عزيزتي الجزيرة
مع بداية العام الدراسي الجديد 1420/ 1421ه شرعت الرئاسة العامة لتعليم البنات مشكورة، وكذلك وزارة المعارف (متى يتم تغيير مسماها لتصبح وزارة للتربية بعد ان حل الانترنت والاقراص المدمجة وDVD,, محل المعارف )؟ بالاخذ بنظام التقويم المستمر وذلك بقصد المتابعة اليومية لاداء وسلوكيات المتلقي على مدار العام, والحقيقة التي لا مراء فيها ان لائحة ذلك النظام (حسب اجتهادي الشخصي في فهم مغازيها التربوية قريبة وبعيدة الاجل) جاءت زاخرة بنقاط الايجاب التي اعتقد والاعتقاد هو القطع والجزم في اللغة لا كما درجت الالسن اليوم على استعمالها بمعنى الظن - أن الأخذ بها كفيل برفع مستوى اداء مخرجات التعليم العام على مستوى المملكة على المدى البعيد المنظور إن شاء الله تعالى,وللعلم نقول - وبصفة نظرية بحتة - ان التقويم المستمر هو (عملية جمع للمعلومات المختلفة عن المتلقي من مصادر متعددة خلال الفصل الدراسي كله بغرض مساعدته في الرفع من مستوى ادائه وتعديل سلوكه) (1) وهي بهذا التعريف النظري الموجز تطرح بحق رؤية جديدة لطرائق قياس اداء الطالب او الطالبة، لها من الايجابيات ما لعلنا نقف وإياكم عليه في النقاط التالية:
1- على النقيض من طرق القياس التقليدية التي لا تتعدى مصادرها للحكم على اداء الفرد القلم والورقة في اغلب الاحيان، فإن طرق القياس في التقويم المستمر تتميز بتوسعها في المصادر التي تستقي منها معلوماتها للحكم على اداء الفرد, خذ لذلك امثلة لا حصراً: أساليب المقابلة وقوائم قياس سلوكيات المتلقي النمطية وأنشطة التمثيل وورش العمل وحلقات المناقشة واستبانات التقويم الذاتية واستبانات تقويم الآخرين وملاحظات المدرسين ,,, الخ (2) وعني عن القول ان في هذا التوسع الكبير في وسائط جمع المعلومات عن المتلقي مقاربة اكثر للدقة والموضوعية.
2- من النقطة اعلاه يتضح ان طرق القياس الحديثة اكثر شمولية في ادائها من الطرق التقليدية وبالتالي فإنها تساعدنا كثيرا في التعرف على نواحي النمو المختلفة لدى الفرد: الجسمانية والنفسية والمعرفية,,, الخ.
3- تتميز هذه الرؤية الجديدة في كونها عملية مستمرة تمتد منذ ربما اليوم الاول للمتلقي داخل اروقة المدرسة وحتى آخر يوم في العام الدراسي,, اي انها تشمل قياس اداء المتلقي خلال فترة تمتد إلى اشهر، وذلك بدلا من فترة الاختبار التقليدية التي لا تتعدى الساعة او الساعتين فيحكم من خلال هذه المدة الوجيزة بالنجاح او الفشل على اداء وتحصيل جهد عام بأكمله, ومن البديهي ان نذكر ان كونها عملية تقويم مستمرة فهي حتما اكثر مصداقية للاعتماد عليها للحكم على اداء الفرد.
4- من النقطة السابقة يتضح لنا ان هذه الرؤية الحديثة تمنح الفرد الفرصة تلو الفرصة للتعرف على نواحي النقص في ادائه وسلوكياته وبالتالي فهي تتيح له مساحة اكثر من الوقت لاكتساب المهارات والتغلب على نواحي السلب في ادائه.
كذلك فإنها على نقيض ادوات القياس التقليدية، بعيدة في خطابها عن نبرة المقاضاة والمحاكمة ,, حيث انها تشجع وتساند وتعزز ولا تستعجل قطف ثمار غير ناضجة.
5- هناك بون شاسع ما بين مخرجات طرق القياس التقليدية والحديثة, ففي حين ان الاولى، كما سبق ان رأينا، تركز على حساب كمية التراكم المعلوماتي في ذهنية المتلقي نجد ان الثانية تتعدى ذلك لتشمل تعزيز النمو النفسي والمعرفي والعاطفي وتنمية طرائق التفكير وحل المعضلات وتشكيل الرؤى والاتجاهات وخلق الخبرات والسلوكيات المواكبة لحاجة سوق العمل ومتطلبات التنمية الوطنية، وهكذا فطرق القياس التقليدية إذن تساعد على خلق انماط من المخرجات متشابهة نسخ كربونية عاجزة عن التفكير وحل المعضلات ديدنها التكرار والترداد القاتل لكل ابداع, في حين ان طرائق القياس الجديدة تعمل على تشكيل افراد فاعلين ولادائهم لاحقا في المجتمع انتاجية ومردود.
