الملك عبدالعزيز والمرأة إعداد : د, دلال بنت مخلد الحربي (2) |
كما انها كانت متفتحة الذهن تتماشى في سلوكها مع تطورات العصر، فعلى سبيل المثال كانت تعد الهاتف اداة ضرورية مفيدة، ففي نص ترويه فيوليت ديكسون تذكر انها خلال زيارتها لها رن الهاتف فقامت احدى الخادمات بالرد على المتحدث، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية ، قالت فيوليت معلقة انها تنزعج من الهاتف فردت نورة: ·لا انها رائعة، لست ادري اذا كنا نستطيع البقاء بدونها .
إضافة الى ذلك كانت تتمتع بروح تنم عن معرفة جيدة بسلوكيات التعامل مع الآخرين، وبعد هذه الحياة الحافلة بالعطاء والمشاركة بالتميز، توفيت الاميرة نورة عن عمر يناهز السابعة والسبعين في عام 1368/ 1949م، وذكر فيلبي ان وفاتها كانت في شوال 1369هْ/ يوليو 1950م، ودفنت في مقبرة العود، واثرت وفاتها على مجريات الاحتفال بمرور خمسين عاما على استعادة الرياض.
علاقته بزوجاته:
إذا كان نمط العلاقة السابقة قام على المحبة الصادقة المبنية على القربى، فإن نمط العلاقة القادم نمط خاص تمليه معطيات العلاقة بين الرجل والمرأة بهدف تكوين الاسرة واحلال الاستقرار في ذات الانسان.
وفي هذا الجانب تحفل بعض المصادر بروايات تنم عن عمق فهم الملك عبدالعزيز لطبيعة هذه العلاقة الخاصة وكذلك مقدار احترامه للمرأة الزوجة وتوفير كل حقوقها المشروعة وعدم الاساءة إليها باي حال من الاحوال سواء بقيت معه او انفصل عنها بالطلاق.
ويعجب الباحث المدقق كل العجب عندما يقف على هذا الجانب في سلوك الملك عبدالعزيز فيراه وهو يوازن بين مشاغله العامة الكبيرة وبين حياته الخاصة، فهذه الحياة لم تكن حياة رجل مع امرأة واحدة او حتى أربع نساء، بل كانت حياة متجددة مع نساء كثيرات التقى بهن وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية دافعه الى ذلك ترسيخ الكيان الذي كان يشيده ويبنيه، وبالتالي كان عليه ان يوسع من دائرة التراحم والتقارب مع الاسر والقبائل ليكونوا عضدا ودعما للدولة الفتية في طور بنائها، ومن هنا كانت للملك عبدالعزيز زوجات عدة عاشرهن جميعهن بالمعروف وسرح من سرحهن بالاحسان, فالملك عبدالعزيز بما عرف عنه من زواج متعدد لم يكن هدفه البحث عن المتعة الحسية بل كانت هناك بواعث تدفعه الى الزواج بعضها سياسي لتقوية صلته بالقبائل والاسر الكبيرة ذات الزعامة من اجل وحدة البلاد، وفي بعض الأوقات كان الملك عبدالعزيز يتزوج من قبيلة يكون حديث العهد بحكمها، فتخلص له هذه القبيلة، واحيانا يندفع الى الزواج لاحتواء جزء من أسرته فقدت عائلها كما فعل عندما تزوج بارملة اخيه سعد الجوهرة بنت سعد السديري التي انجبت له سعد ومساعد وحصة والبندري وتوفيت وهي تضع عبدالمحسن، ومن ثم تزوج من اختها سمو الاميرة هيا لكي تعتني بابناء اختها، وقد انجبت له هيا بدر وعبدالمجيد وعبدالاله ونورة ومشاعل.
ومن مظاهر عناية الملك
عبدالعزيز بزوجاته ما يأتي:
1- انه كان يتعامل مع زوجاته برقي واهتمام، فقد كان يعنى بمظهره، وفي ذلك نشير الى ما رواه الامير عبدالله الفيصل من ملاحظاته الشخصية اذ يقول ·انه حضر الى قصر الملك في احدى الليالي بعد صلاة العشاء فقيل له ان الملك مشغول داخل بيته، يقول الامير: لم يكن هناك ضيوف ولم يكن الوقت مبكرا لاستقبال اي غريب، ومع ذلك كانت الحركة في مقر الملك تدل على ان الملك ينتظر زائرا مهما او انه ذاهب الى مناسبة رسمية، خرج الملك وهو في كامل زينته ثم طلب البخور والطيب وتطيب فسأله الامير هل هو خارج الى مناسبة ما فقال له الملك عبدالعزيز: لا ولكن استعد للنوم وحين ابدى الامير الحفيد استغرابه من هذا الاستعداد او النوم قال له الملك عبدالعزيز: ·الزوجة تلبس اجمل ثيابها وتضع الطيب والزينة لزوجها أليس من حقها ان ترى من زوجها ما يرى منها أليست إنسانة تحب وتكره .
2- انه كان يحرص على مراعاة مشاعرهن وابداء اهتمامه بكل واحدة منهن فمما يذكر انه في حالة ولادة اي واحدة منهن كان يقوم بزيارتها وتفقد احوالها وقضاء حاجاتها، وفي هذا التصرف لمحة إنسانية عميقة.
