لا أدري لماذا عندما نزور الأماكن القديمة نذكر أشياء لا تبدو مفرحة غالباً بل وربما تأسرنا حالة أشبه بالضيق والضجر,, بالتأكيد هذه المواقع التي تأخذنا خطانا إليها أحياناً أو قد يصادف لسبب أو آخر أن نتواجد بها، ليست دائماً موصولة بتداعيات الألم أو بذكرى الدموع، فالكائن الإنسان المحتمي في دواخلنا كجنين ضعيف لا حول له ولا قوة، تجتاحه بمجرد استعادة ذكريات الضعف امام لحظات الضحك واللقاء والفراق المؤقت أو الدائم، رغبة عارمة للتحرك وكأنما أصيب بحالة هيستيرية تحوّل معها من مخلوق ضعيف مستكين إلى بركان ثائر مضطرب يعلن احتجاجه الصامت جهة كل شيء يحاول استلاب الصورة التي استقبلها يوماً ما بين أحضانه!!، إذن هو هكذا يعاني حالة تشبه التملُّك تماماً كطفل لا يريد مفارقة لعبته بعدما أتقنها والتصقت أفكاره بها؟!، ولو نظرنا للمسألة بكيفية أكثر شمولية لوجدنا الدول في تعاملاتها اليومية مع بعضها البعض، تخرج الطفل المشاغب والباحث عن الحلوى واللعب؟!!، كلما اهتزت مصالحها أو تغيرت وسائل تسليمها واستلامها، ليمارس بعض العبث!!، وطبعاً لا يسأل طفل لا يدرك نتيجة أفعاله عما اقترفت يداه!! ودعونا ننظر معاً لالعولمة الاقتصادية والأحلاف واستراتيجية سيادة العملة الواحدة كالدولار مثلاً وكل شكل مركب يشبه لعبة ترتيب الصور المفككة والمبعثرة كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومجلس الأمن ، لندرك عندها أننا نلاحظ ألواناً زاهية وجميلة ولكن هيئتها تطابق محتوى الوجبة المدرسية المنقرضة لوزارة المعارف لا طعم ولا رائحة!! بالمناسبة: هل سمعتم بمفاوضات الحل النهائي ومبدأ الأرض مقابل السلام لأنكم لو فعلتم فلا بد أنكم أجريتم مقارنة ماكرة بينها وما يقوم به طفل بغداد المنشغل بدحرجة لعبة السلطة في بلاده كيفما يشاء وبالوسيلة التي توافق طموحاته وتنسف تطلعات الآخرين!!,, لُعب هنا وهناك وأطفال يمرحون، يلعبون، يتناطحون!!، أحدهم يقول للآخر: لا تأخذ كرتي أنا اشتريتها ويرد الثاني: صدق أنا كنت معه حين اشتراها وشاهدته يدفع كذا ثمناً لها! ويقفز الثالث ليقول: يا سلام,, اتفقتم عليه لأنه فقير مسكين لا يستطيع ملاسنتكم ولا ظهر له ولا رصيد, أعطوه الكرة وإلا!! ثم يأتي الحكم كالعادة وينهي الخلاف بقوله اسمعوا: الكرة لمن أمسك بها!! بينما نحن البالغين نتجه لألعاب أكثر ندّية وهدوءاً ومراوغة كالإمساك بأحجار الشطرنج!! أو القذف بكرة الكريكت ، وعموماً كلنا نلعب في النهاية إلا أن طريقة اللعب تختلف والأدوار نتبادلها فيما بيننا، لنتناوب ملحمة الحياة المسرحية مثلما وصفها يوسف وهبي والا فما قيمة المواقف والأحداث ومجريات الأمور أيّاً كانت ما لم يخالطها عبث طفولي يقفز فوق محددات الأشياء والخطوط الداكنة، ويذهب بنا بعيداً حيث لا ماء ولا سماء ولا أحياء!!، وتخيلوا لو استطاع طفل اختراق نظم الترسانة النووية العالمية وفجّر العالم!!، ليعيد دوران عقارب ساعة التاريخ إلى بدايتها الأولى، طبعاً يلزمنا التأكد حينها بوجود طفلة مع الطفل لأن العالم سيفنى بكبسة زر او بإصدار أمر كمبيوتري بسيط ينحشر بين العبارتين )yes( و)No( ولا بد لحفظ النوع من توفير بيئة صحية تضمن نمواً طبيعياً لآخر زوج إنساني سيحيي أمجاد العبث ويسترد تاريخها المرصع بالدم والدموع وهي المقتولة غدراً في فورة شبابها وعند اكتمال نموها وتأجج مفاتنها!!، ولعل ما يقهر النفس ويمنعها التمتع ببعض هذا هو حالة المثالية والأحاسيس المفرطة متى هام بها بشر يظنون أنفسهم على صواب وسواهم على خطأ!! متغافلين بأنهم يجسدون بما يعتقدون صورة للإنسان البدائي، ويا ليت الزمن يعود بنا لحنبعل ومدينته العاشقة قرطاجة لندرك ما يفعله التفاني بالمتفانين، أو لنستدعي نهاية هتلر وستالين الجافة!! لنعرف بأن كيليوبترا لم تحب، وليلى لم تتزوج وجولييت ماتت مقهورة!! وكلهم سلكوا الطرقات نفسها! وتنفسوا الهواء الذي نتنفس، وتعلموا كيف يتحملون المحن ويؤسسون علاقات اجتماعية ناجحة، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً! لأنهم حاولوا مجاراة العاطفة، حاولوا التمرد على قيد الزمان والمكان والأشخاص، وليس الرجال بأحسن حالاً مهما يكن، ولو قست قلوبهم أو تظاهروا بالصلابة والقوة والجمود,, وتلك دعوة حقيقية للقبول بالواقع دون تعديل أو رتوش أو إضافات، والابتعاد بالنفس عمّا يعكر صفوها كالأحلام والأماني والخيالات الرومانسية؟!!.
Baderalsaud*hotmail.com