6- تقوم الاختبارات التقليدية بتحجيم دور الوالدين في العملية التربوية حيث تقصر دورهم على معرفة النتائج فحسب,, فهي بذلك تجعلهم في حالة ترقب وقلق دائمين ذلك انهم امام خيارين لا ثالث لهما: النجاح او الرسوب, في حين ان دور الوالدين في ظل ادوات القياس الحديثة يتحول الى تعزيز ومساندة مستمرة للمتلقي ومساعدة متواصلة له في التعرف على نقاط الضعف لديه بغرض التغلب عليها,, كل ذلك في فترة زمنية طويلة تبعد شبح الاختبارات التقليدية، وتمنح الوالدين الفرصة للمساهمة الفاعلة في صناعة ابنهم واعداده للحياة, هذا فيما يتعلق بايجابيات التقويم المستمر في إطارها النظري البحت، اما ايجابياتها في إطارها العملي - وهو المحك - فإن قادم الايام سيكشفها لنا ان شاء الله تعالى، ومع ذلك ومنعا لجانب الافراط في التفاؤل فإن مكاتبكم - بضم الميم الاولى - وبحكم التجربة لا يؤمل كثيرا على تحقق تلك الايجابيات الجميلة، نسبة لجملة من العوامل التي يمكن ايجازها في الآتي:
1- ان تلك اللائحة جاءت مفاجأة للطالب واسرته، بل وحتى للسواد الاعظم من معاشر المسهلين (المسهل Facilitator كلمة جديدة نسبيا في الحقل التربوي، وتعد بحق بديلا للمفردات التقليدية المترادفة المعروفة كالمعلم والمدرس ,,, الخ ويأتي طرح هذه المفردة الجديد في عالم التربية متزامنا مع التغيرات التي طالت حياة الانسان في مشرق العالم ومغربه بعد فترة الهدوء الذي خيم على العالم عقيب نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الالفية الجديدة, عموما فإن لاستعمال هذه اللفظة مضامين تربوية وسلوكية محددة لامجال للخوض فيها في هذه العجالة)؛ فكان الاجدى بالوزارة والرئاسة العمل على ايجاد قنوات وورش عمل مفتوحة للجماهير لمناقشتها قبلا.
2- من النقطة اعلاه يمكن التنبؤ بوجود عناصر مقاومة لتطبيق هذه الفكرة, ومن المتوقع ايضا ان ترتكز هذه العناصر بين اهم مقومات التقويم وهو المسهل عينه - الذي يعول عليه كثيرا من انجاح هذه الفكرة.
3- بالنظر الى المفردات العامة لادوات القياس الجديدة فإنني:
أولا: أشك في مدى استيعاب الجميع لمضامينها.
ثانيا: لو فرضنا جدلا ان اولئك الجميع مستوعب بالضرورة لتلك الادوات فإن امر تحقيقها على ارض الواقع يظل امرا صعبا نسبة الى وجود عوامل فاعلة تتمثل في حجم الفصل (عدد المتلقين) وعبء التدريس اليومي للمسهل,,, الخ.
ختاماً فإن ما أرمي إليه هو ان طريقة التقويم المستمر كفكرة تظل امرا مثاليا (يطوبيا) جميلا,, أما كتطبيق فإن الوقت لا يزال مبكرا للحكم عليها, عموما فإن الكرة الآن في مرمى زملاء المهنة لتفعيلها من خلال ايجاد الآلية الملائمة لتطبيقها, وكلي عشم في ان لا يكون مصيرها مصير حصة النشاط والريادة وطابور الصباح ,,,الخ.
فهد مشاري الرومي
ماجستير في تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية
كلية الملك فيصل الجوية - الرياض
المراجع :
1- Mc Tighe,J. and S. Ferrara. 1994 Assessing Learning in the Classroom. Washington D.C.: National Educational Association, Professional Standards and Practice Report.
2- Puhl, Carol A. 1998 Develop, Not Judge: Continuous Assessment in the ESL Classroom. In Forum Vol. 35 No.2.