3- انه اعتنى بتثقيف وتعليم نسائه، وفي ذلك ما يوضح ادراكه العميق لتأثير التعليم على السلوك ودوره في التهذيب.
4ْ انه كان يحسن معاملتهن بعدل وانصاف، وكان عبدالعزيز مع زواجه المتعدد لا يخامره شك بقدرته على ان يعدل بين زوجاته كما امر الله سبحانه وتعالى.
5- انه كان يواصل رعاية المطلقات من زوجاته ويحسن اليهن يعيد غير المنجبات الى اهلهن بإكرام واعزاز، اما المنجبات فكان يسكنهن في منازل خاصة ويتولى مسؤولية الانفاق عليهن، وتؤكد على هذه النقطة سمو الاميرة هيا السديري احدى زوجات الملك عبدالعزيز ومازالت على قيد الحياة متعها الله بالصحة والعافية حيث تقول: ·الملك عبدالعزيز يكرم كل من حوله ويكرم المرأة التي على ذمته ومن هي في عصمته وتنعم ايضا بالمعروف واللطف والمرأة التي على غير ذمته وقد طلقها يعاملها بالاحسان ويكرمها بكل ما فيه رفعة لها من اسباب المعيشة وتستمر لها كل النفقات بدون نقص في اي شيء,, ويؤيد ذلك ما ذكره احد المؤرخين موضحا الموقف ذاته قائلا: ·اذا انجبت له المرأة نسلا واراد ان يطلقها لا يتركها هملا بل يخصص لها قصرا لسكنها ولا ينقص شيئا مما كان مقررا لمصرفها وهي زوجته، فإذا رغبت الزواج بآخر لا يعضلها ويسهل لها سبيل الزواج، بل انه كثيرا ما زوج طليقته ببعض اخوانه وذوي خاصته واعانه على امر النفقة عليها .
6- انه كان يحثهن ويشجعهن على فعل الخير وتقديم العون لابناء المجتمع سواء كان ذلك عن طريق الوقف او المساعدة العينية المباشرة، وقد تأثر أغلب زوجاته بسلوكه المحفز لفعل الخير فعكسن ذلك في تربية اولادهن وموقفهن من المجتمع مما يوضح هذه الصورة وضحى بنت محمد بن عريعر والدة الملك سعود، والجوهرة بنت مساعد بن جلوي والدة الملك خالد، وحصة بنت احمد السديري والدة الملك فهد، وموضي ام الامير ماجد التي لقبت بأم الضعوف.
7ْ انه كان يحرص على ان تكون العلاقات بين زوجاته علاقة ودية بحيث يجتمعن سوية يتزاورن وفي ذلك يقول احد المؤرخين: ·كان من السهل على الملكات الزوجات اللاتي تقيم كل منهن في قصرها الخاص ان تتزاورن وان تقوم علاقات ودية بينهن، بل وان تقوم هذه العلاقات الطيبة بين تلك الزوجات وبين المحظيات اللائي تشاطرهن عطف الملك ورعايته ، وما أكدته سمو الاميرة هيا السديري، في جوابها عن سؤال عن معاملة الملك عبدالعزيز لزوجاته وهل كان فيها تفرقة فاجابت بالقول: ·ابدا لم يكن هنالك فروق وكنا نعيش في بيت واحد كأننا اخوات .
كما ان اولئك الزوجات في حياته كن يستقبلن سوية الضيفات عندما يأتين الى الرياض وتوضح ذلك فيوليت ديكسون التي زارت الرياض مع زوجها في عام 1356هْ - 1937م، حيث ذكرت انه وصلتها رسالة مضمونها: ·النساء الملكيات على استعداد ان يستقبلنك في الساعة الثالثة من صباح الثلاثاء وفي الموعد كانت فيوليت في قصر الملك حيث استقبلت من ام منصور وام طلال والاميرة بزة والدة الامير بندر والامير فواز والاميرة قماشة والاميرة موضي والدة الامير ماجد وفي لقاء فيوليت ما يوضح عمق الصلة بهن فتقول انه اثناء اللقاء (بدأ طفل يصرخ من بعيد فهمست ام منصور بأذن بزة ان تذهب لاسكاته فاطاعت في الحال وانقطع الصوت).
وفي هذا الجانب كان يحرص دون شك ألا تكون هناك اي خلافات بين زوجاته كي ينشأ أبناؤه نشأة سليمة في جو من المحبة والمودة دون النظر الى انتمائهم الى امهات شتى.
ولما كان لكل زوجة من زوجاته خصوصية في حياتها معه رحمهن الله جميعا، فإن من المهم تقديم معلومات عنهن ولضيق الوقت سأكتفي بالحديث عن بعضهن ساردة معلومات تبين جوانب من علاقة الملك عبدالعزيز بالمرأة الزوجة.
وسأبدأ بزوجته وضحى بنت محمد بن عريعر:
وهي تنتسب الى آل عريعر شيوخ بني خالد الذين كان لهم حكم الاحساء خلال الفترة من 1080هْ/ 1769م الى عام 001/ 1795م، وبعد نهاية حكمهم واندحار محاولتهم في الدولة السعودية الثانية حصل خلاف بين آل سرداح وآل عريعر وهم ابناء عم يعودون الى آل حميد فذهبوا جميعا الى البصرة وقطنوا لدى آل سعدون شيوخ المنتفق، وعند وفاة والد وضحى انتقلت والدة وضحى عبطة السرداح بها وبأختها حصة الى القطيف ولجأت الى اخويها نهار وطلمس السرداح اللذين أرادا ان يزوجا بناتها لآل السرداح ولكنها رفضت ان تزوجهن إلا لأبناء عمهن من آل عريعر، واستنجدت بحمادة بن عبدالله الحسين آل عريعر ابن عم بناتها، الذي كان في زيارة للأهوار بالعراق قادما من الكويت، فعاد حمادة وأخذ وضحى معه الى الكويت حيث زوجها من الملك عبدالعزيز وكان على علاقة وطيدة به منذ ان تعرف عليه بواسطة الشيخ مبارك الصباح الذي تزوج بحصة اخت وضحى في فترة لاحقة.
وانجبت وضحى للملك عبدالعزيز ابنه البكر تركي، وفي الوقت الذي كان فيه الملك عبدالعزيز يعمل على استعادة مدينة الرياض انجبت له ابنه سعود.
وعند استعادة الرياض رجعت وضحى اليها مع الامام عبدالرحمن، وهي بذلك من اوائل النساء العائدات اذ لم تبق مع الاخريات اللاتي بقين في الكويت وقدمن في صحبة الملك عبدالعزيز عقب معاركه في الدلم مع عبدالعزيز بن متعب بن رشيد عام 1320هْ/ 1902م.
وفي الرياض انجبت وضحى ابنها الثالث خالد في عام 1320هْ/1903م، ثم ابنتها منيرة، ويذكر انها انجبت ابنا آخر لم نقف على اسمه وقد توفي صغيرا، وفجعت وضحى بوفاة ابنها خالد في عام 1327هْ/ 1910م، وله من العمر سبع سنوات، ثم كانت فجيعتها الكبرى عند وفاة ابنها البكر تركي بوباء الحمى الاسبانية التي اجتاحت نجد عام 1337هْ/ 1919م، وهو العام الذي عرف بسنة الرحمة حيث انتشر هذا الوباء في العالم مع نهاية الحرب العالمية الاولى فقتلت اعداداً هائلة من البشر اكثر مما قتل منهم في الحرب، ووصلت العدوى نجد عن طريق اشخاص قدموا من مناطق موبوءة، فأصاب البدو والحاضرة وفي الرياض حصد الكثير من النفوس فصار في كل بيت مأتم، وكان مصاب الملك عبدالعزيز جللا اذ توفي بسبب هذا الوباء عدد من افراد اسرته منهم ابنه البكر تركي إضافة الى اثنين من ابنائه هما فهد وسعد، وبعض بناته وزوجته الجوهرة بنت مساعد بن جلوي.
وبالرغم من ان الحياة الزوجية بين الملك عبدالعزيز وزوجته وضحى انتهت بالطلاق الا انه كان يكن لها احتراما وتقديرا خاصين، ومن جانبها حافظت وضحى على هذا التقدير والاحترام فاعتنت ومعها اخته نورة بشؤون قصره الداخلية في السنوات الاخيرة من حياته.
وكان لوضحى دور فعال في مجتمعها عن طريق أعمال الخير التي كانت تؤديها، وهو ما يعكس تأثير الملك عبدالعزيز في توجيهها، فقد استثمرت ما لديها من مال على وقف المساجد والمنازل وكانت تسير حملات الحج على نفقتها كما كانت تسخر دخل مزارعها في الخرج والاحساء للاصدقاء وعرف عنها رعايتها لاقاربها فكانت تبرهم بالمال توزعه على المستحقين منهم، كما انها أعتقت مجموعة من الموالي اعانتهم بمنازل خصصتها لهم ودأبت على مساعدتهم.
وامتد العمر بوضحى طويلا حيث شهدت وفاة ابنتها منيرة التي توفيت في حياة والدها الملك عبدالعزيز وان كنا لا نعرف على وجه التحديد تاريخ وفاتها (عام 1360هْ/ 1941م).
كما شهدت وضحى وفاة ابنها الملك سعود في 6 ذي الحجة 1388هْ ْ 23 فبراير 1969م، ثم لحقت به بعد فترة وجيزة، فكانت وفاتها في 19 صفر 1389هْ/ 4 مايو 1969م.
وقبل وفاتها اوصت بثلث مالها للأعمال الخيرية فاستثمرت بعد وفاتها في شراء عقارات موزعة في انحاء مدينة الرياض، ويصرف من ريعها على صيانة الاوقاف التابعة لها كما يصرف من ذلك الريع على المحتاجين من اقاربها وعلى من اعتقتهم، كما استفيد من تلك الثروة التي اوصت بها للأعمال الخيرية في بناء مساجد كبيرة ودعم المحتاجين.
وهكذا تظهر سلوكيات وضحى عمق تأثير الملك عبدالعزيز في نسائه وكيف استطاع ان يجعل منهن نساء خيرات يشاركن المجتمع همومه ويسعين الى مساعدة ذوي الحاجة من ابنائه ولعلنا هنا نتذكر كيف انه كان حريصا على تعليمهن وتثقيفهن وما نهجته وضحى هو من اثر ذلك التوجيه الرائع للملك عبدالعزيز الذي كان يؤمن بدور العلم في تهذيب الاخلاق ورقي النفس.
