الغربال أ,د, عبدالله بن محمد أبوداهش |
وقفت سفانة بنت حاتم أمام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا محمد إن رأيت ان تخلي عنا، ولا تشمت بنا أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه صفات المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق (1) .
قلت بمثل هذا السؤال استمع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة التي تذكرت منهج أبيها مقتنعة بمعانيه، إذ علمت عندئذ برحمة الاسلام وقيمه، لم تجد مخلصا تفك به أسرها سوى تلك المكارم فبسطتها لخيرة الخلق، وسيد الأنبياء النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم حتى اذا استمع لمعاني الكرم والجود والشجاعة والنبل خلّى سبيلها، واطلق سراحها، انها صورة من صور الحياة الاسلامية في مجتمع المدينة المنورة في لحظة من لحظات أيام طيبة الطيبة، وهي تغص يومئذ بحياة مليئة بالعمل والعطاء الانساني المستمر، تستوقف هذه المرأة سيد الخلق أجمعين فتقص عليه أمرها، وهو مصغ لشكواها حتى اذا استوعب شكاتها، أحسن اليها، ولم يفت بها هذا المعروف بل عادت لقومها لتقول لأخيها- وكانت امرأة حازمة:أرى والله ان تلحق به سريعا (2) ، وقد فعل أخوها عدي بن حاتم الذي يقول: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه، وهو في مسجده، فسلمت عليه، فقال من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بي الى بيته، فوالله انه لعامد بي اليه، اذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته، فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها، قال: قلت في نفسي والله ما هذا بملك,, قال: وعرفت أنه نبي مرسل,, فأسلمت (3) ، إنها ومضات مشرقة من حياة المجتمع الاسلامي في المدينة وحسب.
(1) سعد العفنان، حاتم الطائي 124.
(2) ابن هشام السيرة 4/227.
(3) عبدالله أبئوداهش، شعراء حول الرسول صلى الله عليه وسلم 157.
|
|
|