Saturday 6th November, 1999 G No. 9900جريدة الجزيرة السبت 28 ,رجب 1420 العدد 9900


تعريف المؤرخين بطليطلة
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

تكلم عنها ابن سعيد بعد احتلال النصارى لها، وبعد أن كانت معدودة مملكة كما عُدَّ أقزام الطوائف ملوكاً,, وفصل أعمالها بعناوين مسجوعة، فقال: كتاب مَوسطة الأندلس، هو كتاب النفحة المندلية في حلى المملكة الطُّلَيطُلية: مملكة بين مملكة قُرطبة وثغر سَرقسطة، وقد حصل جميعها في يد النصارى، وينقسم هذا الكتاب إلى:
كتاب البدور المُكَمَّلة في حلى مدينة طليطُلة.
كتاب الطِّرس المرقَّش في حلى قرية وَقَّش.
كتاب الغِيرة في حلى مدينة طَلِبيرة.
كتاب الغَرارة في حلى مدينة وادي الِحجارة.
كتاب صفقة الرَّباح في حلى قلعة رباح.
كتاب نقش السكَّة في حلى مدينة طلمنكة.
كتاب التغبيط في حلى مدينة مَجريط.
كتاب السعادة في حلى قرية مكَّادة, (1)
وقال عن المنصة: من التاريخ الرومي: إنها إحدى المدن الأربع التي بنيت في مدة قيصر أُكتيبان الذي يؤرخ من مدته مدة الصُّفر، وتأويل اسمها أنت فارح,, وهي في الإقليم الخامس موسطه,, منها إلى الحاجز الذي هو درب الأندلس نحو نصف شهر، وكذلك الى البحر المحيط بجهة شلب,, ومنها الى قرطبة، وإلى غرناطة والى مُرسية بلنسية نحو سبعة أيام، ونهر تاجُه قبليَّها,, وأطنب الحجاري في وصفها، ووصفها بعظم الامتناع، وإحداق الشجر بها من كل جهة، وأنه كان يُتَفَرَّج من باب شقرا في الجُلَّنار الذي لم يُر مثله، إذ الجُلَّنارة (2) تُقارب الرُّمّانة,, وفيها من ضروب التركيب والفلاحة ما تفضل به غيرها,, وابن بَصّال صاحبُ الفلاحة منها,, قال: ورأيت فيها الشجرة تكون فيها أنواع من الثمر,, وذكر أنه صحب عيسى بن وكيل إليها وقد توجَّه رسولاً، فقال ابن وكيل فيها:
زَادَت طُليطُلةٌ على ما حدّثوا
بلدٌ عليه نَضارةٌ ونعيمُ
الله زيَّنهُ فوشًّح خصرهُ
نهر المجرَّة والقصورُ نجومُ
ويُصنع فيها من آلات الحرب العجائبُ، وكان فيها المباني الذَّنُّونية (3) الجليلة,, منها قبة النَّعيم التي صُنِعت للمأمون بن ذي النُّون تنسدل فيها خيمة من ماء يشرب في جوفها مع من أحب من خواصه في أيام الصيف فلا تصل إليه ذبابة,, وهي في بستان الناعورة,, وفيها القصر المُكرَّم الذي بناه، واحتفل فيه، وأطنبت البلغاء والشعراء في وصفه.
وذكر الحجاري أن فيها صنفاً من التين: النصف أخضر والنصف أبيض في نهاية الحلاوة (4) .
وقال عن التاج: كثيراً ما قامت بها الثوار في مدة السلطنة المروانية، ونهض إليها سلاطينهم، وحاصروها، فرجعوا خائبين,, وملكوها، فعاثوا في أهلها (5) .