اما الزوجة الثانية التي اخترناها لتكون ضمن علاقة الملك عبدالعزيز بزوجاته فهي طرفة المولودة في عام 1301هْ/ 1884م، في منزل عرف اهله بحب العلم والاهتمام به، الامر الذي اكسبهم مكانة وعلوا في المجتمع، وهي ابنة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وكان الملك عبدالعزيز قد وثق صلته بالشيخ عبدالله بن عبداللطيف بعد استعادته الرياض عام 1319هْ/ 1902م، لما وجد فيه من العون والمساعدة فتزوج بابنته طرفة في عام 1321هْ/ 1903م، وانجبت له ابنته نورة في عام 1322هْ/ 1904م ثم انجبت له فيصلا في عام 1324هْ/ 1906م.
وبحكم نشاتها اتسمت طرفة بطيب المعشر وجميل الخصال مما جعلها تحظى بمكانة رفيعة في نفس الملك عبدالعزيز ومن خلال تلك الحظوة تمكنت من تخفيف حدة حزن الملك عبدالعزيز على زوجته الاولى بنت الفكري التي ظل طوال حياته غير قادر على نسيانها.
غير ان مشيئة الله لم تمهل هذا الزواج السعيد ان يستمر طويلا وان يستمتع فيصل بالقسط اليسير من حنان والدته ورعايتها، اذ توفيت طرفة بعد ستة اشهر من وضع ولدها ·وكأنما كانت رسالتها في هذه الحياة ان تعيش لتهب المسلمين والعرب هذا الفتى العبقري .
وقد ترك وفاة طرفة في نفس الملك عبدالعزيز ألما وحزناً وظل طوال حياته يذكرها بحسرة ولا يتردد في ذكر اسمها وتعديد صفاتها لأصدقائه المقربين وعيناه تدمع بذكراها وكان يدعو الله ان يتيح له صحبتها في آخرته.
والنموذج الثالث الذي يوضح هذه العلاقة هي زوجته الجوهرة بنت مساعد بن جلوي وهي من بنات عمومته، فوالدها مساعد بن جلوي بن الامام تركي بن عبدالله، كان إضافة الى انه من ابناء عمومة الملك عبدالعزيز ابن خالته لأن والدته هي نورة بنت احمد السديري اخت سارة والدة الملك عبدالعزيز.
وتزامن ميلاد الجوهرة مع سقوط الدولة السعودية الثانية في اعقاب موقعة المليداء عام 1308هْ/ 1819م فعاشت حياة فيها الكثير من المعاناة والقسوة بدايتها الخروج الى الكويت مع والدها مساعد الذي صحب الامام عبدالرحمن بن فيصل، وكانت حينها ابنة ايام او اشهر وفي الكويت نشأت في كنف والديها في ظل ظروف صعبة كما كان حال الاسرة السعودية، وزاد الامر صعوبة وفاة والدها في الكويت في العام نفسه.
ولما كانت اسرة آل جلوي خير سند للإمام عبدالرحمن في غربته، فقد تكونت بينهم وبين بقية افراد اسرته علاقة حميمة ومن هنا فإن الملك عبدالعزيز عندما فكر في استعادة الرياض وجد في آل جلوي خير معين له فكان معه في رحلة العودة الى الرياض اخوها عبدالعزيز بن مساعد واعمامها عبدالله وعبدالعزيز وفهد.
وتظهر المعلومات السابقة عمق العلاقة الاسرية التي كانت تربط اسرة الجوهرة بأسرة الامام عبدالرحمن، وهي علاقة اثرت دون شك في اتخاذ الملك عبدالعزيز قراره بالاقتران بالجوهرة بنت مساعد، وزاد من قوة التأثير ما كانت تتميز به من صفات خلقية حميدة ومن جمال وذكاء فتزوج بها عام 1326هْ/ 1908م، وهي في السابعة عشرة من عمرها، وكان ان وجد فيها ما اعاد اليه نبض حبين سابقين لزوجتين ابعدهما الموت عنه هما بنت الفكري وطرفة آل الشيخ.
وقد أحب الملك عبدالعزيز الجوهرة حبا غامرا وتعلق بها حتى انه كان يتألم لألمها، كما كان ينظم فيها قصائد تعبر عن حبه لها، وعلى الرغم من انه كانت له زوجات أخريات في حياتها، الا انه احتفظ بحبه الحقيقي لها وحدها من دونهن جميعا، كأنما كانت زوجته الوحيدة، وهو ما عبر عنه احد الباحثين بالقول بان علاقته بها كانت ·اكثر من اية امرأة اخرى تزوجها قبلها او بعدها ولعلها كانت تمثل ·حبه الاعظم .
ولعل ما يؤيد ذلك ايضا ما نقله مؤرخ آخر عن لسان الملك عبدالعزيز بأنه قال: ·في كل مرة بدت فيها الدنيا مظلمة من حولي، ولم يكن بمقدوري أن ارى مخرجا لأتخلص من المخاطر المحدقة بي، ومن المشاكل التي تواجهني كنت اجلس وانظم ابياتا من الشعر للجوهرة ولدى انتهائي من ذلك كانت الدنيا تشرق فجأة في عيني، وكنت اهتدي الى ما كان علي ان اقوم به .
