستقلال.
ولعلّ هذه الحقيقة هي التي أملت على ضمير حكام اندونيسيا قبول هذا المطلب مع الاستعداد لقبول نتيجته,, وعندما اختار سكان الاقليم الانفصال بارك مجلس شورى الشعب الاندونيسي ذلك على أن الوضع بالنسبة لإقليم اتشاي يختلف تاريخياً وقانونياً.
فمن الناحية التاريخية لم تستول اندونيسيا على هذا الاقليم بالقوة العسكرية او تضمه إليها ضد رغبات أهله، كما ان سكانه لم يطلبوا حق تقرير المصير عن طريق استفتاء أو الكفاح المسلح ضد حكومة بلدهم في جاكرتا, ومن الناحية القانونية ليس هناك مسوغ لسكان الاقليم كالمسوغ الذي برر به سكان اقليم تيمور الشرقية بطلب اجراء استفتاء يحدد مستقبل علاقتهم باندونيسيا.
والواضح حسب ما تناقلته وكالات الانباء امس أن المطالبين باستفتاء من اجل انفصال اقليم اتشاي أعربوا عن دوافعهم لذلك باتهامهم حكومة جاكرتا باستغلال ثروات الاقليم من النفط والمعادن.
وهي تهمة حتى إن صحت لا تبرر مثل هذا المطلب الخطير,, وهو الانفصال عن كيان الدولة الأمِ وإنما يمكن معالجتها التهمة بالطرق والوسائل النظامية والقانونية المتاحة في دستور اندونيسيا وقوانينها المعمول بها في مجال المحاسبة على استغلال النفوذ او تبديد الثروة على النحو الذي جرى تطبيقه على الرئيس الاندونيسي الاسبق سوهارتو الذي لا يزال يواجه الاتهامات بالفساد واستغلال النفوذ والثراء الحرام، وما تزال التحقيقات تُجرى معه ومع افراد أسرته.
نخشى ان نقول إن مطالبة بعض زعماء السكان في اقليم اتشاي الاندونيسي بإجراء استفتاء للانفصال وراءه دوافع ذاتية أو قوى خارجية جربت فصل تيمور الشرقية ونجحت في ذلك وتريد تكرار التجربة في اقليم اتشاي، ثم بعده في بقية الأقاليم والجزر الاندونيسية بهدف محو وجود دولة اسمها اندونيسيا من الوجود!.
كما نخشى ان نقول إن ما تتعرض له اندونيسيا الآن من مؤامرة لم تعد خافية لتفتيت وحدتها الوطنية أهلاً وتراباً، يهدد دولاً اسلامية اخرى في افريقيا وآسيا، إما بالتفتيت او بالقمع والاخضاع بالقوة العسكرية,
كما نخشى أيضاً أن يكون مؤشراً قوياً لطبيعة ما يُسمى بالنظام العالمي الجديد كنظام الحيتان التي تبتلع الاسماك الصغيرة دون حتى ان تخنق بسمكة كبيرة بحجم اندونيسيا!.
الجزيرة