قال أبو عبدالرحمن: هذه النصوص عن واقعها الطبيعي المبهج، وهاهنا ثلاث من العبر:
الأولى: عن لؤم ابن ذي النون,, قال ابن سعيد: الأمير أرقم بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن عامر بن مطرف بن موسى بن ذي النون,, من كتاب المسهب: يعرف بابن المضراس، وأخوه إسماعيل هو أول من ملك طليطلة من بني ذي النون,, وكان المأمون ابن أخيه ينفيه ويُبغضه، ويحسده على أدبه، ففرَّ عنه إلى الثغر الأعلى لمملكته، ومن شعره قوله:
إذا لم يكن لي جانبٌ في ذُراكمُ
فما العذر لي ألاَّ يكون التجنُّبُ
وكان قد قرأ في قرطبة على الرَّماديِّ الشاعر، وآل أمره إلى أن حصل عند النصارى، فدسَّ إليهم ابن أخيه المأمون من نصحه في شأنه بأنه جاسوس من قبل ابن أخيه، ليتكشَّف على بلادهم، فقتلوه، فقال المأمون: الحمد لله,, هذه نعم من جهتين: فَقدُ عدوٍّ، ووجوب ثأرٍ نطلبُ به,) (6)
قال أبو عبدالرحمن: قطيعة بين أخوين، وسقوط في أحضان النصارى، وفرح بغدر غير شريف، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والثانية: سيادة اليهود,, قال ابن سعيد: الطبيب أبو إسحاق إبراهيم بن الفخار اليهودي ساد في طُليطلة، وصار رسولاً من ملكها النصراني أذفونش إلى أئمة بني عبدالمؤمن بحضرة مرَّاكش,, وكان والدي يصفه بالتفنن في الشعر ومعرفة العلوم القديمة والمنطق، وقد أبصرته في إشبيلية وله جاه عريض، وأنشدني لنفسه قوله في أذفونش:
حَضرةُ الأذفونش لا برحت
غضةً أيامها عُرسُ
فاخلعِ النَّعلين تكرمةً
في ثَراها إنَّها قدُسُ) (7)
والثالثة: ارتداد أديب,, قال ابن سعيد عن الفقيه أبي القاسم ابن الخياط من المسهب: أقام خمسين سنة على العفاف والخير,, لا تعرف له زلة، فلما أخذ النصارى طليطلة حلق وسط رأسه، وشدَّ الزنَّار، فقال له أحد أصحابه في ذلك، وقال له: أين عقلك؟!,, فقال: ما فعلت هذا إلا بعد ما كمل عقلي,, وقال شعراً منه:
تلوَّنَ كالحرباء حقَّ تلوُّن
وأبصر دنياه بملء جفونه
وكلٌّ إلى الرحمن يومي بوجهه
ويذكره في جهره ويقينهِ
ولو أن دِيناً كان نفياً لخالقي
لما كنت يوماً داخلاً في فنونه.
وذكر ابن اليسع له رسالة عن إذفونش ملك النصارى إلى المعتمد بن عباد بالإرهاب (8) .
قال أبو عبدالرحمن: واغوثاه!,, ونسأل الله العفو عما سلف والعصمة فيما بقي، ونعوذ بوجهه الكريم ان نكون شامتين بأحد.