وللتأكيد على عمق محبة الملك عبدالعزيز للجوهرة وكيف انه كان يفكر فيها في كل وقت خاصة حينما تواجهه الصعاب، يورد محمد اسد نقلا عن الملك عبدالعزيز ما حدث له اثناء حصاره للهفوف عام 1331هْ/ 1913م: ·كنا على مرأى من الهفوف، ومن الرابية التي كنت جالسا عليها استطعت ان ارى بوضوح اسوار القلعة الحصينة التي كانت تشرف على البلدة وكان فؤادي مثقلا بالحيرة وكنت أوازن بين فوائد هذا العمل واخطاره، لقد شعرت بالملل وبالشوق الى السلام والحنين الى البيت، وعندما فكرت في البيت رأيت وجه زوجتي الجوهرة ماثلا امام عيني، وبدأت افكر في بعض الابيات التي يمكن ان اقولها لو كانت حينذاك الى جانبي، وقبل ان اشعر بذلك شغلت بنظم قصيدة لها ناسيا بالكلية اين كنت ومبلغ الخطورة في القرار الذي كان علي ان اتخذه وحالما اصبحت القصيدة جاهزة في فكري كتبتها على ورقة ووضعتها في مظروف ختمته وناديت واحدا من سعاتي وامرته قائلا: ·خذ اسرع ذلولين واركب الى الرياض وسلم هذا الى ام محمد ، وبينما كان الساعي يختفي في غمامة الغبار الرملي، وجدت فجأة انني وصلت الى قرار بشأن الحرب: انني مهاجم الهفوف وان الله لا بد ان ينصرني .
وفي المعلومات السابقة ما يظهر جانبا خفيا من حياة الملك عبدالعزيز الخاصة وكيف انه كان رهيف الحس يحمل في اعماقه أسمى معاني الحب للزوجة، يشتاق اليها ويكتنفه الوله الغامر والحنين لذكراها.
وقد انجبت الجوهرة للملك عبدالعزيز ثلاثة ابناء هم محمد وخالد (الملك فيما بعد) والعنود.
وكانت وفاة الجوهرة في سنة الرحمة عام 1337هْ/ 1919م، وقد تصدع قلب الملك عبدالعزيز لوفاتها وتأثر اشد الاثر وكان عليه ان يغالب شعوره فالحداد ·العلني على فقدان ابن محارب هو امر مقبول، إلا انه تعين على عبدالعزيز ان يحزن على فقدان اعز زوجاته الجوهرة، والدة ابنائه محمد وخالد في السر، ويمكننا ان نتصور الحزن الذي غمره , وكيف لا يكون الامر كذلك وقد فقد المرأة التي غمرت قلبه بالحب.
وظل طوال الأشهر الاولى في حزن دائم بسبب ذلك الحدث الذي كان بمثابة مأساة اليه، واستمر حزنه عليها حتى انه اغلق الحجرات التي كانت تستعملها واحتفظ بخدمها وعبيدها، وكان في كل يوم جمعة يزور قبرها بعد صلاة الصبح.
وبقيت وفاة الجوهرة حزنا دائما في حياة الملك عبدالعزيز حتى انه بعد مرور ثلاث عشرة سنة على وفاتها لم يكن قادرا على نطق اسمها دون ان يغص حلقه وان تدمع عيناه واستمر هذا الحزن رفيقا له حتى بعد ثلاثين عاما من تلك الوفاة، متمنيا ان يتيح له الله رفقتها في الجنة.
وتبين المعلومات التي تخص حزنه على وفاة الجوهرة ما كان يخالج ذلك القائد العظيم المهاب الذي ترتعد فرائص الاعداء عند سماع اسمه من رقة وانسانية عامرتين.
اما النموذج الاخير فهو الحديث عن الاميرة: حصة بنت احمد بن محمد السديري
ولدت حصة في عام 1318هْ 1900م، وهي تنتمي الى السدارى من البدارين من الدواسر، واقام جدهم في بلدة الغاط في سدير التي تعد موطن عائلة السديري حتى اليوم.
وكان لافراد من هذه الاسرة ادوار ايجابية منذ بدايات الدولة السعودية الاولى، وعلى وجه الخصوص الفرع الذي ينحدر منه احمد بن محمد السديري (جد حصة لوالدها) الملقب باحمد الكبير، الذي اسهم افراده بخدمات جليلة في خدمة الدولة السعودية الثانية والثالثة وكان من ابرزهم احمد بن محمد بن احمد بن محمد الذي شارك منذ شبابه المبكر في بعض العمليات العسكرية ضد محمد بن عبدالله بن رشيد (1289 ْ 1315هْ/ 1872 ْ 1897م) كما عرف عنه ملازمة الملك عبدالعزيز بعد استرداده الرياض 1319هْ/ 1902م، فعينه أميرا على الوشم، ثم سدير ثم الافلاج، ثم القصيم، ثم عاد مرة اخرى فأصبح أميرا على الافلاج الى عام 1334هْ 1916م، وكان خلال فترة تنقلاته الادارية يشارك الملك عبدالعزيز في بعض الاعمال الحربية.
