Monday 8th November, 1999 G No. 9902جريدة الجزيرة الأثنين 30 ,رجب 1420 العدد 9902


قراءة في محاضرة زيمين في مكتبة الملك المؤسس
الخصوصية الحضارية والمصالح المتبادلة أساس الصداقة والتعاون بين البلدين
د, محمد شومان *

من الملامح البارزة في زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين للمملكة محاضرته في مكتبة الملك عبدالعزيز, ورغم ان محاضرات الزعماء والرؤساء قد ينظر اليها على انها اجراء احتفالي تقليدي، الا ان هذه النظرة تبدو غير صحيحة على الاطلاق من وجهة النظر الصينية عامة، ومن وجهة نظر الرئيس زيمين الذي يؤمن بفعالية وسحر الكلمة، وان فلسفة الحياة تقوم على مبادىء وافكار تصاغ في كلمات ينبغي ان تحترم، وهذا الايمان هو تعبير اصيل عن احد اهم مبادىء الفلسفة التاوية التي تمثل الوريث المتقدم للفلسفة الكونفوشية.
القصد ان محاضرة زيمين مناسبة غير تقليدية بل هي رسالة متعددة الابعاد، لا تخلو من دلالات، فالرئيس الصيني يتحدث من مكتبة تحمل اسم الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة، وأحد صناع التاريخ في القرن العشرين، وقد شاهد زيمين بعض المقتنيات التاريخية ونموذجا لمكتبة الملك عبدالعزيز قبل ان يلقي محاضرته.
والمتأمل للقضايا التي تطرق اليها زيمين في محاضرته يكتشف انه توقف طويلا عند البعد التاريخي في العلاقات بين العرب والصين، واكد على اولوية الجوانب الثقافية الحضارية في هذه العلاقات الضاربة بجذورها في عمق التاريخ, على ان الرئيس زيمين يؤسس على هذا العمق التاريخي امرين: الاول عمق العلاقات بين البلدين وبالتالي بديهية ان تتواصل هذه العلاقات في الحاضر وتنمو في المستقبل، الثاني ان العمق التاريخي بلور واكد خصوصية كل من الحضارتين الصينية والعربية، وذلك في سياق التطور الحضاري للبشرية، بعبارة اخرى ان السعودية والصين تنتميان الىحضارتين قديمتين ومتميزتين ساهمتا معا في تطور الحضارة البشرية, وينتقل الرئيس زيمين الى تحديد اسس وقواعد العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية فيما يلي:
1 تعدد الحضارات في العالم وضرورة احترام هذه التعددية، والالتزام بالحوار والتبادل على قدم المساواة من اجل تحقيق الاستفادة المتبادلة، اذ ان ارساء هذه القاعدة من شأنه ان يحل اي تناقض او خلاف قد يظهر بين القوميات والحضارات المختلفة.
2 رفض محاولة اي حضارة او قومية في العالم تفضيل ذاتها او ممارسة استعلاء على غيرها من الحضارات او احتقار الحضارات الاخرى، وربما قصد هنا الرئيس زيمين نقد اتجاهات بعض المفكرين في الغرب الداعين الى مقولة مركزية الحضارات الغربية، واعتبارها اعلى مراحل التطور الحضاري للبشرية، وبالتالي ضرورة السير على نفس طريق تطورها، والاخذ بالافكار والسياسات التي تنتهجها، وتبرز هنا اطروحة فوكاياما بشأن الليبرالية الاقتصادية والسياسية كنموذج يحتذى به لتطور البشرية، ومقولته الشهيرة حول نهاية التاريخ بنهاية الصراع بين الغرب بقيمه الليبرالية والمعسكر الشرقي.
3 ان تعدد واختلاف الحضارات لا يسلم ولا يجب ان يسلم الى صدام وصراع بينها، لان الصدام يضر بالتقدم الحضاري في العالم، واعتقد ان الرئيس زيمين هنا يرد بصورة واضحة على اطروحة الصدام بين الحضارات التي طرحها هنيتجنتون، ومقولته الشهيرة حول قيام تحالف هندوسي كونفوشيوسي اسلامي ضد الغرب المسيحي.
4 ان تعدد واختلاف الحضارات يرتب اختلافات اساسية في النظر الى بعض القضايا الثقافية، من هنا اشار الرئيس زيمين الى توافق رؤية الجانب العربي والصيني لقضايا عديدة مثل حقوق الانسان، ولعل المثل الذي استشهد به الرئيس زيمين يكشف عن كون حقوق الانسان قضية ثقافية ذات ابعاد سياسية واجتماعية، وبالتالي فنظرة كل ثقافة لحقوق الانسان قد تختلف عن الثقافة الاخرى، وفي هذا الاطار ليس من حق الغرب فرض رؤيته ومفاهيمه الخاصة لحقوق الانسان على الجانبين العربي والصيني، وكانت قضايا الانسان مجال صدام بين الصين والغرب، كما ان بعض الاطراف الغربية حاولت فرض مفاهيم لحقوق الانسان على الدول العربية والاسلامية تتعارض والشريعة الاسلامية، من هنا ضرورة مراعاة الخصوصية الثقافية في التعامل مع قضايا حقوق الانسان.
