قبل سنوات شرعت في كتابة قصة تنتزع احداثها من داخل الدماغ الانساني، ورغم ان المشروع مازال يراوح بين يدي إلا أني ما زلت أؤمن ان الذاكرة الإنسانية أفضل مكان يمكن أن ينطلق منه الخيال الإنساني ليخترع قصصاً ممتعة ومثيرة, فسعتها كسعة الفضاء وعوالم النجوم التي وظفها كثير من الكتاب الغربيين لاختراع قصص جميلة وممتعة فيما يعرف بقصص الخيال العلمي, ولكن لأني لا أعرف الكثير عن تركيبة الدماغ أو العمليات التي تجري في داخله كيميائية أو كهربائية لجأت إلى عدد من الكتب المبسطة التي تتناول الموضوع، وكان هدفي هو أن أحدد ما يمكن ان يسمى المكان في القصة، إلا أن مشكلة واحدة اعترضت طريقي وأجلت مشروعي تتعلق بالمدى الذي يجب ان أعرفه ككاتب عن الدماغ الإنساني لأكتب قصة, ففي كل مرة أجد أن هناك عوالم كبيرة تجتذبني للمزيد من البحث حتى وصلت إلى مرحلة اصبح معها البحث مستحيلاً بالنسبة لي, فالمعرفة المتعلقة بهذا الجانب تنتظمها مجموعة كبيرة من المصطلحات المعقدة وكثير من الغموض والتحديات العلمية ولكنها ممتلئة بالمواد المثيرة سواء كانت حقائق أقرها العلماء أو نظريات تقارب الغموض السائد, ومن القصص الخيالية المثيرة التي مازالت عالقة في ذاكرتي والتي تقارب الموضوع بشكل جميل وخلاق قصة رجل فقد عقله تماماً ودخل في هذاءات غير مفهومة إلا أن تلك الهذاءات تشي بأن هناك شيئاً ما يختفي وراءها، ورغم قناعة معظم الأطباء الذين فحصوا الرجل بأنها مجرد هذاءات لا تصلح لشيء إلا أن أحد الأطباء الشباب كان له رأي آخر فقرر التصدي لهذه الهذاءات والبحث فيها فقد أحس ان هناك شيئاً ما ينتظمها, فبدأ بالبحث الاجتماعي وراح يتعرف على حياة الرجل ويغوص في تفاصيلها, في البداية لم تظهر الأبحاث التي أجراها على الرجل أي شيء غير عادي، فهو من أسرة روسية تقليدية، تعيش في واحدة من تلك القرى الروسية النموذجية, متزوج، وله أطفال، وليس له أي سجل مرضي في أسرته كلها، فكاد الرجل ان يتخلى عن مشروعه ويقر بما أقره الأطباء الكبار إلا أنه لاحظ في احدى المرات وهو يصغي لهذاءات الرجل المنظمة من خلال آلة تسجيل ان هناك كلمات غير مفهومة ولكن جرسها يبدو انه ينتمي للغة من اللغات غير الروسية, فالهذاءات المعروفة في الجنون هي أن يصدر الرجل المجنون تنويعة من الصرخات والهمهمات تتخللها كلمات من اللغة السائدة، فعاد إلى البحث والتقصي مجدداً، وعاد إلى سجلات الأسرة وأخذ يبحث في أصولها البعيدة، فتبين له بعد بحث طويل ان أجداد هذا الرجل قد جاءوا من اليونان قبل ألف عام أو أكثر, ثم مضى أكثر في البحث فتبين له بعد مشاورات طويلة مع علماء اللغات القديمة وخصوصاً اللغة اليونانية ان هناك رابطاً ما بين ما يهذي به الرجل وبين اللغة اليونانية القديمة وأخيراً توصل إلى أن الرجل فقد ذاكرته الحالية بعد أن داهمته ذاكرة أجداده القدماء مما يعني ان الذاكرة تورث بالكامل, وهذا يعني ان كل انسان يحمل في داخل دماغه كل محتويات ذاكرة آبائه وأجداده من جده الأخير حتى آدم.
إلا أن هذه الذكريات تنطمر تحت ركام المعرفة المكتسبة في الحياة المعاشة, ولابد أن هناك مادة ما أو موقفا ما حرض ذاكرة الرجل القديمة وأحياها, طبعاً هذه قصة خيالية ولكنها لا تخلو من بعد علمي على المستوى النظري على الاقل, فقد بدأت القصة من نقطة علمية ثم انتهت إلى عملية ابداعية كما يحدث في قصص الخيال العلمي المتصلة بالفضاء العوالم الأخرى كما نقرؤها في روايات كتاب معروفين مثل جون كمبل أو ديفيد دريك أو دونالد كنجز بري أو أيزاك أزيموف الخ.
أعاد الموضوعَ إلى ذهني تقرير مثير وممتع نشر على الانترنت MSNBC يتحدث عن آخر ما توصل إليه العلم فيما يخص الأبحاث العلمية المتصلة بعمل الذاكرة والدماغ, ستتعرفون على بعض جوانبه المثيرة والمدهشة بعد غد الاثنين إذا تفضلتم بقراءة يارا,,!
yara2222 *hotmail.com