ألفاظ اللغة لها حظ من التاريخ، فهي تكون ظاهرة حيناً وكامنة حيناً مثل حوادث الأيام، ومن الالفاظ التي عشناها لفظة الاستعمار ثم لفظة النكسة والتقدمية وكلها ارتبط بأحداث مهمة في تاريخ الامة، ثم جاءت مرحلة الخطوة خطوة لتفضي إلى مرحلة كامب ديفيد ، ثم وصلنا إلى مرحلة الهرولة التي فرضتها الاحداث لتخرج من مفهومها الرياضي إلى المفهوم السياسي .
وقد عشنا مرحلة هرولة القريب من حدود فلسطين، وتألم من تألم منها، وكان العذر ان مرحلة ما بعد الحرب الباردة قد ألجأت إلى تلك الهرولة بعد خمسين عاماً من المواجهة، وماتت بل دفنت ألفاظ طالما كررتها الاذاعات العربية والصحافة مثل: الجهاد والنضال والفدائيين والعمالة وانتهت مثل تلك الالفاظ في بحر الهرولة وكان بعضها قد يؤدي في بعض البلدان إلى السجن او الموت حتى لو لم تصح التهمة.
وانتهت مرحلة هرولة القريب ليأتي زمان هرولة البعيد الذي قد لا تكون له صلة مباشرة بفلسطين وقدسها إلا صلة الإسلام أو العروبة، وحسبك بها من صفة، لنسمع ان عرباً هرولوا في اقصى المغرب نحو إقامة علاقات مع دولة الاغتصاب للأرض ولحقوق البشر، وآخرين سيلحقون بهم، فهم في مرحلة الغزل، وعسى ان يكفي الله شر ما بعده، ولنسمع ان دولة إسلامية كبرى في المشرق تعلن عن استعدادها لاقامة علاقات مع إسرائيل وان بينهما علاقات حميمة مع بعض زعماء إسرائيل، وثالثة تعمل على توطيد كل تعاون عسكري مع إسرائيل ويقف أحد عساكرها لينال من الخلفاء الراشدين ويصفهم بالبدو، ويبذلون كل ما هو ممكن لاسترضاء إسرائيل ودعمها.
ان هرولة البعيد والقريب كلتيهما موجع للأمة، ولكن عندما تأتي الهرولة من البعيد تكون أشد إيلاما، وكأن سياسة العالم الجديد لا تجعل أمرا يستقر في بلد إلا بالتوجه نحو إسرائيل، وكأن أمن إسرائيل تجاوز الحدود الآمنة على أرض فلسطين المقدسة الى حدود العالم كله، وكأن العالم كله أصبح تُقوَّم سياساته بمدى رضا اليهود او عدم رضاهم (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
الذي لاشك فيه ان العرب والمسلمين في مرحلة ضعف فرضتها سياسة القوة الواحدة وحالة التشرذم، ولكن أضعف الإيمان ان تكون هناك مجالدة حتى تأتي مرحلة جديدة يظهر فيها جيل يستطيع ان يعيد الحق الى أهله فدوام الحال من المحال، ولن تدوم قوة واحدة مدى الزمان، ولكن الاصرار على الحق وتوريثه للاجيال سيؤدي إلى انتصار الحق، وفي مرحلة الحروب الصليبية دليل، فبعد تسعين عاماً جاء نصر الله والفتح,>المعنى