عزيزتي الجزيرة
لا يخفى على كل إنسان عاقل ما لقراءة القرآن الكريم وحفظه وتدبر معانيه من آثار ايجابية وناجعة بإذن الله تعالى لشفاء الكثير من الامراض النفسية والعضوية التي تصيب اغلب الناس، سواء كانت هذه القراءة نافثة من شخص ذي ايمان بالله قوي، قاصدا من وراء عمله ذلك وجه الله سبحانه وتعالى والرضا بالرزق البسيط بما تجود به أنفس المرضى,أو من المريض نفسه عندما يشتكي من عارض صحي ألم به، متبعين في ذلك ما أوصى به رسول الهدى عليه افضل الصلاة والسلام صحابته بالتداوي بالقرآن الكريم بما يسمى الرقية الشرعية، وارشادهم الى الطريق المثلى لكيفية الدعاء للمريض طلبا لشفائه، حيث روت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس اذهب البأس واشف، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عاد مريضا لم يحضره اجله، فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك: إلا عافاه الله من ذلك المرض, رواه أبو داود والترمذي (1) .
والأحاديث في ذلك كثيرة وميسرة ولله الحمد لمن ألهمه الله سبحانه وتعالى المساعدة في سبيل شفاء بعض المرضى.
ولكن ما دعاني للخوض في هذا الموضوع الذي يلامس حياة كثير من الناس في مجتمعنا، وجعلني في حيرة من امري، ما لاحظته ولاحظه الكثيرون وللاسف الشديد من ولوج بعض ضعاف النفوس والجهلة مهنة الطب الشعبي والرقية الشرعية شبابا وكهولا، نساء ورجالا في هذا المجال من دون وعي او علم او دراية او تفكر في آيات القرآن الكريم، ،التي لا تحتاج منهم في الغالب سوى تغيير بسيط في هيئته الشكلية وحفظ عدد قليل من آيات القرآن الكريم وتخصيص اي مكان متواضع يفتقر لأبسط تجهيزات الراحة النفسية والجسدية التي يحتاجها اي مريض من دون قيود او شروط بقصد استغلالهم لكثير من المرضى بما فيهم الجهلة والسذج وربما بعض المثقفين الذين يقصدونهم، لسلب ما في جيوبهم من اموال تصل إلى آلاف الريالات باسم العلاج، غير آبهين بحالة هؤلاء المرضى المادية والنفسية والعضوية، ومنتهجين في ذلك اساليب وتصرفات عديدة ملتوية لخداعهم، خارجين في كثير من هذه التصرفات عن المنهج القويم الذي رسمته لنا الشريعة الاسلامية وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص، والتي تلح هذه الظاهرة وانتشارها في كثير من مناطق وأحياء المملكة على المسؤولين في وزارة الداخلية وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الصحة سرعة معالجتها بمتابعة ومراقبة مدعي الطب الشعبي والرقية الشرعية، ومن ثم الوقوف بكل حزم وشدة في وجه من تجده يخالف شروط هذه المهنة واستغلالها.
من هذا المنطق اورد للسادة الكرام قراء جريدة الجزيرة المتميزة بعضا من هذه التصرفات والسلوكيات التي عايشت الكثير منها بسبب مرافقتي لوالدتي يرحمها الله لزيارة بعض من مدعي الطب الشعبي والرقية الشرعية طلبا للمعالجة، والذي جعلني اشك في عدم حياء الكثيرين منهم من الله سبحانه وتعالى، واستغلالهم الناس وخصوصا المرضى باسم الدين لجني ارباح طائلة من المال والتي نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
1- تعمد بعض هذه الفئة الاستهزاء بآيات القرآن الكريم بعدم خشوعهم في القراءة وتدبر معانيها، واستغفال هؤلاء المرضى من خلال قراءته امامهم في خزان حديدي كبير مكشوف معرض للاوساخ والاتربة، ليبدأ سكرتيره الخاص او سكرتيرته بعد انتهاء مراسم القراءة بتعبئة مياهه فيما يجلبه هؤلاء المرضى من اواني، لتباع هذه المياه بأغلى الاسعار، ناهيك عن سعر الدخول لهذا الحوش، وسعر القراءة الانفرادية، وعزايم الزعفران التقليدية، وبعض الاعشاب والزيتون المعدة سلفا.
