لما هو أتٍ الدارسون في الشوارع د,خيرية إبراهيم السقاف |
لثلاثة أيام، وعند الإشارة المرورية ذاتها في أحد شوارع الرياض الفارهة، وعند تقاطعه مع آخره أحصيت أربعة عشر اسما لأطفال ذكور تتراوح أعمارهم بين الثامنة والتاسعة والثانية عشرة، يمتهنون بيع المناديل وكماليات العربات، تعمدت أن أكون في الساعة ذاتها، في الإشارة ذاتها في تقاطع الشارع ذاته, أحمد، عبدالرحمن، سعد، عبدالعزيز، ماجد، محمد، بدر كلها أسماء لمجموعة منهم لم يتكرر خلال ثلاثة أيام منها إلا ثلاثة,, وبالسؤال عنهم قيل لي: ذهبوا لشوارع أخرى.
فإذا كان هذا العدد في الساعة الثامنة والنصف صباحاً خارج أسوار المدارس وهم حسب أقوالهم لا يذهبون للمدارس، وهم حسب تبريرهم بحاجة للعمل، وهم حسب أعمارهم غير مؤهلين للعمل، وهم حسب ما أرى هدر إنساني مقلق فأين الآباء عنهم، وأين الأمهات؟,, هل حقاً هم موجَّهون للبيع من قبلهم؟ وهل بيع المناديل وسواها يمكن أن يكون دخلا مستقرا لأسر بعضها حسب سماح الوقت لي بالسؤال وتلقي الإجابة تتراوح أعداد أفرادها بين العشرة والثمانية.
وإذا كان هذا العدد في شارعين عند تقاطع إشارة واحدة، فكم عدد كل الذين يتسيبون في الشوارع؟!,,.
هي ظاهرة ليست عادية، وغير مقبولة، وتحتاج إلى تحرك سريع من قبل الجهات المختصة، لأن فاقد التعليم بالتسرب، وبرفض الدراسة، وبجهل بعض الأولياء، وبفراغ بعضهم من الإحساس بالمسؤولية، يدعو إلى إعادة النظر في الإحصاءات التي تشكل مجموع عدد الأفراد في المجتمع السعودي المؤهلين للتعليم، وللذين هم في مؤسسات التعليم يتلقون العلم,,,، وتتم المقارنة بين النسبة المئوية لهذه الفئة، ثم للذين هم خارج المؤسسات التعليمية (الذين لم يلتحقوا بها على الإطلاق)، مثل هؤلاء الذين أجابوا عن سؤالي: هل سبق لكم دخول المدرسة، فنفوا ذلك، مما يدعو إلى إعادة النظر في نسب الإحصاء السكاني التي تنص على أن الفئة العمرية لمن هم في مثل فئة هؤلاء مأواهم في مثل هذه الساعة المدرسة، وليس الشارع.
فإذا كانت سياسة التعليم تضع ضمن أول اهتماماتها وبنودها القضاء على الأمية، فكيف يكون محمد، وسعد، وعبدالرحمن، وعبد العزيز، وبدر، وأحمد وزملاؤهم، في الشوارع يلهثون في الشمس وراء حفنة من الريالات؟.
من جهة أخرى فإن بعضهم نظيف منتعل، وآخرون ثيابهم رثة وحفاة، وبعضهم هزيل يكسوه الشحوب، وبعضهم تبدو عليه آثار من النعمة.
السؤال: كيف تفشَّت هذه الظاهرة؟
في الأوقات المتفاوتة نشاهد نساءً يحملن أطفالا رضعا يستدررن الشفقة، حتى إذا ما تذكرت الآية وأما السائل فلا تنهر ، وعزمت على أن تقدم شيئا يرضي ضميرك أمام الله، قطعت عليك الإشارة عزمك، وكأنها العصا التي تنزل على يدك تنهرك وتقصيك، إذ تعود فتتذكر أن فعلا مثل هذا يدخل في باب الرضا عن هذه الظاهرة، ومباركتها، إذ كيف ترفضها قولا ولا ترفضها فعلاً ,,,، ذلك لأن نهر السائل لا يدخل في هذا الباب.
فمن أين بدأت هذه الظاهرة وما أسبابها؟
هل هي تقليد؟ أم توريد؟
أم هي توليد لإفرازات اجتماعية منها: شح الدخل المادي، مع كثرة عدد أفراد الأسرة، مع تضخم أسعار المواد المستهكلة، أم تفشي المرض والحاجة إلى العلاج أم لسوء تدبر لدخل الفرد مع حاجاته الأساس أم للجهل؟,, أما الأخيرة فلن تُقبل في ضوء معايير أخلاقيات المجتمع التي تؤكد أن العربي الجاهل في العلم ليس جاهلا في السلوك، فهو مدرسة للعفة، والاحتمال، والستر، والمسايرة، والرضا، والقناعة، والإيمان و,,, كل ذلك.
مما يدفع إلى التنبؤ بأن هناك سلوكات جديدة، ذات أنماط جديدة بدأت تتفشى في مجتمعنا,,,، وتأخذ بمقود القيم الجميلة، والأخلاق العليا إلى خارج إطار الحظيرة.
إن الدارسين الذين يُفترض أن يكونوا، ويكون موقع وجودهم في المدارس في الصباح، الذين يتسكعون في الشوارع بهدف البيع، أو التسلية، أو بدون هدف يتسيبون,,، يمثلون ظاهرة خطيرة، لسلوكات قد تصل في النهاية إلى ظاهرة أخلاقية، ومرضية متأخرة يصعب علاجها، ويصعب التراجع عنها مما يؤثر في البُنى الاجتماعية، والصحية، والدينية، والنفسية، وسواها,,.
وإن هذه الظاهرة تعيدني إلى عدم الثقة في مصداقية النسب المتعلقة بالسكان، وفئاتهم من جهة، وفي نسب المتعلمين، وفي نسبة محو الأمية,, و,,، كل هذه مؤشرات إلى أن المجتمع يحتاج إلى إعادة نظر في كثير من أموره,,.
إن التربويين لابد أن ينزلوا إلى الشوارع، وإن المختصين الاجتماعيين لابد أن يفعلوا ذلك أيضا,,، وإن الاقتصاديين أيضا لابد أن يعيدوا النظر في أمور التجارة، ومستهلكات الحياة اليومية، وموارد الدخل والتصدير، والتصنيع كي توضع ضوابط تحمي الفرد من مغبات الحاجة,,، دون أن تنصرف مصالح الفئات الصغيرة في طيات سواتر الفئات الأكبر، كي نتجنب كثيراً من مثل هذه الظواهر السالبة.
|
|
|