وقال الإدريسي: ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم مدينة الملك، ومداراً لولاتها، وبها وجدت مائدة سليمان بن داوود عليه السلام مع جملة ذخائر يطول ذكرها,, وما خلف الجبل المسمى بالشارات في جهة الجنوب يسمى أشبانية، وما خلف الجبل من جهة الشمال يسمى قشتالة,, ومدينة طليلطة في وقتنا هذا يسكنها سلطان الروم القشتاليين (9)
وقال: ومدينة طليطلة من طلبيرة شرقاً، وهي مدينة عظيمة القطر، كثيرة البشر، حصينة الذات,, لها أسوار حسنة، لها قصبة فيها حصانة ومنعة, وهي أزلية من بناء العمالقة,, وقليلاً ما رؤي مثلها إتقاناً وشماخة بنيان، وهي عالية الذرى، حسنة البقعة، زاهية الرقعة، وهي على ضفة النهر الكبير المسمى تاجه، ولها قنطرة من عجيب البنيان، وهي قوس واحدة، والنهر يدخل تحت تلك القوس كله بعنف وشدة جري، ومع آخر القنطرة ناعورة ارتفاعها في الجو تسعين ذراعاً، وهي تُصعد الماء إلى أعلى القنطرة والماء يجري على ظهرها، فيدخل المدينة,, ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم دار مملكتهم، وموضع قصدهم,, ووجد اهل الإسلام فيها عند افتتاح الأندلس ذخائر تكاد تفوت الوصف كثرة، فمنها أنه وجد بها مئة وسبعون تاجاً من الذهب مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد بها ألف سيف مجوهر ملكي، ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق، ووجد بها من أنواع آنية الذهب والفضة ما لا يحيط به تحصيل، ووجد بها مائدة سليمان بن داوود,, وكانت فيما ذكر من زمردة,, وهذه المائدة في مدينة رومة,, لمدينة طليطلة بساتين محدقة بها، وأنهار مخترقة، ودواليب دائرة، وجنات يانعة، وفواكه عديمة المثال لا يحيط بها تكييف ولا تحصيل، ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة وقلاع منيعة,) (10)
قال أبو عبدالرحمن: جرى العرب على نسبة كل قديم إلى عاد، ونسبة كل أمر باهر إلى تركة سليمان عليه السلام وملكه، فقد بهرهم ما وجدوه بالأندلس من تحف فنسبوه إلى سليمان,, وعودة بعض هذه التحف إلى روما باسم مائدة سليمان من الأساطير,, ثم ما دخل روما ولهذا الإقليم ملك نصراني مستقل؟!.
وقال الإدريسي عن النهر الذي تقع عليه طليطلة: ونهر تاجة المذكور يخرج من ناحية الجبال المتصلة بالقلعة والفنت، فينزل ماراً مع المغرب إلى مدينة طليطلة، ثم إلى طلبيرة، ثم إلى المخاضة، ثم إلى القنطرة، ثم إلى قنيطرة محمود، ثم إلى مدينة شنترين، ثم إلى لشبونة، فيصب هناك في البحر, (11)
وقال القزويني عن كسوة الكعبة ومن كساها: ثم الوليد بن عبدالملك زاد في حُلى البيت لما فتح بلاد الأندلس، فوجد بطليلطة مائدة سليمان عليه السلام,, كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد، فضرب منها حُلى الكعبة والميزاب (12)
قال أبو عبدالرحمن: لعل هذه أسطورة ثانية، وهي تنافي الأولى عن نقل المائدة إلى روما!.
وقال: طُلَيطُلة مدينة كبيرة بالأندلس من أجل مدنها قدراً، وأكثرها خيراً,, تسمّى مدينة الملوك,, ومن طيب تربتها، ولطافة هوائها تبقى الغلات في مطاميرها (13) سبعين سنة لا تتغّير,, وبها القنطرة العجيبة التي وصفها الواصفون أنّها قوس واحد من أحد طرفي الوادي إلى الطرف الآخر,, لم يرَ على وجه الأرض قوس قنطرة أعظم منها إلا قنطرة صور,, قال محمد بن عبدالرحيم الغرناطي: بقرب طليطلة نهر عظيم بنت الجن على ذلك قنطرة من الصخر عالية من الجبل إلى الجبل كأنها قوس قزح,, كلّ صخرة منها مثل بيت كبير، وقد شُدَّت تلك الحجارة بجذوع من حديد، وأذيب عليه الرصاص الأسود، وهي أزج (14) واحد يتعجب الناظرون منها لجودة بنائها، وماء ذلك النهر لا ينقطع أبداً,, وبها حجر المطر، وهو ما أخبر به بعض المغاربة: أن بقرب طليطلة حجراً إذا أراد القوم المطر أقاموه، فلا يزال يأتي المطر إلى أن يلقوه، وكلّما أرادوا المطر فعلوا ذلك.
وبها صورة ثورين من حجر صلد,, قال العذري: إن طارقاً لّما غزا طليطلة ركب على الثيران، وكان ذلك الموضع معسكره، فلعل ذلك شيء من الطلسمات.
وكان بها بيت الملوك,, كلّ من مات من ملوكها ترك تاجه في ذلك البيت، وكتب عليه عمر صاحبه ومدّة ولايته,, وكان بها بيت آخر من ملك من ملوكها قفل عليه قفلاً، ووصى لمن يكون بعده أن لا يفتح ذلك البيت حتى انتهى الملك إلى رجل اسمه لذريق,, دخل البيت الأوّل فوجد فيه أربعة وعشرين تاجاً على عدد ملوكهم، ووجد على باب البيت الآخر أربعة وعشرين قفلاً ظن أن فيه مالاً، فأراد فتحه، فاجتمعت الأساقفة والشماسة (15) وعظموا ذلك، وسألوه أن يسلك مسلك الملوك الذين كانوا قبله,, فأبى إلا فتحه، فقالوا له أيّها الملك: انظر فيما يخطر ببالك من مال تراه فيه لندفعه إليك ولا تفتحه,, فأبى إلاّ فتحه,, فلما فتحه إذا في البيت صور العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم، وإذا فيه مكتوب الملك فينا ما دام هذا البيت مقفلاً، فإذا فتح فقد ذهب الملك!,, فندم لذريق على فتح الباب، فدخلت العرب بلدهم في السنة التي فتح فيها الباب في أيام الوليد بن عبدالملك، ولما فتحوها وجدوا بها مائدة سليمان بن داوود عليه السلام من ذهب، فلم يمكن نقلها لعظمها، فأمر الوليد أن يضرب منها حلي الكعبة وميزابها ففعل,, وما زالت بيد المسلمين إلى أن استولى عليها الفرنج في شهور سنة سبع وسبعين وأربعمئة، وإلى الآن بيدهم, (16) قال أبو عبدالرحمن: ستأتي إن شاء الله مناسبة للحديث عمن بنى القنطرة من الإنس لا الجن,, وقصة البيت والقفل وصور العرب من الاساطير,, وهي أساطير دفع اليها الوضع الحضاري المرموق لطليطلة، وكثرة الخيرات بها، وجمالها الطبيعي فوق وبين جبال يحف بها النهر من ثلاث جهات.
وقال ياقوت: طُلَيطُلةُ: هكذا ضبطه الحميدي بضم الطاأين (17) وفتح اللامين، وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية: مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالاندلس يتّصل عملها بعمل وادي الحجارة من أعمال الأندلس ، وهي غربي ثغر الروم وبين الجَوُف والشرق من قرطبة، وكانت قاعدة ملوك القرطبيين وموضوع قرارهم، وهي على شاطىء نهر تاجُه وعليه القنطرة التي يعجز الواصف عن وصفها,, وقد ذكر قوم أنها مدينة دقيانوس صاحب أهل الكهف,,قالوا: وبقرب منها موضع يقال له: جنان الورد,, فيه اجساد اصحاب اهل الكهف,, لا تبلى الى الآن,, والله أعلم، وقد قيل فيهم غير ذلك كما ذكر في الرقيم,, وهي من اجل المدن قدرا وأعظمها خطرا، ومن خاصيتها ان الغلال تبقى في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير، وزعفرانها هو الغاية في الجودة، وبينها وبين قرطبة سبعة أيام للفارس، وما زالت في أيدي المسلمين منذ أيام الفتوح الى ان ملكها الافرنج في سنة 477، وكان الذي سلمها اليهم يحيى بن يحيى بن ذي النون الملقب بالقادر بالله، وهي الآن في أيديهم,, وكانت طليطلة تسمى مدينة الأملاك,, ملكها اثنان وسبعون لسانا فيما قيل، ودخلها سليمان بن داوود وعيسى بن مريم وذو القرنين والخضر عليهم السلام فيما زعم اهلها، والله اعلم,, قال ابن دُرَيد: طليطلاء مدينة وما أظنها الا هذه, (18) .