2- اشتراط بعض هؤلاء المعالجين على مرضاهم شراء نوع خاص من الملابس والقفازات والعبي النسائية والماء والزيت والاعشاب من محله المجاور لحوش القراءة وبسعر اغلى من السوق، اضافة إلى اعلانه كل دقيقة بأنه لن يقرأ على النسوة اللاتي يدخن ازواجهن الدخان او لديهن خادمات غير مسلمات او سائقون اجانب او لديهن تلفاز او مذياع او مسجل، (ولا ندري ما دخل ذلك بعلاجه وما السر في ذلك),,؟!
3- بعضهم يطلب مبلغا من المال قدره مائة ريال او مائتان لقاءفتح ملف لدخول عيادته المزعومة، ليبدأ بعد ذلك طرح اشتراطاته المادية المبالغ فيها عن كل نفثة او جلسة يقرأ فيها على المريض.
4- يبيع بعضهم فنجان قهوة واحدا فيه ماء عادي من الحنفية العادية (بدون فلتر) والمقري فيه من فمه بمبلغ مائة ريال، ليصبح بذلك أغلى فنجان ماء في العالم، ويدخل كتاب جينيس للارقام القياسية (هذه الواقعة حدثت امامي).
5- يطلب احد المداوين والقابع في احدى المحافظات القريبة من مدينة الرياض من زبائنه إذا كانوا من خارج المحافظة السكن في بيوته الشعبية القديمة المتعددة الغرف المليئة بالاوساخ وغيرالمهيأة للسكن الآدمي بأجر يترواح بين 150 - 200 ريال سعودي لليلة الواحدة، شرطا لكي يقرأ عليه مرتين في اليوم، أو مرة واحدة إذا رفض الزبون ذلك او ان يعود ادراجه من حيث أتى,,!!
6- اشتراط بعضهم على المرضى الاستمرار في اخذ الجلسات لديهم لفترات طويلة شرطا لشفائهم بتكلفة تصل احيانا عشرات الالوف من الريالات، اضافة إلى تخويفهم من زيادة المرض نتيجة عدم الاستمرار في ذلك.
7- ايهام هؤلاء المعالجين مرضاهم بقدرتهم على معالجة كافة الامراض المستعصية على الطب الحديث كالسرطان، الفشل الكلوي، الضغط، السكر، الوباء الكبدي، العقم وغيرها، وذلك بعمل كثير من الخلطات واللخبطات التي يعدونها بأنفسهم بمساعدة الخادمة والتي يكون معظمها من اعشاب ضارة وغيرمفيدة للصحة، مما يزيد حالة المريض النفسية والجسدية سوءا.
8- ايهام بعض مرضاهم إذا لم يستطيعوا تشخيص الحالة، بوجود جن او شيطان يسكن اجسادهم ليقوموا بعد ذلك بضربهم وتهشيم عظامهم وخنقهم بحجة طرده منهم، ويزيد في الضرب عندما يطلب المريض النجدة والخلاص من شره، لاعتقاده ان الجني القابع في جسده بدأ يتكلم، لتبدأ معاناة هذا المريض مع مرض جديد، ويستمر مسلسل تعذيبه من خنق وضرب مرات ومرات حتى ينفذ ما في جيبه من نقود.
9- يلجأ بعض هؤلاء من مدعي الطب الشعبي الى خداع مرضاهم عن طريق سحق بعض من ادوية المسكنات والملينات وغيرها مع ما يعدونه من اعشاب لاظهار نتائج سريعة على جسم هذا المريض المغلوب على امره، ليضمن استمرار ارتياده لعيادته، ليكسب بذلك المزيد من الثقة والاموال.
10- يلجأ بعضهم الى توظيف بعض من النسوة او الرجال او الاطفال لتمثيل دور المرضى الذين عولجوا على يديه او في الطريق الى ذلك والحديث عن مناقبه مع المرضى الجدد، او اطلاق صرخات معينة او بكاء وعويل بمجرد دخول مدعي الطب عليهم او قراءته لبعض آيات القرآن ليوهموا من حولهم مدى تأثرهم بقراءته، وانهم بفضله تعرفوا على تشخيص امراضهم وتخلصوا من كثير منها.