أما والدة حصة فهي شريفة السويّد، التي تنتمي الى البدارين من الدواسر، ولا تعطينا المصادر المتاحة اي معلومات عنها.
ونشأت حصة في اسرة كبيرة اذ كان لها من الاخوة الاشقاء تركي والجوهرة ولطيفة، ومن غير الاشقاء عبدالعزيز وخالد ومحمد وعبدالرحمن ومساعد وسليمان وبندر وسلطانة وعمشا وشيخة وشعيع وموضي وسارة والبندري ومنيرة وهيا.
وفي اعتقادنا ان حصة حظيت برعاية جيدة من والديها، وهو ما تعكسه جليا صفاتها الحميدة مما لفت انتباه الملك عبدالعزيز اليها، اضافة الى جمالها، فتزوجها عام 1321هْ/ 1913هْ ولها من العمر ثلاثة عشر عاما، فأنجبت له ابنه سعدا الذي عاش لمدة خمس سنوات، وتوفي على اثر انتشار وباء الحمى الاسبانية في نجد عام 1337هْ/ 1919م، (سنة الرحمة).
ثم طلقها الملك عبدالعزيز فتزوجها الامير محمد بن عبدالرحمن بن فيصل وانجبت له ابنه عبدالله، ثم طلقت منه وتزوجت مرة اخرى الملك عبدالعزيز في عام 1339هْ 1921م).
وعدت حصة أكثر زوجات الملك عبدالعزيز انجابا، فقد ولدت له فهد (الملك) وسلطان وعبدالرحمن وتركي ونايف وسلمان واحمد ، اضافة الى سبع بنات هن فلوة وشعيع وموضي ولولوة ولطيفة وجواهر والجوهرة.
وحظيت حصة بمكانة كبيرة ومنزلة عالية عند الملك عبدالعزيز نتيجة لسلوكها الحميد واخلاقها الرفيعة، ففيما يروى ان الملك عبدالعزيز كان يقول انه لم يسمع منها اي يوم كلمة تسيء لأحد او تضر بأي شخص، ونتيجة لهذه المكانة فقد كانت من احب زوجاته الى نفسه حتى انه كان يدعو الله ان ترافقه في الجنة.
وتميزت حصة بحس اسري عميق فقد كرست حياتها للاهتمام بتربية اولادها، والعناية بشؤونهم إذ كانت تحرص على ان يكونوا قريبين منها دائما، فمن ذلك انها كانت تصر على ان يجتمعوا جميعا على مائدتها للغداء يوميا، وتسأل عن اسباب تأخر احدهم عن الحضور، وهو ما يدلل على رغبتها في تقوية اواصر الاخوة بينهم وتلاحمهم، كما حرصت كل الحرص على الاهتمام بشؤون زواجهم، من مثل ما فعلته في زواج ابنيها فهد وسلطان عند زواجهما من منيرة والعنود ابنتي عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، اذ تولت تجهيز بيتهما بما يحتاجان اليه من اثاث ومفروشات، واظهرت لمنيرة والعنود ولوالدتهما، كثيرا من المودة والاكرام والتقدير وقالت فيما قالته: ·الاولاد أولادي (تعني ابنيها فهد وسلطان) والبنات بناتي (تعني منيرة والعنود)، وانا اتولى بنفسي امر تجهيز بيوتهما بما يلزمها من اثاث وفرش .
ثم تولت بنفسها تجهيز بيت ابنها نايف عند زواجه من الجوهرة بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي.
ومن جانب آخر كان لحصة اهتمام بالعمل الخيري الانساني، فقد كانت تقوم بتوزيع الصدقات على المحتاجين في ايام معينة من السنة خاصة في شهر رمضان، وتتولى بنفسها ايصالها اليهم، وكانت تحرص على الجلوس الى الفقيرات للاستماع اليهن ومعرفة احتياجاتهن,, وفتح بابها للناس وشفاعاتها لهم.
إضافة الى ذلك كان لها اهتمام بالجانب العلمي فسعت الى نشر العلم بين الاطفال عن طريق تشجيعهم على حفظ القرآن ومكافأة من يحفظه منهم بجوائز تشحذ همة الآخرين، كما انها حرصت على توفير الكتب لطلبة العلم بوقفها عليهم، ومن الكتب التي ما زالت تحمل ما يدل على ذلك نسخة من الجزء الثاني من كتاب الفروع في الفقه لشمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي، ودون عليه نص وقفيتها الآتي: ·قد دخل هذا الكتاب في ملك حصة بنت احمد السديري بالشراء الشرعي واوقفته على طلبة العلم، لا يباع ولا يوهب ولا يورث وجعل النظر فيه لعبدالعزيز بن فائز، ]فمن بدله بعدما سمعه فإنما اثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم[، وأولت الأميرة حصة اهتماما خاصا ببناء المساجد,, وبعد حياة حافلة بالعطاء توفيت في عام 1389هْ / 1969م، عن عمر يناهز الواحد والسبعين عاما.
