Monday 8th November, 1999 G No. 9902جريدة الجزيرة الأثنين 30 ,رجب 1420 العدد 9902


السياسة الخارجية السعودية: تحركات متواصلة في ضوء استراتيجية ثابتة
المملكة طرف فاعل في صياغة النظام الدولي الجديد
جولة الأمير عبدالله في المغرب العربي وزيارة برويز وزيمين ثم جولة الأمير سلطان تحركات سياسية ناجحة تؤكد توازن وفاعلية السياسة الخارجية للمملكة
بقلم: د, محمد شومان

يتابع المراقبون باهتمام بالغ التحركات النشطة للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية والتي تسير على عدة مستويات عربية واقليمية ودولية ويلفت النظر هنا القدرة الفريدة على احداث توازن وترابط بين هذه المستويات لما فيه مصلحة العرب والمسلمين.
فعلى المستوى العربي جاءت جولة صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز الى المغرب وتونس والجزائر لتؤكد التزام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على علاقات قوية ومتميزة مع شقيقاتها من الدول العربية في الوقت نفسه عكست الزيارة حرص المملكة على تنقية الاجواء بين دول المغرب العربي وذلك في اطار التوجه الثابت لسياسة المملكة الخارجية نحو تحقيق المصالحة العربية كخطوة ضرورية لتفعيل ودعم التضامن العربي من جهة اخرى حرصت المملكة على تشجيع ودعم علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي بين الرياض ودول المغرب العربي لما في تنمية هذه العلاقات من اثر ملموس على العمل نحو التكامل الاقتصادي العربي.
ومن الدائرة العربية انتقلت السياسة الخارجية لمتابعة استراتيجياتها الثابتة اقليميا ودوليا حيث استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الفريق اول برويز مشرف الرئيس التنفيذي لجمهورية باكستان الاسلامية حيث تم خلال الاستقبال بحث العلاقات الثنائية بين المملكة وباكستان وسبل دعمها وتعزيزها وقد استرعت الزيارة انظار المراقبين وعلقت كثير من الصحف العربية والعالمية على معاني ودلالات الزيارة حيث اشارت الى ان زيارة برويز مشرف الى المملكة هي اول زيارة له خارج باكستان منذ توليه زمام الامور في باكستان الامر الذي يعكس امرين الاول: اعترافه كرئيس لأول دولة اسلامية نووية بمكانة المملكة عربيا واقليميا واسلاميا ودورها الرائد في تحقيق التضامن الاسلامي والدفاع عن مصالح المسلمين في العالم.
الثاني: حرص برويز مشرف على اطلاع قادة المملكة على تطور الاوضاع في باكستان وانعكاساتها على الامن والاستقرار في جنوب اسيا فالمملكة باعتبارها احد اهم القوى الاقليمية الفاعلة مهتمة بتطور الاوضاع في كل دول العالم الاسلامي خصوصا باكستان لما تتمتع به من ثقل اقتصادي واستراتيجي.
وفي اطار الدائرة الاسلامية واصلت الدبلوماسية السعودية مساعيها من اجل حقن الدماء في الشيشان والتوصل الى حل سلمي وقد عبر البيان الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين عن موقف المملكة من احداث الشيشان اذ اشار الى قلق المملكة لما يحدث في الشيشان من تعرض الابرياء من الشعب الشيشاني نساءً واطفالا وشيوخا للاصابات المقعدة والتشريد من جراء الاحداث الجارية هناك ولاشك ان هذا الموقف يؤكد التزام المملكة بالدفاع عن شعوب العالم الاسلامي بكافة الوسائل الممكنة والتي تسمح بها الظروف والمتغيرات الدولية في هذا الاطار كانت دعوة المملكة للتوصل الى حل سلمي ينهي مأساة شعب الشيشان ويحقق الامن والاستقرار.
تحركات دولية
ومن الدائرة الاسلامية تواصلت التحركات والجهود النشطة للمملكة دوليا فقد تزامنت زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين للرياض مع بداية جولة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام لكل من الولايات المتحدة ثم فرنسا ومثل هذا التزامن يكشف عن توازن التوجهات الاستراتيجية في السياسة الخارجية للمملكة وحرصها الثابت على الحفاظ على علاقات طيبة ومتوازنة مع عواصم الدول الكبرى ذات التأثير في النظام الدولي واذا تأملنا هذا التوازن الاستراتيجي من منظور الجغرافيا السياسية نجد ان المملكة تستقبل رئيس اكبر دولة اسيوية في الشرق او العملاق الصيني الذي يندفع بقوة نحو قيادة العالم في الالفية الثالثة في الوقت ذاته تتابع المملكة من خلال محادثات صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز مسيرة علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة الامريكية التي تمثل اكبر دولة غربية والقطب المسيطر على النظام الدولي ولا تكتفي الدبلوماسية السعودية بذلك بل ان جولة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز تشمل فرنسا احد اكبر دول اوروبا والقطب البارز في مسيرة الوحدة الاوروبية.
اذن تحركات المملكة دوليا تشير بوضوح الى حرصها على التعامل مع ثلاثة قوى بازغة في النظام الدولي وذلك في محاولة منها لدخول كطرف فاعل في عملية تشكيل النظام الدولي الجديد طرف لا يعبر عن مصالحه الخاصة فقط بل يحرص كل الحرص على التعبير عن مصالح الامة العربية والاسلامية من هذا المنطلق نلاحظ ما يلي:
1/ حرص الرئيس الصيني جيانغ زيمين على ان تكون المملكة العربية السعودية احدى محطات جولته الخارجية مما يؤكد تقدير الصين لاهمية مكانة ودور المملكة عربيا واسلاميا علاوة على اهمية تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وكان اجمالي التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 1997 68,1 مليار دولار.
2/ ان محادثات الرئيس الصيني جيانغ زيمين مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني قد عكست حرص البلدين على تنمية العلاقات بينهما والارتقاء بها الى مستوى التعاون الاستراتيجي في المجالات السياسية والاقتصادية في الوقت نفسه اكدت المملكة والصين على ضرورة مواصلة عملية سلام وفق قرارات مجلس الامن ومرجعية مدريد وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على اراضيه واهمية قضية القدس.
واشتمل البيان الصحفي المشترك الصادر في ختام زيارة الرئيس زيمين على مجموعة من القضايا التي تتعلق بالعراق وبمستقبل الاوضاع في جنوب اسيا ورفض الارهاب واوضاع ومستقبل الامم المتحدة.
ولعل الدلالة الاهم هي ان البيان المشترك عن الزيارة قد تعرض لقضايا عربية واسلامية اكثر من تعرضه للعلاقات الثنائية بين البلدين التي تتسم بالاستقرار والنمو المتواصل الامر الذي يعني في التحليل الاخير ان المملكة تحرص على توظيف مكانتها الدولية وعلاقتها المتميزة بالصين لخدمة القضايا العربية والاسلامية واذا كانت الصين احد القوى الدولية المرشحة للعب دور اكبر في قيادة النظام الدولي في الالفية الثالثة فان المملكة العربية السعودية تعي ذلك وتعمل من اجل تطوير المواقف الايجابية للصين نحو القضايا العربية والاسلامية.
3/ تمسك صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز في محادثاته مع المسؤولين الامريكيين بثوابت الموقف السعودي تجاه القضايا العربية والسعودية فقد اكد سموه في غير مناسبة على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف كما اكد ان استحقاق السلام الدائم في الشرق الاوسط لن يتأتى الا باستئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني من حيث توقف ونوه صاحب السمو الملكي الامير سلطان على سماحة الدين الاسلامي وتعاليمه السامية التي تحرم قتل الانفس وترويع الامنين ودعا وسائل الاعلام الى عدم الصاق اي عمل من هذا القبيل بالدين الاسلامي.
وجاء البيان المشترك في ختام زيارة الامير سلطان الى الولايات المتحدة ليؤكد على التعاون بين قرارات مجلس الامن الدولي رقم 242 و 338 ومبدأ الارض مقابل السلام ونتائج مؤتمر مدريد كما اتفق الجانبان على اهمية التزام العراق بقرارات مجلس الامن واعربا عن قلقهما من تصرفات الحكومة العراقية التي لا تزال تتسبب في معاناة الشعب العراقي.
هكذا جاءت محادثات وتحركات المملكة على الصعيد الدولي لتؤكد مواقفها الثابتة واستراتيجيتها الواضحة في مجالات السياسة الخارجية تلك الاستراتيجية التي تعكس وعيا عميقا باهمية وعمق التحولات في النظام الدولي واتجاهه المتسارع نحو التعددية القطبية وبالتالي ضرورة التعامل مع هذه التحولات بما يدعم من مكانة ومصالح شعب المملكة والشعوب العربية والاسلامية ويحافظ في الوقت نفسه على صوت ومكانة الدول النامية.
ونظرة سريعة على استراتيجية السياسة الخارجية السعودية وادائها في الساحة الدولية تتضح لنا مدى تكاملها مع استراتيجية السياسة الخارجية السعودية في الساحتين العربية والاسلامية اذ ان التكامل والتوازن هو اكثر ما يميز السياسة الخارجية السعودية علاوة على التغير الهادىء والمتزن والاتساق بين القول والفعل وتغليب الثوابت والغايات البعيدة عن المصالح الجزئية.
واخيرا فان تعدد وتنوع مسارات السياسة الخارجية السعودية وتكاملها يقدم نموذجا للدول النامية في كيفية التعامل مع متغيرات النظام الدولي وتحولاته المتسارعة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved