الرئة الثالثة الوقاية من النار,, خير من إطفائها!! عبدالرحمن بن محمد السدحان |
شرفني معالي الصديق الفريق محمد السحيلي، مدير عام الدفاع المدني بالدعوة للمشاركة بكلمة ملائمة بمناسبة انعقاد المؤتمر العام للدفاع المدني في منتصف رجب من هذا العام بمنطقة الحدود الشمالية تحت شعار الدفاع المدني من التأسيس إلى الترسيخ .
***
ولقد سعدت بالدعوة الكريمة لسببين:
* أولهما: التعبير عن الإعجاب بفكرة استقطاب بعض الأقلام والعقول للمشاركة في هذه التظاهرة الحضارية والأمنية الهامة، أملاً في تعميم وتعميق الإحساس بأهمية وفاعلية هذا الملتقى بمدخلاته ومخرجاته من الحقائق والنتائج والآراء، كي يكون الناس,, من كلّ الأعمار والفئات أكثر فهماً وتفهماً لمهمة الدفاع المدني,, وأثرى تقديراً وتعاوناً مع هذا الجهاز: فلسفةً وآليةً وأداءً.
***
* وثانيهما: الرغبة في طرح فكرة تؤرقني كثيراً,, كلّما طرأ ذكر الدفاع المدني,, مسموعاً أو مقروءاً، وهي أن هذا الجهاز لم ينشأ عبثاً,, ولا يمكن أن يمارس مهمته في فراغ,, بعيداً عن اهتمام الناس المعنيين به، وتعاونهم معه، وبدون هذا وذاك,, سيكون أداء هذا الجهاز أمراً عسيراً,, إن لم يكن ضرباً من المستحيل، ومن هنا، يبرز الدور الهام للمواطن في تكوين وتنمية وخدمة الحس الوقائي القويم لردع حوادث الحريق فلا تقع، أو تخفيف آثارها، متى حلّت، مادياً ونفسياً وإنسانياً!
وبالأمس القريب، رُزىء أهلنا الكرام في بلدة القديح قرب القطيف بحريق هائل لم يبق ولم يذر أحداً ممن دعُي للزفاف الحزين إلا اهلكه أو شوّهه,, أو يتّمه أو اثكله، كان السبب المباشر كما شاع وذاع اندلاع النار فجأة في خيمة العرس لتهوي على من تحتها,, فتحرق مَنَ احرقته,, وتختلط أشلاء القتلى ودماء الجرحى بدموع القريبين والبعيدين,, وكان العزاء الكبير، بعد الله,, وقوف ولاة الأمر، أيّدهم الله مع كل مَن طالته شرارة السعير الذي لم يرحم امرأة ولا طفلاً، فشملهم الحنان السامي بالدعم المادي والأدبي والإنساني.
***
والآن,, وبعد أن خَفَتَ أنين الحزن، وخفت معاناته، يتساءل الكثيرون، وأنا معهم: لماذا كان ما كان؟!
ورداً على هذا السؤال، أقول: لا اعتراض بدءاً على قضاء الله وقدره، فلكلّ حي أجل,, ولكلّ أجل كتاب,, ولكن,, لا يمكن النظر الى هذا الحدث وأمثاله نظرة مفرغة من التأمل والتحليل والتعليل، فأصول وفروع السلامة من الحريق لم تكن متوفرةً في تلك الخيمة، وإلا,, لأمكن ردع الحريق، بانتفاء أسبابه، أو التغلب عليه وتخفيف أضراره وآثاره!
***
ومرةً أخرى: نتساءل:
كم من الأحداث المشابهة، كان في الإمكان تجنبها أو السيطرة على آثارها لو توفّرت الأسباب والوسائل الوقائية التالية:
أولاً: ممارسة الدقة وإحكام الرقابة من قبل الناس أولاً في تمديدات خدمات الكهرباء والغاز في المنازل والمدارس والمجمعات السكنية والمخابز والمطاعم والمقاهي والمتاجر وأماكن التجمع العامة كيلا يكون أي منهما سبباً في اندلاع حريق.
ثانياً: إيجاد وسائل اطفاء الحريق اليدوية، والتأكد من صلاحها، ويسر استخدامها والوصول إليها للاستفادة منها عند نشوء طارىء، مهما كان صغيراً، فمعظم النار من مستصغر الشرر!
ثالثاً: التأكد من وجود مخارج ومداخل تستخدمها عربات الاطفاء في المجمعات السكنية والتجارية الكبيرة والمتوسطة,, وقت الحاجة,, فلا تبقى الأنفس والأموال رهائن نار لا تبقي ولا تذر!
رابعاً: تعاون الناس مع وحدات الاطفاء ومع شركات الغاز والكهرباء بالابلاغ المبكر عن أي خلل في التركيب أو الأداء في أي من هذين المرفقين يمكن أن تتسلل عبره شرارة فجيعة تأتي على الأخضر واليابس!
خامساً: تكثيف الحملات التوعوية للناس، عبر وسائل الإعلام المتفرقة، وكذلك الزيارات التفقدية المفاجئة من لدن أجهزة الطوارىء في وحدات الدفاع المدني في قطاعي الكهرباء والغاز لتنمية الحس الوقائي لدى الناس,, والنساء والأطفال منهم خاصة ومساعدتهم في تجنب ويلات الحريق قبل أن يحدث، واكتشاف الأسباب، الظاهرة والباطنة، التي يمكن أن يكون أحدها سبباً في اندلاع الحريق في هذا المرفق أو ذاك.
***
وأختم هذا الحديث الموجز بالتأكيد على أمرين هامين:
اولاً: الاهمية القصوى لتعاون الناس,, كل الناس مع أنفسهم ومع الغير وقائياً، لحماية أنفسهم من النار,, قبل أن يحل بهم وبمن يحبون وما يملكون ما يكرهون، فليست الحكمة أن نكون قادرين على مكافحة الحريق واخماده متى حلّت نازلته فحسب، ولكن القدرة على تحصين أنفسنا ومن يهمنا أمرهم وما نملك وقائياً ضد أسباب الحريق، كيلا يقع، وليس في ذلك تعارض مع إرادة الله، فاتخاذ السبب لدرء شر أو منع مكروه أمر مشروع، بل هو سمة من سمات المجتمع المؤمن الواعي، متذكرين دائماً، أن ما أصابنا من خير فمن الله، وما أصابنا من ضر، فمن أنفسنا!
***
ثانياً: ان مكافحة الحريق ليست مهمة أجهزة الاطفاء فحسب، وإن كانت تتحمل الجزء الأكبر من مسئولية التعامل معه متى وقع، لكنّ للناس دوراً وقائياً كبيراً وهاماً في هذا الصوب يمكن من خلاله تحقيق قدر من التحصين ضد كثير من حوادث الحريق المؤلمة، اما منعاً لها بدءاً، أو تخفيفاً لآثارها ونتائجها.
ومن هنا، يصعب في تقديري المتواضع، على المرء العاقل تعليق وزر الحريق كلما نشأ على شماعة أجهزة الاطفاء، وتبرئة ساحة الآخرين ,, فمثلما أن مكافحة الحريق مهمة مشتركة بين الناس وأجهزة الاطفاء، فإن التماس الردع المبكر له مهمة يتقاسمها الجميع، جماعات، وأفراداً!
والوقاية من النار خير من اطفائها!
|
|
|