نعود الى النموذج الاخير الذي اخترناه لتوضيح علاقة الملك عبدالعزيز بزوجاته وهي:
فهدة بنت العاصي بن شريم الشمري:
المولودة في العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري على وجه الترجيح اعتمادا على فترة زواجها من سعود بن عبدالعزيز بن متعب بن رشيد (1326هْ ْ 1338هْ / 1908 ْ 1919م) الذي كان في عام 1328هْ/ 1910م في سن الثانية عشرة من عمره.
وبعد مقتل زوجها الاول سعود بن عبدالعزيز بن رشيد في عام 1338هْ 1919م تسارعت احداث حائل فكان سقوطها على يد الملك عبدالعزيز في 29 صفر 1340هْ/ 31 اكتوبر 1921م وحرص الملك عبدالعزيز بما عرف عنه من جانب إنساني كبير وبعد نظر على توثيق الصلة بينه وبين آل رشيد فأولى نساءهم عنايته وعلى وجه الخصوص ارامل سعود بن عبدالعزيز فتزوج بفهدة في عام 1340هْ 1922م، وتبنى ابنها.
ولعل من الاسباب التي دفعت بالملك عبدالعزيز الى الزواج بها ما كان لأبيها من مكانة رفيعة ازدادت قوة ووثوقا بعد سقوط حائل ليصبح من ابرز المساندين للملك عبدالعزيز والمشاركين معه في بعض الأعمال الحربية من بينها وقعة السبلة في عام 1347هْ/ 1929م.
وأنجبت فهدة للملك عبدالعزيز سمو الأمير عبدالله ·ولي العهد حالياً وشقيقته صيته ونوف.
أما وفاتها فكانت في الرياض عام 1353هْ/ 1934م.
أما عن علاقة الملك عبدالعزيز بالنساء من غير أسرته فكان يحكمها العدل والاحسان والعطف وفي هذا الصدد يمكننا أن نقسم النماذج هنا الى قسمين: قسم يتعلق بتعامله مع نساء ينتمين الى خصومه مثل آل رشيد وآل سبهان وفي هذا المجال نبرز موقفه من فاطمة بنت زامل بن سبهان التي عرفت بموقف متشدد من الملك عبدالعزيز وصل إلى درجة التحريض والحث على التصدي له وعدم الإذعان لشروطه عندما حاصر حائل عام 1340هْ 1921م وكانت صاحبة النفوذ فيها والمسيطرة على الأمور فيها.
فما ان انتهت الأحداث في حائل حتى شرع الملك عبدالعزيز في نقل أبناء الأسرة الحاكمة آل رشيد وأتباعهم الى مدينة الرياض معززين مكرمين، وكانت فاطمة من بينهن وعند وصولهم الى الرياض كانت شقيقته نورة بنت عبدالرحمن في استقبالهن ولا شك ان ما فعلته الأميرة نورة كان بايعاز من أخيها الملك عبدالعزيز.
أما فيما يخص نساء آل رشيد فقد شملهن عدل الملك عبدالعزيز وغمرهن تعامله الإنساني كما هو حال أبناء شعبه في كافة المناطق ومن كل الطبقات، وهناك مواقف تظهر نبله واهتمامه بهذه الفئة دون وضع اعتبار لمواقف سابقة من ذلك عامة ما يذكره هاشم الرفاعي الذي كان في خدمة الملك عبدالعزيز من انه طلبه ذات يوم فلما دخل عليه وجد بيده قائمة حساب بأشياء جلبت من بومباي ومنها ألبسة حريرية فاخرة فسلم إليه القائمة وأمره ان يقارنها بالألبسة نفسها فقام بما أمر به ووضع بين يديه خلاصة المقارنة وكان ذلك في حضور فيصل بن رشيد، فسأله الملك عبدالعزيز عن عدد نساء الرشيد فعدهن واذا بهن يبلغن 33 امرأة يقول الرفاعي: ·فحسبنا حساب الألبسة الحريرية فإذا بها لا تكفي لنساء آل سعود وآل رشيد معا، فقد نقصت اثني عشر ثوباً، فأمر الملك عبدالعزيز بحفظ الألبسة في الأحساء وألا ترسل الى الرياض لتوزيعها الا بعد ان يجلب من بومباي ما يسد النقص، واشترط ان تكون من نوع الحرير نفسه وشكله وجنسه، وهنا أبدى فيصل بن رشيد ملاحظة بقوله: ·يوجد عندكم يا طويل العمر ألبسة حريرية كثيرة وهي وان لم تكن من نوع الألبسة المراد تأخيرها إلا انها لا تقل عنها من حيث الجودة فدعنا نسد النقص منها .
فرد عليه الملك عبدالعزيز بكل نبل: هذا لا يكون!! كيف ترضى النفس بتفضيل نساء السعود على نساء الرشيد؟ واذا رضيت أنت فأنا لا أرضى!! ثم هب اني اترك النقص من نصيب النساء السعوديات فهل لديك من القدرة ما تمكنك من تخليصي من غضبهن يا فيصل؟ ·قال كلمته الأخيرة وهو يبتسم معاذ الله أن أترك واحدة من نساء الرشيد ينكسر بالها وأنا في الوجود، يا ولد اخبر ابن جميعة يحفظ الألبسة ولا يرسلها الى الرياض الا بعد ان آمره بذلك.
وحفظت الألبسة في الأحساء ولم ترسل الى الرياض إلا بعد أن جلبت البقية من بومباي.
أما علاقته بالنساء من عامة الشعب فقد كانت علاقة مبنية على الاحترام والتقدير والرحمة فكان ينظر إليهن باعتبارهن أفرادا من رعيته التي جعله الله مسؤولاً عنها، وتحمل الرواية الشفاهية الكثيرة أن الملك عبدالعزيز كان يتعامل بطريقة مثالية مع العاملات في قصوره يوصي بهن خيراً ويغدق عليهن من العطايا، ويضم بناتهن إلى بناته فكن صديقات لتلك البنات.
كما انه لم يكن يتردد في الاستماع إلى امرأة مهما كان وضعها وفي أي مكان تقابله فيه فقد يجد امرأة في الطريق فتشير إليه فيتجه نحوها ويسمع شكواها، فان كانت مظلومة انصفها أو سائلة أرضاها، أو طالبة طلباً مشروعاً أمر بتنفيذه في الحال، ويوضح هذا الجانب ان امرأة عجوزا استوقفته في الطريق، وقالت له: يا عبدالعزيز أسأل الله أن يعطيك في آخرتك كما أعطاك في دنياك، فسر الملك لهذه الدعوة وأمر أن تعطى كل ما كان لديه في السيارة، فاذا بها عشرة أكياس كل كيس به خمسمائة ريال، الجميع خمسة آلاف ريال، فلما أعطيت لها عجزت عن حملها فأمر لها الملك بذلول تحمل عليها هذا المبلغ كما أمر لها بخادم يوصلها الى منزلها في الصحراء.
وحادثة أخرى أن امرأة مسنة وقفت يوماً على باب قصره تشكو إليه أمر قضية في ميراث لها، وقالت له: ليس لي من يدافع عن حقوقي، فناداها وأخذ ما بيدها من الأوراق، ووعدها بأنه سيكون وكيلاً عنها في الدفاع، وبالفعل نظر في الحجج التي بيدها وأرسل القضية الى المحكمة الشرعية.
وأخذ جلالته يسأل كل يوم عن تلك القضية حتى قررت المحكمة في شأنها، وابلغ المرأة الحكم وأمر بانفاذه.
كما يظهر اهتمام الملك عبدالعزيز بالنساء عامة فيما أبداه من حرص على تعليمهن ادراكاً منه بان التعليم وسيلة لرقي المرأة وتقدمها وتوسيع دائرة فاعليتها في المجتمع.
كما يوضح ذلك عنايته بتعليم بناته وحفيداته، فقد كان حريصاً على أن يختمن القرآن ويفهمن الحديث، لذلك كان يحضر لهن المطاوعة، وفي فترة لاحقة انشأ كتاباً لهن كانت من أشهر مطوعاته منيرة بنت سعود الفوزان التي كانت تلقى الدعم الكبير من الملك عبدالعزيز حتى انها ساعدت في تعليم عدد من بنات الرياض آنذاك.
وهناك وثيقة توضح انه - يرحمه الله - ساند مشروعاً رفع الى مجلس الشورى بتاريخ 21 صفر 1350هْ /7 يوليو 1931م، بخصوص اصلاح كتاتيب البنات في الحجاز والاستزادة منها، ومعاونتها قدر الطاقة.
كما أن تأثيره في تعليم المرأة كان واضحاً في مناطق أخرى من المملكة اذ ظهرت في فترته كتاتيب في مدن وقرى من مثل: كتاب صديقة شرف الدين علي نرول في جدة وسارة بنت محمد بن عبدالعزيز المتين في الهفوف وسارة بنت عبدالرحمن بن فهد الصميت في الدوادمي وزهرة بنت محمد بن ابراهيم فلاته السنارية في المدينة وزينب حسن عبدالله مغربل في المدينة وتركية بنت عبدالله سليمان العمير في الرس والطاف بنت عمر صائب في الطائف ونورة بنت عبدالله بن سليمان السياري في القويعية ومنيرة بنت سليمان بن صالح في حريملاء ومطيرة الرماحا في الرس ومريم بنت علي العاشور في الهفوف ولطيفة بنت عبدالله بن حيدر في حريملاء ولطيفة أحمد الملا في الهفوف وفاطمة هانم بنت يوسف في المدينة وفاطمة بنت خليل محمد فلاته في المدينة وعائشة بنت مجاهد بن يوسف في بلدة روضة رمان وطرفة بنت عبدالله بن سليمان السياري في القويعية وطرفة بنت محمد الخريف في حريملاء، وغيرهن كثيرات.
ذلكم هو عبدالعزيز الإنسان الذي كان أسداً هصوراً في مواقف الحكم والحرب والمواجهة مع الأعداء.
وفي الوقت نفسه كان رقيق الحاشية ودوداً لطيفاً عادلاً في تعامله مع النساء يشفق عليهن ويرعى جانبهن ويتودد إليهن ويصغي الى الضعيفات منهن، ويقبل نصح الكبيرات من آل بيته ويراعي حق الله في بناته وزوجاته، تلك لمحة خاطفة عن انسانيته التي لا تتسع إلى تقصيها ورصد كل احداثها محاضرة موجزة كهذه التي القيتها بين أيديكن اليوم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
|
|