11- لجوء بعض هؤلاء المدعين إلى كي مرضاهم في حالات لا تحتاج إلى ذلك، حتى ولو كان الامر مجرد (استرجاع الطعام) مسببا بذلك آلاماً مبرحة وتشوهات مستديمة بأنحاء متفرقة من جسم المريض المسكين.
12- يلجأ بعض مدعي الطب الشعبي والرقية الشرعية الى ايهام بعض مرضاهم بأنهم محسودون او مسحورون من قبل اقارب لهم ويحذرونهم من التعامل او التقارب معهم، مما يثير هذا العمل الفتنة ويسبب المشاكل والفرقة بين الاهل والاقارب ويجعل هذا المريض في دوامة سيئة تحول حياته إلى جحيم لا يطاق ما لم يتدارك نفسه.
13- يطلب بعضهم من المريض احضار قطعة تخصه اوتخصها مثل طاقية او شماغ او عباءة او معرفة اسم ام المريض وغيره من الامور، قاصدا من وراء ذلك الكشف عليه ووصف العلاج اللازم له لاحقا مقابل مبلغ من المال مبالغ فيه، علما ان هذا العمل كفر بالله تعالى لصراحة مخالفته لتعاليم الشريعة الاسلامية وسنة نبيه الكريم، كونه تعاملا مع السحرة والمشعوذين.
14- احدى النساء من مدعيات الطب الشعبي والرقية الشرعية تبيع قارورة الماء المعدنية سعة لترين فقط بمبلغ خمسمائة ريال، بحجة قوة قراءتها في هذا الماء وانه مضمون النتائج الايجابية من غير شك، ناهيك عن سعر الهواء الصادر من فمها لمدة محدودة.
15- مقابلة البعض منهم لمرضاهم بوجوه عابسة وكأنهم يصرفون عليهم من جيوبهم، وترى البعض منهم ينظر اليك وكأنك قاتل ابيه او اخيه، اضافة إلى اطلاق بعض العبارات والكلمات المنفرة والدالة على عدم فهمهم لما جاءت به آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة من الحث على حسن الخلق وان الدين هو المعاملة.
ختاماً، هذا ما اردت ايضاحه وطرحه على الناس في مجتمعنا الطيب للتعرف عن كثب حول ما تقوم به وتمارسه بعض من هذه الفئة من الجنسين في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، والتي نأمل جميعا ان تجد هذه المقالة تجاوبا سريعا من قبل المسؤولين عن تصرفات هذه الفئة ليبقى الاصلح فقط، وذلك من خلال تنظيم هذه العملية وفقا لمعايير ودراسات مستفيضة تحدد شخصية المعالج وعمره بحيث لا ينقص عن اربعين سنة ومدى خبرته في التعامل مع الاعشاب وتصنيفها طبيا، ودرايته حول كيفية وشروط الرقية الشرعية التي اوصانا بها الرسول صلى الله عليه وسلم اضافة إلى مناسبة مكان العلاج والتي اود ان تخصص في احدى غرف المستشفيات والمراكز الطبية لتكون بعيدة عن منزله او حوشه او استراحته، لتصبح اكثر امنا وانضباطا اخلاقيا، مع تحديد مواعيد المراجعة وأسعار النفث على المرضى وقوارير الماء والزيت التي تباع في اكثر الاحوال باسعار اغلى من الذهب والالماس، وذلك تمشيا مع سياسة حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين حفظهما الله من كل مكروه في صيانة وسلامة ارواح المواطنين والمقيمين والحفاظ على اموالهم وممتلكاتهم، لننعم بوجود اناس افاضل تمارس الرقية الشعبية والعلاج الشعبي بخبرة ودراية وقوة ايمان طلبا لوجه الله تعالى والقناعة بالرزق اليسير من دون مبالغة او شروط تعجيزية، والله ولي التوفيق.
عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز الزير
مجلس التعاون الخليجي
(1) رياض الصالحين، ابي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي - الرياض دار المأمون، 1402ه، ص381.
ملاحظة:
لدى كاتب هذه السطور اسماء وعناوين اماكن هؤلاء الاشخاص مع الدليل القاطع على ما يقومون به من تصرفات.