5 ان تأكيد الخصوصية الحضارية يرتب ايضا مفاهيم وممارسات بشأن خصوصية التنمية، فالصين تنظر الى نفسها كدولة نامية، كما ترى في المملكة العربية السعودية بلدا ناميا له دور بالغ الاهمية في المنطقة العربية وبين الدول النامية، لكن التنمية ليست بالضرورة هي التنمية على النمط الغربي، او بكلمات اخرى ليست هي التنمية الرأسمالية وفق آليات السوق دون مراعاة لجوانب ثقافية واجتماعية اساسية، لذلك فان المتابع للاطروحات الفكرية في الصين يجد تأكيدا على فكرة اقتصاد السوق ذات الخصائص الصينية، وكذلك فكرة الحفاظ على الخصوصية في ظل العولمة، وهي افكار لم تكن غائبة عن تجربة المملكة، بل هي من الاسس الراسخة في حياة الدولة السعودية، والتي اكد عليها الملك المؤسس ربما قبل تأسيس جمهورية الصين.
6 ان الاسس الثقافية لا تتنافى ولا تتناقض مع تعظيم المصالح المشتركة بين بالبلدين، واعتماد مبدأ تبادل وتداخل المصالح بين البلدين فالصين كما قال الرئيس زيمين تؤيد القضايا العادلة والحقوق والمصالح المشروعة للشعوب العربية، بينما تقدم الدول العربية دعاما ثابتا للصين في قضية تايوان وغيرها من القضايا مما يشير بوضوح الى نوع من التبادل في مواقف التأييد, فبقدر تفهم الدول العربية ودعمها لحقوق الصين في تايوان بقدر تفهم ودعم الصين للقضايا والحقوق العربية،ومثل هذا النهج يعكس اساسا موضوعا في العلاقات بين الدول يجب ان نقره ونعمل في اطاره، خاصة عندما يترافق مبدأ تبادل المصالح مع الحقوق المشروعة للشعوب وهو ما يتجسد في القضية الفلسطينية وقضية تايوان.
واذا انتقلنا الى مبدأ تبادل المصالح على صعيد العلاقات الاقتصادية بين السعودية والصين نلحظ ان الرئيس زيمين توقف عند ارقام ومؤشرات حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية، والذي بلغ 1,7 مليار دولار، كما اشار الى ان المملكة هي اكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا واكد الرئيس زيمين على اهمية زيادة وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين, هكذا عبر الرئيس زيمين عن اعتزازه بعلاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، ودعا الى تطويرها وفق اسس تكاملية، واعتمادا على مبدأ تبادل المصالح، والثابت ان الصين تسعى الى دائما الى زيادة تعاونها الاقتصادي مع الدول النامية، لكن ان يشدد الرئيس زيمين على ذلك كما شدد على اهمية الدعم السياسي المتبادل، فان هذا من شانه ايجاد نوع من الربط بين الجانبين السياسي والاقتصادي، مع رغبة لدعم وتطوير العلاقات بين البلدين، والملاحظ ان هذه الرغبة قد تبلورت في البيان الصحفي الصادر عن الزيارة حيث اعلن استعداد الطرفين للارتقاء بمستوى العلاقات الى مستوى التعاون الاستراتيجي في المجالات السياسية والاقتصادية, ولاشك ان التعاون الاستراتيجي بين البلدين يحقق مصالح البلدين، ويؤمن للمملكة علاقات وثيقة مع احد اهم القوى البازغة في الالفية الثالثة، والتي تقدم نموذجا حضاريا مغايرا للحضارة الغربية التي يجري فرض هيمنتها على العالم عبر آليات العولمة الامر الذي يؤكد حرص المملكة على انتهاج سياسة متوازنة مع كل اقطاب النظام الدولي، وتأييدها لتبلور نظام دولي متعدد الاقطاب تشارك فيه دولة بحجم الصين، في المقابل فان الصين ستحقق مكاسب من التعامل مع السعودية، التي تعتبر بكل المقاييس احدى اهم القوى المؤثرة في العالم عربيا واسلاميا، مما يدعم من فرص الصين ورغبتها في لعب دور اكبر على المستوى الدولي.
* مدير مكتب الجزيرة في القاهرة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved