Tuesday 9th November, 1999 G No. 9903جريدة الجزيرة الثلاثاء 1 ,شعبان 1420 العدد 9903


لما هو آتٍ
أنت والحاسوب
د, خيرية إبراهيم السقاف

كان العرب يأخذون من بيئتهم ويتمثلون ، وتذهب أقوالهم وآثارهم مذهب المثل، فمما يقولون: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب لأن العرب كانوا يعيشون في الصحراء حيث الذئاب! أما الآن فإننا نعيش في زمن الكمبيوتر الحاسوب وله امتداده، وسعته بمثل امتداد وسعة الصحراء، فهل فكر أحد في أن يُذهِبَ مثلاً يقول : إن لم تكن كمبيوتراً، حاسوباً أكلتك البرامج ؟!,.
تمثلت الحاسوب أمامي بسطوة التهامه، حيث له فم يلتهم، ويد تلتقط، وأذن تستوعب، وعيون تأكل كل مايمر بها ويُعرض أمامها,,, يُخزِّنُ بداخله ما لا تستوعبه اللحظة، والمساحة، بل والمسافة، لا يطوِّعة إلا فاهم لأصوله، مستوعب لأساليبه، خبير بمفاتيحه، فإذا ماجاءه محركاً فأرته يمنةً ويسرةً، يضعها مُرسَلَةً نحو غايته، ورمزه، أولجه إلى عالمه، وفتح له ملفاته، وأهدر بين يديه أسراره، أما إذا ما جلس إليه جاهلاً به، وبأساليبه، غير خبير باستخدام مفاتيحه,,، صمت دون الحديث معه، وأغلق عليه، وأشاح بكلِّه عنه,,,، يتعامل مع الأول معاملة النِّد، ومع الثاني معاملة الضِّد,.
تذكرت حال الإنسان الذي يجلس في مجلس,,,، يفتح عينيه على كل صغيرة، وكبيرة فيحتويها، وأذنيه عند كل شاردة، وواردة فيلتقطها، ويخزِّن في ذاكرته ما يسمع، ويرى,,,، حتى إذا ما جلس مع نظرائه، أفضى بما عنده كيفما يشاء، يلوِّن هذه، ويوشِّي تلك، يختصر جملة، ويضيف إلى أخرى، يغيِّر كلمة هنا، وكلمة هناك، يربط فكرة بفكرة، ويخلط مايشاء بما يشاء، حتى تخرج له لوحة من الكلمات، والمعاني، والدلالات، في خبر، أو إنشاء، في رواية أو قصة، كما يشاء، يضيف إلى كيانها الجديد من نفسه ما يجعلها تمثِّله، ولا تمثِّل ما كانت عنه في الأساس,,,، تماماً كما يفعل الحاسوب,, يختزل هذه، ويغيِّر تلك، ويزخرف هنا، ويلوِّن هناك، لديه قدرة بهلوانية عجيبة، ومع ذلك فهو سيّد عصره، بمثل ما يكون هؤلاء سادة مواقعهم، الشبه بين الكمبيوتر الحاسوب وبينهم هو هذه القدرة، والفرق بينهما أن الحاسوب يتحرك بأصابع الإنسان، بينما الكلمات من الإنسان تتحرك بإرادته، والقاسم المشترك بينهما أن يد الإنسان التي تحرك أزرة الحاسوب تتحرك بدافع داخلي من الإنسان، في الوقت الذي تتبدل الكلمات على لسان الإنسان بدافع من داخله,,,، فالإنسان هو المحرِّك لكل المتغيرات الآلية أو الصوتية,,,!!، والإنسان بالتالي إن لم يكن حاسوباً أكلته برامجه، تماماً إن لم يكن الحاسوب إنساناً أكله الإنسان,,,، فهو من صَنَعَهُ، وهو من يُلغيه,,,، فالإنسان داخلُهُ مصنعُهُ، وصناعتُهُ مضمونُ داخله,,.
تُرى لو تخيَّل الإنسانُ كيف يمكن أن يفعل، وهو يُعرِّي الحقائق ثم يُلبسها من ذاته، وتخيَّل كيف لو تجرَّد فوق شاشة الحاسوب، وألبسه الحاسوبُ ثوباً آخر,,,، ألا يصرخ مستشهداً بما قالت العرب: (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب)؟!,,.
فهل يعني ذلك أن الآلة لم تستطع في قمة مجدها أن تقضي على خبث الإنسان؟ إذا ما افترضنا جدلاً أن خبثه هو جزء من ذكائه الذي ربما ينصرف في أوجه إيجابية تربط، وتبني، وتؤسس، وتنتج، وربما ينصرف في أوجه سالبة، فيمزِّق، ويهدم، ويحطم، ويلغي,,, وإذا ما فكر الإنسان في هذا التصوّر، وصرفه إلى التمثُّل بعلاقته بالآخرين,,، أيمكن أن يتخيل نفسه وهو يقتعدُ مجلساً بين القوم، وفيه يُرسل جوارحه تلتقط، وتجمع، وتخزِّن، حتى إذا ما اختلى بنفسه أخرج ما فيها، ولوَّنه، وشذَّبه، وأضاف إليه، وحذف منه، وجعله كما يحب ويرضى,,,، ثم أفضى به إلى خاصته، ومن خاصته إلى من يريد,,,، يفتِّت به العلائق، ويمزِّق به الأواصر، ويخبِّث به النفوس، ويلوِّن به الحقائق، ويبدِّلُ به الأمور,,، فإذا ما تخيَّلها كذلك، تُرى هل يقف يسخط على نفسه، أم يُربِّت على فأرة حاسوبه، ويبدأ في تحريكها كيف يشاء من جديد؟ غير عابىء بما كان، ولا بما سيكون؟ ولا بما هو كائن؟!
***
جسر:
الجزيرة: غادة الخضير: أنتِ على وجه الخصوص صباحك أشرق في كل ما هو آتٍ,,.
سعادتك بخطواتٍ آتية، كما عبَّرتِ: إلى جزيرتكِ التي اهتزت وربت بعد أن طال شوقك إلى دفء (حروفي) التي تتمنين أن (تتعلمي) من خلالها أن ماهو آتٍ أجمل الأجمل ,,, سعادة لا يماثلها إلا سعادتي بهذا الزخم الجميل لكل ما أتى وهو آتٍ من أهل الجزيرة التي أنت واحدة من كتابها الجميلين الذين يتحركون في مساحات البياض الأجمل,,.
يا غادة: أشكرك بحب وكفى.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
منوعــات
تغطية خاصة
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved