تطرح التطورات المتلاحقة المتعلقة بصناعة الكمبيوتر تحديات واقعية ومقبولة على العقل البشري ومدى قدراته على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها ومعالجتها, فالكمبيوتر كما نعرف يستطيع ان يحفظ الشعر الجاهلي كله في ثوان بينما يحتاج العقل البشري سنوات لإنجاز ذلك.
هل هذا يعني ان العقل البشري اقل كفاءة من الكمبيوتر؟ الجواب على هذا السؤال يتطلب اعادة النظر في فهمنا لطبيعة الذاكرة الانسانية وطبيعة القصور الذي تعاني منه في مقابل تلك الامتيازات التي ننسبها للكمبيوتر.
هل الذاكرة الانسانية مادة ام نظام؟.
من الواضح ان هذا السؤال غامض فقد اعتدنا منطقياً أن نقارن بين شيئين متقابلين او متناقضين كأن نسأل هل الماء حار أم بارد, هل الرياض كبيرة أم صغيرة, هل الرجل طويل أم قصير؟.
لكي نفهم السؤال وطبيعته لا بد ان نقرأ التقرير الذي نشر على الانترنت لنطلع على الأبحاث العلمية التي تتصل بالذاكرة.
في عام 1960م نشر جيمس ماكونيل من جامعة متشغن بحثاً بعنوان )memory transfer through cannibalism in planaria( اشار فيه انه عمل على تدريب مجموعة من الديدان للاستجابة للضوء بشكل غير غريزي وبعد ذلك قتلها ثم قطعها ثم اطعمها لمجموعة اخرى من الديدان غير مدربة, وبعد ان اكلتها اصبحت الديدان غير المدربة تتصرف مثل الديدان المدربة فمن الواضح انها اكتسبت ذاكرة تلك الديدان المدربة, وبعد تجربة ماكونيل بثلاث سنوات نشر اربعة باحثين من كاليفورنيا بحثاً في دورية )Journal Science( اشاروا فيه انه عند حقن RNA منتزع من دماغ جرذ مدرب في احشاء جرذ غير مدرب يظهر الجرذ غير المدرب نفس المهارات التي اكتسبها الجرذ المدرب, هذه التجربة تثبت ان هناك مادة محددة لذاكرة فردية انطوت في بروتين RNA بنفس الطريقة التي تتواجد فيها المعلومات الجينية في DNA كما تدل على ان هذه الذكريات يمكن نقلها من دماغ الى آخر.
وفي تجربة اكثر اثارة نفذها جورج أنقر من جامعة بيلور تم نقل خلايا من أدمغة جرذان مدربة على الخوف من الظلام الى فئران غير مدربة (مع العلم انه لا الفئران ولا الجرذان تخاف من الظلام) يتبين من هذه التجربة ان الفئران اكتسبت عادة الخوف من الظلام.
هذه التجارب تشي بأن هناك تطوراً كبيراً في فهمنا لطبيعة الدماغ, اذا الذاكرة هي جزيئات مادية معلوماتية يمكن ان تصنع في دماغ ثم تنقل الى دماغ آخر بل الى جنس آخر من الحيوانات كما لاحظنا في تجربة الفأر والجرذ.
طالما تم نقل الخوف وهو ذاكرة عاطفية وتم نقل المعلومة وهي ذاكرة مادية هذا يعني انه يمكن نقل المعلومات والعواطف من شخص الى آخر فاذا كانت الناس قلقة من ما يعرف بهندسة الجينات التي تقوم على تعديل الخصائص المورثة ترى ما الذي سيحدث عند طرح مثل هذه الهندسة الخطيرة على الذاكرة, فاذا كان العلماء استطاعوا نقل عاطفة الخوف فمن الطبيعي ان يتم نقل الحب والكره وتغيير طبيعة الناس واعادة برمجة الدماغ البشري كما نقرأ في روايات الخيال العلمي مثل رواية (بائعو الحلم) )The Sellers of the Dream( للكاتب )John Jakes( عندما يغير الناس طبيعتهم الشخصية للتماشي مع الموضة، او كما جاء في رواية إيساك اسيموف )Profession( التي يصار فيها الى برمجة الناس منذ الطفولة.
هذه الابحاث تنذر بأن الذاكرة سوف تباع في يوم من الأيام بشكل معلب وربما شاهدنا ذلك اليوم الذي تباع فيه اللغة الأجنبية التي اكتسبها فلان من الناس، الى شخص آخر يحقنها في دماغه من دون كلافة سوى المال والأبعد والأخطر في الموضوع ان تنتج المعلومات مثل دواوين الشعر والافلام والكتب المدرسية واللغات والعواطف الخ في المختبر دون حضانة في دماغ ثم تعبأ في قوارير وتباع في الصيدليات او المكتبات حسب الترخيص ولكني لا استطيع التنبؤ بجهة الرقابة على هذه المصنفات البروتينية هل هي وزارة الاعلام ام وزارة الصحة ام فارس الرقابة الجديد مدينة الملك عبد العزيز؟.
هل الذاكرة مادية أم نظام؟.
يبدو من هذه التجارب ان الذاكرة شيء مادي يتموضع في الدماغ ولكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك كما سنقرأ يوم الأربعاء القادم في يارا.
لمراسلة الكاتب:
Yara2222*Hotmail.com