وعلق ابن عبدالحق على ضبط ابن دريد بقوله: وكأنه لغة في طليطلة (19) قال أبو عبدالرحمن: ضبطها السمعاني؛ فقال: بضم الطاء المهملة وفتح اللام، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وكسر الطاء الاخرى,, وفي آخرها لام اخرى ,, ثم ذكر بعض علمائها (20) , وأما أهل الكهف فقد نُسبوا الى مواضع كثيرة، وعلمهم عند ربي.
وقال ابن عبدالمنعم - وقد اكثر النقل عن البكري -: طليطلة: بالاندلس، البرج المعروف بوادي الحجارة خمسة وستون ميلا، وهي مركز لجميع بلاد الاندلس؛ لأن منها الى قرطبة تسع مراحل ، ومنها الى بلنسية تسع مراحل ايضا,,, ثم قال بعد سياق اسطورة الاقفال: وظن انه بيت مال قد اختزنته الملوك، ففض الاقفال عنه ودخل، فأصابه فارغا لا شيء فيه الا تابوتا عليه قفل، فأمر بفتحه؛ فألفاه فارغا ليس فيه الا شقة مدرجة صورت فيها صور العرب عليهم العمائم، وتحتهم الخيول العراب متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح,, وفي اعلاها اسطر مكتوبة بالعجمية قرئت فاذا فيها: اذا كسرت الاقفال عن هذا البيت، وفتح هذا البيت؛ فظهر ما فيه من هذه الصور: فان هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الاندلس؛ فتغلب عليها وتملكها,, فوجم لذريق، وندم على ما فعل، وعظم غمه وغم العجم لذلك ، وأمر برد الاقفال واقرار الحراس، واخذ في تدبير ملكه، وذهل عما انذر به الى ان كان من امر يليان عامل لذريق على سبتة وامر ابنته في الخبر المشهور ما سبب اثارة عزمه على ادخاله العرب الى الاندلس,, الى ان كان ذلك، وسبب الله فتحها بسبب ذلك، وما بعد ذلك يذكر في غير هذا المكان.
ووجد اهل الاسلام فيها ذخائر عند افتتاح الاندلس كادت تفوق الوصف كثرة؛ فمنها مئة وسبعون تاجا من الذهب مرصعة بالدر واصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها الف سيف مجوهر ملوكي ، ووجد بها من الدر والياقوت اكيال واوساق، ومن آنية الذهب والفضة وانواعها ما لا يحيط به وصف، ووجد بها مائدة سليمان بن داوود عليهما السلام، وكانت فيما يذكر من زمردة، وهذه المائدة اليوم بمدينة رومة.
وزعم رواة العجم انها لم تكن لسليمان عليه السلام,, قالوا: وانما اصلها من العجم في ايام ملكهم,, كان اهل الحسبة في دينهم اذا مات احدهم اوصى بمال للكنائس؛ فاذا اجتمع عندهم ذلك المال صاغوا منه آلات من الموائد والكراسي وغيرها من الذهب والفضة,, يحمل الشماسة والقسوس فوقها مصاحف الاناجيل اذا ابرزت في ايام المناسك، ويضعونها على المذابح في الاعياد للمباهاة بزينتها؛ فكانت تلك المائدة بطليطلة مما صنع في هذا السبيل، وبالغت الاملاك في تحسينها، ويزيد الآخر منهم فيها على الاول؛ حتى برزت على جميع ما اتخذ من الآلات ، وطار الذكر بها كل مطار,, وكانت مصوغة من خالص الذهب مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزبرجد، لم تر العين مثلها، بولغ في تحسينها؛ من اجل دار المملكة ؛ وأنه (21) لا ينبغي ان يكون في موضع آلة جمال الا ما يكون فيها,, وكانت توضع على مذبح كنيسة طليطلة؛ فأصابها المسلمون هناك,, وقصة ايصالها الى سليمان بن عبدالملك، ومنازعة موسى بن نصير وطارق مولاه في رجلها مشهورة.
قال ابن حيان: مضى طارق خلف فرار اهل طليطلة؛ فسلك الى وادي الحجارة، ثم استقبل الجبل فقطعه، فبلغ مدينة المائدة خضرا من زبرجد,, حافتاها منها وارجلها، وكان لها ثلثمئة وخمسة وستون رجلا؛ فأحرزها عنده.
وبطليطلة بساتين محدقة، وانهار مخترقة، ودواليب دائرة ، وجنات يانعة، وفواكه عديمة المثال,, ولها من جهاتها أقاليم وقلاع منيعة، وعلى بعد منها في جهة الشمال الجبل المعروف بالشارات,, فيه من الغنم والبقر الشيء الكثير الذي يتجهز به الجلابون الى سائر البلاد، ولا يوجد شيء من ابقاره واغنامه الا في غاية السمن، ولا يوجد مهزولا ألبتة، ويضرب بها المثل في ذلك في جميع الاقطار بالاندلس,, وعلى مقربة من طليطلة قرية تسمى بمغام,, في جبالها وترابها الطين المأكول (22) يتجهز به الى مصر والشام والعراق,, ليس على قرار الارض مثله في لذة أكله، وتنظيف غسل الشعر به,, وفي جبال طليطلة معادن الحديد والنحاس.
وزعموا ان معنى طليطلة باللطيني (23) تولاطو ,, معناه فرح ساكنها يريدون لحصانتها ومنعتها,, وفي كتب الحدثان: كان يقال: طليطلة الاطلال، بنيت على الهرج والقتال,, اذا وادعوا الشرك لم يقم لهم سوقة ولا ملك,, على يد اهلها يظهر الفساد، ويخرج الناس من تلك البلاد,, ومدينة طليطلة قاعدة القوط ودار مملكتهم ، ومنها كانوا يغزون عدوهم، واليها كان يجتمع جيوشهم ، وهي احدى القواعد الاربع,, الا انها اقدمهن، ألفتها القياصرة مبنية، وهي اول الاقليم الخامس من السبعة الاقاليم التي هي ربع معمور الارض، واليها انتهى حد الاندلس، ويبتدىء بعدها الذكر للاندلس الاقصى، اوفت على نهر تاجه، وبها كانت القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها، وكان خرابها في ايام الامام محمد,, ومن خواص ان حنطتها لا تسوس على مر السنين,, يتوارثها الخلف عن السلف ,, وزعفران طليطلة هو الذي يعم البلاد ويتجهز به الى الآفاق، وكذلك الصمغ السماوي.
واول من نزل طليطلة من ملوك الاندلس لوبيان وهو الذي بنى مدينة رقوبل، وهي على مقربة من طليطلة وسماها باسم ولده,, ومنها ولي الاساقفة على الكور، وبها مجتمعهم للمشورة، وكان عددهم ثمانين اسقفا لثمانين مدينة من حوز الاندلس كجليقية وطركون وقرطاجنة، وكانت قبل ولايته فرقا؛ فائتلف امر الناس، وانقطع الاختلاف، واحبه الخاص والعام، وهو الذي بنى الكنائس الجبلية والمعالم الرفيعة، وبنى الكنيسة المعروفة بالمردقة واسمه مزبور على بابها، وهي بين حاضرة البيرة ووادي آش.
وبطليطلة الفيت ذخائر الملوك، وعلى مقربة من طليطلة قرية قنبرشة، وهي حارتان فيهما عينا ماء اذا نضبت احداهما جرت الاخرى,, هذا دأبهما كل عام ,, ماؤهما متعاقب لا يجري في زمان واحد، وغربيها على نحو عشرين ميلا منها تمثالان عظيمان على صورة ثورين قد نحتا من حجر صلد,, وذكر بعض المؤرخين ان طارقا لما غزا طليطلة اعترض جنده وهو راكب احدهما,, قالوا: لما مضى طارق بن زياد الى طليطلة دار مملكة القوط الفاها خالية قد فر اهلها عنها، فضم اليها اليهود، وخلى بها رجالا من اصحابه ومضى خلف فرار اهل طليطلة ، فسلك الى وادي الحجارة، ومنه اقتحم ارض جليقية، فخرقها، ودوخ الجهة، ثم انصرف الى طليطلة وذلك سنة ثلاث وتسعين من الهجرة,, وفي خمسين واربعمئة فلواً في صورة مهر، وكانت بغلة كميتا لبعض السائقين؛ فتشاأم به النصارى، ولم يزالوا يختلونه حتى عقروه,, وبقلعة الفهمن من جوفي طليطلة على خمسة عشر ميلا منها بئر لم يعرف فيها قط علق؛ فنبشت في بعض السنين ليكثر ماؤهاه ، فكثر العلق فيها كثرة مفرطة؛ فنظروا فيما استخرجوا من نبشها؛ فاذا فيه علقة نحاس؛ فردت في البئر؛ فانقطع العلق منها,, وقيل: انما ذلك في حصن وقش في عين بجوفي الحصن,, وفي قرية على عشرة اميال من طليطلة في طرق مجريط بئر معروفة اذا شرب من مائها المعلوق (24) سقطت العلق,, كان انسانا او دابة او غير ذلك.
وكان اخذ النصارى لطليطلة في منتصف محرم سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (25) قال أبو عبدالرحمن: والى لقاء ان شاء الله عن رحلتي الى اشبيلية.
(1) المغرب في حلى المغرب 2/9.
(2) الجلنار معرب الكلنار العجمية، ومعناها ورد الرمان,, وهي الرمان البري تزهر ولا تحمل ثمرا,, انظر تكملة المعاجم العربية لدوزي 2/258.
(3) نسبة الى آل ذي نون.
(4) المغرب 2/10 -11.
(5) المغرب /11.
(6) المغرب 2/14.
(7) المغرب 2/20.
(8) المغرب 2/19.
(9) نزهة المشتاق 2/536.
(10) نزهة المشتاق 2/551 - 552.
(11) نزهة المشتاق 2/553.
(12) آثار البلاد ص 113.
(13) المطامير الاحواض، وتطلق ايضا على بيت الخلاء,, انظر تكملة المعاجم العربية 7/78.
(14) ازج: بيت يبنى طولا، وهو الاوستان بالفارسية.
(15) الشماس عند النصارى نائب كاهن دون القسيس,, انظر تكملة المعاجم العربية 6/355.
(16) آثار البلاد واخبار العباد ص 545 - 547.
(17)قال أبو عبدالرحمن: الرسم الاملائي بكتابة رأس الهمزة وسط السطر، ولا اعلم لذلك وجهاً ولو بحجة خطابية، والمختار عندي رسمها على الالف.
(18) معجم البلدان 4/39 - 040.
(19) مراصد الاطلاع 2/892.
(20) الانساب للسمعاني 4/71، واللباب في تهذيب الانساب لابن الاثير 2/284.
(21) قال ابو عبدالرحمن: اختياري في علامات الترقيم: انه اذا تتابع تعليلان فأكثر: رسمت علامة التعليل (؛) قبل التعليل الاول، ثم اكتفيت بالفاصلة,, وهاهنا لزمت كتابة علامة التعليل ثانية؛ ليعرف انها تعليلية، وان عاملها العامل في من اجل ,, والتقدير: ومن اجل انه.
(22) في تكملة المعاجم العربية لدوزي 7/112 - 113 ذكر نوعا من الطين يؤكل ،وذكر طينا اندلسيا من الصلصال يغسل به الشعر، وانظر ص 59 مادة طفل .
(23) اي اللاتيني.
(24) المعلوق من اصابه العلق، وهو جرثومة صغيرة بيضاء وحمراء تكون في الماء الآسن.
(25) الروض المعطار ص 393 - 395.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
لقاء
تقارير واحداث
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved