* إعداد القسم السياسي:
تتصف علاقات المملكة مع الجمهورية الفرنسية مثل جميع علاقاتها مع الدول الاخرى الشقيقة والصديقة بالاستقرار والنمو والتوسع في مختلف مجالاتها التي يحقق التعاون الثنائي فيها المصالح المتبادلة لخير الشعبين الصديقين,, وقد اكتسبت هذه العلاقة مع مرور الزمن التميز بالتفاهم بين قادة الدولتين حول جميع القضايا التي تطرح للبحث خلال اللقاءات المباشرة التي تتم في الرياض او في باريس,, ولم تنقطع الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين حيث تتعزز الصداقة، ويتعمق التعاون الى آفاق افسح وافسح,, وبمناسبة زيارة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لمجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الرسمية لفرنسا تستعرض الجزيرة سيرة العلاقات الثنائية منذ بداياتها الاولى وحتى ما وصلت اليه من تقدم وقوة.
فرنسا,, كانت الأولى
عندما نودي بالفاتح المظفر، والبطل المؤسس لهذا الكيان المتين عبدالعزيز آل سعود عليه رحمة الله ملكاً على الحجاز ونجد ومحلقاتهما عام 1927م كانت فرنسا هي الدولة الاولى التي اعترفت بهذا اللقب، وكان اعترافها اول لبنة متينة في صرح العلاقات السعودية/ الفرنسية التي انبثقت منها صداقة وثيقة بين قادة البلدين ساعدت على الدوام في تقارب وجهات النظر حول افضل السبل لتنمية العلاقات الثنائية وتنمية المصالح المتبادلة لخير الشعبين الصديقين والتعاون في المحافل الاقليمية والدولية بما يعود بالنفع على عمل العلاقات بين دول العالم، ومصالح تكريس الامن والسلام الدوليين.
لقاء الفيصل وديجول عام 1967م
وفي عام 1967م التقى لاول مرة جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله مع الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديجول، واسفر اللقاء عن تدشين الروابط السياسية بين القيادتين حيث لعبت المملكة العربية السعودية في اطار هذه العلاقة دوراً اساسياً ومؤثراً في رسم السياسة الفرنسية تجاه منطقة الشرق الاوسط وهي سياسة عرفت من الناحيتين التاريخية والقانونية بمناصرة الحقوق العربية عموماً والحقوق الفلسطينية خصوصاً.
تأييد مشروع فاس للسلام
وفي اطار هذه المناصرة فقد كانت فرنسا من اوائل الدول الاوروبية التي ايدت مشروع فاس الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -حفظه الله- عام 1982م على الشق الأخير من القمة العربية واقرته هذه القمة لمشروع عربي موحد للسلام في الشرق الاوسط.
وفي عام 1988م، ايد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران قيام دولة فلسطينية مستقلة وقال: ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يطرح اي مشكلة مبدئية، وان فرنسا تعترف بحق الشعب الفلسطيني في العيش على ارض ضمن دولة مستقلة .
أسس وقيم العلاقات الثنائية
وتقوم العلاقات السعودية الفرنسية على اسس الشرعية الدولية التي يمثلها تباحث الامم المتحدة واحكام القانون الدولي، فهي علاقات تتقاسم نفس قيم العدل والحرية والحقوق المشروعة لكل شعوب الارض في السيادة والتنمية والرخاء,
ولهذا فإن ما تقدمه الدولتان لمساعدة شعوب الدول النامية يمثل عطاءً مؤثراً حقق ومازال يحقق افضل معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الكثير من الدول النامية في العالم الثالث, ففي الجانب الفرنسي ألغت فرنسا ديون 35 بلداً نامياً بقيمة زادت على ستة مليارات دولار امريكي حوالي 48 مليون فرنك .
التعاون على المستوى الثنائي
وعلى المستوى الثنائي عملت قيادتا الدولتين على توسيع آفاق التعاون الاقتصادي فيهما وقد شمل بجانب المجالات السياسية والدبلوماسية الجوانب الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية والتكنولوجية مثل استخدام مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لصور الارض التي تبثها الاقمار الاصطناعية الفرنسية.
وشملت العلاقات في هذا المجال الثقافي والعلمي والتقني تعزيز التعاون الثنائي على مستوى جامعات البلدين من اجل تنمية وتأهيل القوى البشرية السعودية لقبول تحديات السعودة، وتم توقيع معاهدات دقيقة في ميدان الاقمار الصناعية تطبيقاً للبحث الفضائي المتعلق بالبحث عن مصادر المياه ودراسة المحيط الفضائي فضلاً عن دعم تعليم اللغة الفرنسية.
في مجال المبادلات التجارية
وفي اطار التعاون الاقتصادي تستمر العلاقات الثنائية بمستوى ممتاز من التفاهم والرغبة المتبادلة للتوسع فيها، وتدل الاحصاءات الخاصة للصادرات السعودية عام 1998م على ان فرنسا تأتي في المرتبة الخامسة بين موردي المملكة بحصة في السوق تقدر بنسبة 5,3% وهي نسبة يمكن مقارنتها بحصة فرنسا من السوق العالمية عام 1998م والتي بلغت 5,4% .
المملكة أحد أهم شركاء فرنسا
هذا وخلال الشهور السبعة الاولى من هذا العام 1999م بلغت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين 10,4 مليارات فرنك فرنسي,ان المملكة تمثل احد أهم الشركاء التجاريين الرئيسيين لفرنسا في الشرق الاوسط والادنى، وهي المورد الاول لفرنسا في المنطقة، وثاني زبون فيها.
وبالرغم من ضعف الاستثمارات الفرنسية في المملكة قامت شركة طومسون سي,اس, ان, الفرنسية في شهر مايو الماضي بتوقيع عقد لصناعة مناظير للرؤية الليلية بتقنية عالية جداً وذلك مع الشركة السعودية للتقنيات المتقدمة، وهذا العقد يأتي في اطار البرنامج السعودي/ الفرنسي للتوازن الاقتصادي , ومثل هذا العقد الاقتصادي/ التقني يعكس حقيقتين في آن واحد.
الحقيقة الاولى: حقيقة ان فرنسا كدولة صديقة تصبو الى المحافظة على وجودها الاقتصادي مع تدعيمه خلال الاعوام القادمة بما يرتقي به الى مستوى العلاقة بين قيادتي وشعبي البلدين، ومستوى التفاهم الاستراتيجي حول مجمل القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك بينهما, والمؤمل في اطار هذا الطموح الفرنسي لتوسيع التعاون الاقتصادي ان تسهم فرنسا في مجالات سعودية واسعة مثل مجال انتاج المياه، وادارة الطرق السريعة والمطارات، والنقل بالسكك الحديدية ومعالجة النفايات وتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر والاتصالات الحديثة, وفضلاً عن ذلك استجابة شركتي توتال فنيا والف الفرنسيتين للدعوة التي وجهها سمو ولي العهد الامين للشركات العالمية للاستثمار في المملكة,, وقد اقترحت الشركتان المشار اليهما خططاً استثمارية في مجالات انتاج البترول والغاز، وخططاً اخرى لتقييم مصادر هذه الثروات ومجالات الاعمال في المملكة.
الحقيقة الثانية: هي ان اقبال المملكة على استجلاب وتوطين التقنيات الفرنسية العالية الجودة يعني ان المملكة تخطط منذ وقت طويل لبرامج وطنية طموحة لاحداث نقلة واسعة من واقع حياة مواطنيها بما يسهم بقوة في دفع مسيرة التطور والتقدم والازدهار الحضاري بما يؤهلها حكومة وشعباً لقبول تحديات الحياة في القرن الحادي والعشرين.
وانطلاقاً من هذا الطموح استجابت المملكة للمبادرة التي اتخذتها الغرفة التجارية الفرنسية العربية بتنظيم ندوة في باريس بتاريخ 19/ اكتوبر الماضي حول فرص الاستثمار في المملكة وقد رأس الندوة الجانب السعودي الذي قاده وزير الصناعة والكهرباء الدكتور هاشم يماني.
المعروف ان للمملكة تعاوناً اقتصادياً وتجارياً وتكنولوجياً مع جميع دول العالم لاقت تقدماً في هذه المجالات، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة بريطانيا وروسيا والصين الشعبية والمانيا الاتحادية، وغيرها من الدول الاوروبية والآسيوية والافريقية مثل جمهورية جنوب افريقيا، وتهدف المملكة من هذا التعاون لتوطيد التقنيات العليا في بلادنا وتدريب كوادرنا الوطنية عليها، حيث تتواصل عمليات السعودة في مختلف مواقع الاعمال التي تحتاج الى خبرات محلية وتقنية.
مجالات التعاون الثنائي الأخرى
وبهذه المناسبة فإن التعاون السعودي الفرنسي يشمل مجالات حيوية في ضوء أربع اولويات:
1 تعزيز التعاون العلمي والجامعي خاصة في ميدان البيئة والفضاء.
2 تنمية المساعدة الفرنسية في ميدان التأهيل المهني لتحقيق اهداف السعودة.
3 تنمية التعاون الطبي.
4 إحياء التعاون الاذاعي والتلفزيوني بهدف تحقيق تواجد فرنسي افضل في التلفزيون السعودي لدعم ونشر اللغة الفرنسية باعتبارها احدى اللغات العالمية.
العلاقات العسكرية والدفاع
وهناك بالطبع تعاون ثنائي في مجال العلاقات العسكرية والدفاع اذ تتطور هذه العلاقات بتناغم محسوس وتغطي جميع المجالات العسكرية خاصة على مستوى الحوار الاستراتيجي حول الامن الاقليمي والامن العالمي، وهو حوار يعتمد اولوية الدروس والدورات وزيارة خبراء التدريب الميداني وشؤون التسلح، وتوجد هيئة عليا عسكرية سعودية فرنسية وقد انعقدت في الرياض في يومي 17 و 18/ يونيو الماضي ووضعت قائمة كاملة بنشاطاتها وبرامجها المستقبلية.
علاقات ثنائية مستقرة ومتميزة
وبمناسبة زيارة سمو النائب الثاني لفرنسا قال السفير الفرنسي بالرياض: ان المملكة وفرنسا تتقاسمان نفس وجهات النظر والتحليلات والمواقف بالنسبة للعلاقات الدولية، وان الحوار لم ينقطع بينهما ابداً .
واضاف: ان فرنسا تتمتع بتضامن تام مع المملكة مثلما تتضامن مع شركائها في المجموعة الاوروبية فيما يتعلق بمواقفها في قضية الشرق الاوسط، مؤكداً -السفير- على تأييد بلاده للحقوق الفلسطينية، بما فيها حقهم في تقرير مصيرهم وفي ان تكون لهم دولة.
مباحثات سمو النائب الثاني
ويعني هذا التصريح -بالضرورة- ان مباحثات سمو النائب الثاني مع قادة فرنسا لن تقتصر على العلاقات الثنائية بين البلدين وانما ستتناول بصفة مؤكدة قضية النزاع العربي الاسرائيلي في الشرق الاوسط، وحقوق الشعب الفلسطيني ومسألة اخلاء المنطقة من اسلحة الدمار الشامل التي تعتقد على نطاق واسع انها لا توجد سوى في اسرائيل وحدها.
كما ستتناول المباحثات رؤية مستقبلية بالنظام العالمي الجديد الذي لم تكتمل صياغة مبادئه ومنهجه بعد، ويعني هذا ان المملكة لا تريد ان يظل العرب مجرد متفرجين على اولئك الذين يتولون صياغة النظام العالمي الجديد وانما تريد المملكة والعرب ان يكونوا قوة مشاركة في صياغة ما يحفظ للامة العربية والاسلامية حقوقها في التمسك بعقيدتها الدينية، ومنهجها الاسلامي لفهم معنى الحياة الانسانية وحقوق الانسان فيها بعيداً عن فرض ما قد يتناقض مع تعاليم الاسلام، وتقاليد العرب وحريتهم في اختيار ما يريدون لانفسهم لا ما يريده الآخرون لهم.
|