Tuesday 2nd November, 1999 G No. 9896جريدة الجزيرة الثلاثاء 24 ,رجب 1420 العدد 9896


الملك عبدالعزيز والمرأة
إعداد : د, دلال بنت مخلد الحربي
(1)

ضمن مشاركة منطقة القصيم بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، نظمت كلية التربية المتوسطة في الرس محاضرة بعنوان المرأة في حياة الملك عبدالعزيز مساء يوم الاثنين 23/7/1420ه.
وقامت بإلقاء هذه المحاضرة الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي الاستاذة المساعدة في كلية التربية بالرياض، التي تقدمت بورقة العمل الآتية والتي تعرضت فيها الى جانب خفي من علاقة الملك عبدالعزيز بالمرأة، هذا الجانب الذي أغفل في كل الدراسات السابقة عن الملك عبدالعزيز والتي تناولت مختلف مواقفه السياسية ومعاركه الحربية,.
* ونص الورقة الآتي:
شغلت شخصية الملك عبدالعزيز المهتمين بالتاريخ الحديث وعلم الاجتماع والسياسة والادارة والادب والعلوم العسكرية، لما تميز به من صفات فذة قيادية وإنسانية، وإذا كان كل جانب من جوانب هذه الشصية يعد مثالا لما يمكن طرحه من نماذج تحاكي في تميزها وتدهش بحجم إبهارها، فإن جانب علاقة الملك عبدالعزيز بالمرأة لا يخلو هو الآخر من التفرد والتميز.
فقد كان - يرحمه الله - ينهج سلوكا راقيا رائعا في علاقته بالمرأة وهو في ذلك يعكس جانبا من تربيته وعقيدته فقد تأسى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع المرأة وعامل بوصاياه بها، كما ان تعامله يعكس نوع التربية التي تلقاها في طفولته ومرحلة صباه والتي كان لبعض نساء اسرته اثر ظاهر في موقفه من المرأة كما تجلت فيما بعد.
وتستوقف علاقة الملك عبدالعزيز بالمرأة اي باحث يود اكتشاف جوانب من شخصيته فهو إن كان ذلك القائد الصارم المهيب والسياسي المهتك الذي شاد دولة وخاض اشرس المعارك وفاوض اعتى السياسيين فقد كان في الوقت نفسه على مستوى علاقته الشخصية بالمرأة ابنا بارا، وابا حنونا وأخا عطوفا وزوجا مهتما وملكا منصفا لنساء شعبه.
وإذا ما تتبعنا علاقته - رحمه الله - بالمرأة فإن من المنطقي ان نبدأ بنساء اسرته، ومن المتوافر من المعلومات والروايات الشفاهية يتضح لنا انها كانت علاقة وطيدة متينة، فعلاقته بوالدته سارة بنت احمد بن محمد السديري ارتكزت من جانب على البر والاشادة بفضلها، بينما كانت علاقته بعماته نورة والجوهرة وطرفة، علاوة على كبار نساء الاسرة على درجة كبيرة من العمق، وقائمة على محورين محور التبجيل والتقدير لهن والعطف عليهن من قبله، وصلتهن بشكل دائم الى آخر حياة كل واحدة منهن، والمحور الآخر تعلقهن به ورعايتهن له وتوجههن بالنصح له في فترات شبابه.
واما علاقته بأخواته فإننا نلمس فيها عمق الترابط والتراحم وقوة الصلة، ولعل علاقته بشقيقته نورة برهان على ما نذهب اليه،فقد امتزجت حياة عبدالعزيز بحياة اخته نورة فتقاربا وتعاضدا تحت مظلة من الحب الاخوي الصادق الذي لم تشبه شائبة، فكانت نورة اقرب النساء الى نفس عبدالعزيز يحبها ويرعى شؤونها ويصغي لنصحها ويفضي اليها بأسراره ومكنونات نفسه، وفي المقابل كانت هي تمحضه حبها وودها وتخاف عليه اشد الخوف ، وتتلمس كل ما يمكن ان يخفف عنه اعباء الحياة وثقلها في مرحلة تأسيس الدولة التي بناها.
وفيما يخص علاقته بزوجاته فقد كان يرحمه الله مراعيا حقوق الله فيهن،عادلا، محبا، متفهما، ودودا، وتوجهت مشاعره هذه الى بناته وحفيداته اللاتي غمرهن بحبه ومودته وحرص على تنشئتهن على مبادئ الاسلام والتقاليد العربية الأصيلة وتقويم سلوكهن.
اما المرأة بصفة عامة فقد وجدت من الملك عبدالعزيز كل عون ومساعدة وتقدير إذ تجسدت في خلقه رحابة الصدر التي تتمثل في سماع كل شكوى، ورفع كل مظلمة او قهر.
هذه الصورة المتوشية بالأخلاق الرفيعة والتي انطوت عليها نفس عبدالعزيز في موقفه من المرأة تبين بجلاء ان رجل هذه الارض اتسم بمعاملته الكريمة للمرأة وانه كان يكن لها تقديرا واحتراما خاصين.
ولما كان من الصعب تتبع هذا الجانب من علاقة الملك عبدالعزيز بالمحيطات به من النساء تتبعا دقيقا الا من خلال زمن طويل ورصد متأن دقيق، فقد ركزنا في موضوعنا على نماذج من هذه العلاقة وقدمنا مثالا لما يمكن طرحه في دراسة موسعة في هذا الموضوع تشمل خاصته واهل بيته, وليس اقرب في هذا المضمار من الأم والعمة والأخت والزوجة مع إضافة نماذج توضح علاقته بعامة النساء، واخرى تبين كيف كان يتعامل مع نساء ناصبنه العداء فكان عفوه وتسامحه اكبر من مواقفهن حتى تمكن من احتواء تلك المشاعر العدائية لتتحول الى مشاعر ود وندم على ما فات.
سارة بنت أحمد بن محمد السديري:
ولدت سارة على وجه الترجيح في العقد السابع من القرن الثالث عشر الهجري، في الاحساء نظرا لأن والدها أحمد بن محمد السديري كان اميرا عليها من قبل الإمام فيصل بن تركي (1250 - 1254ه/ 1834 1938م) (1259 1282ه 1843 1865م) حتى وفاته عام 1277ه 1868م, وكان والدها قبل توليه إمارة الاحساء قد تبوأ مناصب إدارية اخرى، كما كان له إسهامه العسكري، وتتجلى في سيرته المواقف الجليلة، والشجاعة الفائقة، والخدمات الانسانية، ورعاية الادب، خاصة الشعر منه.
وقد سار إخوتها محمد وتركي وعبدالمحسن وعبدالعزيز وسعد وعبدالرحمن على سيرة والدهم عملا وخلقا، فكان لبعضهم اسهام في خدمة الدولة السعودية الثانية في مواقع ادارية مختلفة بين جهات عمان والاحساء وسدير والقصيم، إضافة الى مشاركتهم العسكرية، اما عن اخواتها فقد وقفنا على اسم اثنتين منهن هما نورة وفلوة.
ورغم اننا لم نقف على معلومات عن والدتها الا ان صفات ابنائها تعكس ما كانت تتسم به هي الاخرى من صفات حميدة.
وفي هذه البيئة نشأت سارة, رغم انها لم تتلق اي قدر من التعليم، عندما بلغت سن الرشد اظهرت ما يدل على عمق تربيتها وحسن توجيهها، فكانت من اكمل النساء عقلا وتدبيرا، إضافة الى إبداعها الشعري.
ووصفت بالجمال وطول القامة، وأشار الى ذلك جملة من الذين تحدثوا عنها فيقول احدهم: كانت امرأة طويلة، وان منها جاءت النوعية المميزة لطول القامة بين السعوديين .
ويقدم آخر معلومة اكثر تفصيلا عن سابقيه فيقول: كانت والدة عبدالعزيز سارة بنت احمد السديري، امرأة فارعة الطول ذات بنية كبيرة كغيرها من افراد عائلة السديري، ويقال: ان عبدالعزيز ورث قامته المديدة وبنيته الكبيرة عن امه .
وكانت سارة قد تزوجت من عبدالله بن احمد بن عبدالجبار، ولم تنجب منه ويذكر محمد جلال كشك ان زوجها حملها مسؤولية عدم الانجاب فطلقها، غير ان احدى الوثائق الخاصة بسارة تشير الى انه توفي عنها، وانها ورثته.
وبعد وفاته تزوجت بالامام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، فتمنت على ان يرزقها بالولد فيساوي الدنيا وما فيها ، وقد استجاب الله دعاءها وفأنجبت فيصلا ثم نورة ثم انجبت عبدالعزيز سيد جيله، ثم يزة وهيا وسعداً.
ويوضح زواج اختيها نورة من جلوي بن تركي بن عبدالله، وفلوة من محمد بن فيصل بن تركي، الى جانب زواجها هي نفسها من آل سعود عمق الصلة التي تربط بين اسرة السديري وآل سعود، وانها صلة قديمة توثقت فيما بعد بشكل اكبر بزواج آخرين من آل سعود من بنات ينتمين الى هذه العائلة.
وعملت سارة على تربية ابنائها وتوجيههم الوجهة الصحيحة، واعدتهم الاعداد الملائم لتحمل التبعات في مستقبل الايام.
وتبدو لنا فضائل خلق سارة في المواقف التي عصفت بأسرتها بعد موقعة المليداء عام 1308/ 1891م، فقاسمت زوجها الإمام عبدالرحمن الاغتراب عن الوطن حيث تجملت بالصبر، ورقت بشمائلها وتقواها، غير آبهة بزينة الاميرات فكفلت زوجها في ترحاله، واحاطت ابناءها بعنايتها ورعايتها.
ويظهر خط سير الامام عبدالرحمن ورحلته الطويلة التي بدأت من خروجه من الرياض حتى استقراره في الكويت، عظم موقف سارة وقوة احتمالها،و مؤازرتها لزوجها، وتحملها الصعاب معه، إذ تبين الفترة التي قضتها في الصحراء مع اسرتها في منازل آل مرة والعجمان، بين يبرين والاحساء، ما ذهبنا اليه، وعندما شعر الامام عبدالرحمن بصعوبة حياة الصحراء على نساء اسرته، بعث بهن الى البحرين وفيها عاشت آمنة مع بقية نساء الاسرة، ثم انتقلت معهن الى قطر، ومنها الى الكويت حيث سكن الامام عبدالرحمن واسرته في منزل متواضع يتكون من ثلاث غرف لا يقاس بجانب القصر الذي عاش فيه مع اسرته في الرياض.
وفي الموطن الجديد واصلت سارة رعاية ابنائها واهتمامها بهم، وفي تلك الفترة سعت الى تزويج ابنها عبدالعزيز فبحثت له عن زوجة ووقع اختيارها على بنت الفكري.
وعندما عزم عبدالعزيز على استعادة ملك آبائه واجداده، وجد في والدته خير معين وسند له، وتجلى ذك منها في موقف حمل كل معاني التضحية والاقدام، اذ طلبت من والده ان يسمح له بتكرار المحاولة، عقب فشل محاولته الاولى لما لمست منه من إصرار وعزيمة وهي بين عاملين: حب الابن والاشفاق عليه من تلك المغامرة، او النزول على طلبه، لفتح الباب له على مصراعيه وبعد ان اكمل عبدالعزيز استعداداته لينطلق من الكويت، ذهب الى امه ليودعها، وهنا جاش في صدرها حنان الأم وتغلب عليها الخوف عليه، فبكت بكاء حاراً.
وحاولت ان تثنيه عن قصده غير ان اخته نورة شجعته.
وقد اشار الى دور سارة في مسيرة ابنها، بعض من كتب عن الملك عبدالعزيز، فوضحوا تأثره بها، وفضلها في توجيهه، كما ان الملك عبدالعزيز ذاته كان يذكرها ويشيد بما كان لها من فضل عليه في كل مناسبة,وتوفيت سارة في الرياض في أواخر عام 1327ه/ 1910م.
علاقته بعماته وكبار نساء اسرته:
وفقا لتسلسل صورة العلاقة التي ربطت بين الملك عبدالعزيز بالمرأة نبدأ بأهل بيته في طفولته وهن عماته وكبار نساء اسرته وبصدد هذا الموضوع ارتبط منذ فجر حياته بثلاث عمات هن نورة والجوهرة وطرفة بنات الإمام فيصل بن تركي وقد كان لكل واحدة منهن تأثير واضح عليه خلال مسيرة حياته، الا ان تأثير الجوهرة كان هو الأكبر والأعمق والأكثر وضوحا، وسوف اعرض لهذه العلاقة متحدثة عن كل واحدة من عماته الثلاث بشكل منفرد اعتمادا على السن, ففيما يخص نورة التي هي كبرى بنات الإمام فيصل بن تركي، فقد كانت عزوة آل فيصل ينتخي بها اخوتها، عرفت بشخصيتها القوية ورأيها السديد وشجاعتها الفائقة، ومن دلائل ذلك أنها أظهرت مواقف مضادة لآل رشيد الذين بسطوا نفوذهم على الرياض في اعقاب موقعة الميلداء عام 1308ه/ 1891م، والتي استتبعها خروج أخيها الإمام عبدالرحمن وبعض افراد اسرتها الى الكويت، بينما بقيت هي واختها الجوهرة واخوها محمد في الرياض.
ونتيجة لتصديها لبعض الأحكام الجائرة التي كانت تصدر من عامل ابن رشيد اخرجت من الرياض في عام 1316ه بأمر من سالم بن علي بن سبهان وتولى أمر اخراجها عبدالرحمن بن ضبعان، وقد تضررت الاميرة ايما تضرر من ذلك الحكم الجائر نفسيا ومعنويا، وعانت الامرين في سبيل تدبير خروجها سرا الى الدرعية، وبمعاونة من الشيخ حمد بن فارس وبعد رحلة مضنية لا تقوى المرأة على تحملها سالكة الدروب غير المطروقة وصلت الى الدرعية مع من رافقها من خاصتها حيث اهتم بها علي بن ناصر وكان من اعيان الدرعية، وبقيت الاميرة نورة مقيمة في الدرعية حتى وفاتها عام 1318ه, وتحتفظ لنا ذاكرة التاريخ بأول حادثة توضح نمط التعامل الذي كان بين الملك عبدالعزيز وعمته الاميرة نورة وكان ذلك عام 1318ه/1901م، عندما عاد من الكويت بهدف استعادة الرياض تلك المحاولة التي لم يكتب لها النجاح كما هو معروف تاريخياً فقدم عليها واهتم بأمرها اقام عندها فترة، وعندما وصلته انباء هزيمة معركة الصريف قرر العودة الى الكويت، وحينها طلب من عمته بعض النقود فأعانته بما كانت تملك وزادت عليه مبلغا آخر استدانته، ومن ثم خرج الملك عبدالعزيز من الدرعية بعد ان طلب من علي بن نصار رعاية شؤون عمته نورة، وقد اعطاه علي بن ناصر وعدا بأنها مخدومة ومحشومة ودعا له ولرفقائه بالنصر.
اما علاقته بعمته الاميرة الجوهرة فكانت علاقة وثيقة تعود الى زمن الطفولة، وقد احتفظ الملك عبدالعزيز لها بصورة متوهجة يجللها الحب والتقدير، ولم ينسه ما وصل اليه من مجد بعد كفاح طويل ما يجب ان يوليه إياها من عناية واهتمام.
فالأميرة الجوهرة محضت الملك عبدالعزيز في طفولته عناية خاصة، وكأنما هي قد توسمت فيه ان يكون الشخص الذي يعيد ملك الآباء والاجداد، ويلم شتات آل سعود ويوحد كلمتهم ويمحو صورة الفرقة التي شهدتها في حياتها المبكرة بعد وفاة والدها الامام فيصل بن تركي عام 1282ه/ 1865م، عندما دب النزاع بين اخوتها، وما نتج منه ذلك النزاع من اضعاف لشوكة الحكم واضمحلال الدولة، وبروح فاحصة كأنما كانت تستشرف المستقبل عملت على تنمية روح العزيمة فيه ودفعت به على الاصرار على استعادة ملك آبائه واجداده, وعن هذا الفضل يتذكر الملك عبدالعزيز من فترة طفولته ان الجوهرة كانت الوحيدة من بين افراد عائلته التي تعرف القليل مما كان يعتمل في فؤاده المتحمس ويصف مشاعره اتجاهها ودورها في شحذ همته، وجعله يستعد لما هو قادم بالقول: لقد كانت تحبني,,, كانت عندما تنفرد بي تضعني في حجرها وتنبئني بالامور العظيمة التي كان علي ان احققها إذا ما كبرت، كانت تقول لي: عليك ان تحيي عظمة بيت آل سعود .
وكانت الجوهرة تؤكد لعبدالعزيز وهو طفل صغير وترسخ في ذاته ركائز الحكم واسسه كما كان في عهد اسلافه من آل سعود,, ومن ذلك ان يسعى الى رفع شأن الاسلام والمسلمين ببث الدعوة السلفية، ثم انها كانت ترسخ في ذاته انه ذلك القائد الذي سوف تجد معه شبه الجزيرة العربية كل عزة وتمكين فكانت تردد على مسمعه لا تكن عظمة بيت ابن سعود غاية مساعيك ان عليك ان تجاهد لعظمة الاسلام وان قومك لفي أمس الحاجة الى قائد يرشدهم الى طريق النبي الكريم، وانك انت ستكون ذلك القائد , وقد كان لهذه التوجيهات اثرها العميق في نفس الملك عبدالعزيز، كما يوضح أحد المؤرخين الذي نقل عن لسان الملك عبدالعزيز قوله: لقدبقيت كلماتها هذه ولا تزال في قلبي دائما .
ويبرز احد الباحثين دور الجوهرة وتأثيرها في شخصية الملك عبدالعزيز فيقول: حملته عمته الرسالة ولقنته وهو طفل مسؤولياته في إعادة ملك آل سعود، وفي نشر الإسلام,, وليس كالمرأة في الحفاظ على الاسرة والدين والوطن، وما من بيت ملك يقوى ويزدهر الا اذا كانت اميراته واعيات بمسئوليات الملك ,والجدير بالذكر ان الجوهرة بقيت في الرياض في اعقاب موقعة المليداء عام 1308ه/ 1891م، ولم تغادرها الى الكويت مع اخيها الامام عبدالرحمن، وكانت إقامتها آمنة من مضايقات رجال محمد بن عبدالله بن رشيد نتيجة لطلب الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ عدم مضايقتها، في الوقت الذي غادرت فيه أختها نورة الرياض الى الدرعية كما أشرنا سابقا.
وفي فترة بقائها داخل الرياض كانت تعيش بالقرب منها ابنة اخيها سارة بنت الامام عبدالله بن فيصل حيث تولت رعايتها وتربيتها، ويبدو ان الجوهرة شعرت بشيء من الخطر على ابنة اخيها من رجال ابن رشيد فانتهزت قدوم عبدالعزيز الى الرياض في عام 1318ه/ 1901م، فاشارت عليه ان يعقد على سارة ويحملها معه الى الكويت، واستجاب الملك عبدالعزيز لطلبها، وكأن الجوهرة بعملها ذلك ارادت منه حماية سارة وربطها بأسرتها، خاصة ابرز اعضاء الاسرة في تلك الفترة الملك عبدالعزيز, وقد أدت الجوهرة دورين مهمين في مرحلة توحيد المملكة احدهما على المستوى الشخصي لحياة الملك عبدالعزيز والآخر على المستوى العام:
فالأول: ان الملك عبدالعزيز كان يعتمد عليها في تثقيف النساء وتعليمهن في قصره,والثاني: ان الملك عبدالعزيز كان يستشيرها ويصغي الى نصحها في كثير من شؤونه، ويأخذ برأيها في كثير من الأحيان, وامام هذين الدورين ومكانتها في نفس الملك عبدالعزيز فإننا لا نعجب من حرصه على زيارتها يوميا وكانت تلك سنة حسنة للملك عبدالعزيز في صلة الرحم، لا يتركها مع كثرة اشغاله ووفرة أعماله، فكان يقرن زيارتها بزيارة والده، ومن جانب آخر كانت الجوهرة تحرص على زيارة اخيها الامام عبدالرحمن يوميا، مدللة على عمق صلتها وقوة عاطفتها نحو أخيها,ويتبين لنا من حديثنا السابق عن الجوهرة عمق صلة الملك عبدالعزيز بها، وانها صلة امتدت من طفولته حيث كانت من العوامل الرئيسية التي اثرت في بناء شخصيته، وان هذه الصلة استمرت بينهما وثيقة وطيدة الى حين وفاتها عام 1350ه/ 1931م، عند احد الباحثين في حين يرى آخر انه في عام 1354ه/ 1935م، وأيا كان الاختلاف بين التاريخين فقد كانت وفاتها بعد ان شهدت مسيرة توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن.
وظل الملك عبدالعزيز طوال حياته يؤكد أنها المرأة الوحيدة التي كان لها تأثير قوي في مسار حياته.
ومن العمة الجوهرة ننتقل الى العمة الصغرى طرفة التي هي صغرى بنات الإمام فيصل بن تركي، ولا تسعفنا المصادر بأي معلومات عن علاقتها به في طفولته إلا ان ما وقفنا عليه انه كان حريصا على برها وصلتها تقديرا منه لها ومن مظاهر بره أنه كان يزورها يوميا، كما كان يقصدها خصيصا حتى لو كان في سفر خارج الرياض ونستشهد بذلك بتوجهه من مكة الى الرياض في 30 رجب 1349ه/ 20 ديسمبر 1930م من اجل رؤيتها والاطمئنان عليها وعلى صحتها.
ومن جانبها كانت طرفة شديدة التعلق به، كثيرة السؤال عنه وأول مستقبليه في حال عودته من سفر ومرافقة له في احيان اخرى من مثل ادائها للحج بصحبته.
وتبين من حديثنا السابق ان التأثير الاسري في حياة الملك عبدالعزيز لم يقتصر على والديه بل امتد الى المحيطين به من مثل عماته، وان عمته الجوهرة كانت الاكثر تأثيرا فهي التي غرست في ذاته منذ صغره مهمة استعادة ملك آبائه واجداده مستندة على ما لمسته فيه من نبوغ واستعداد للقيام بالمهام الجسام,, ونشير بصدد هذا الى دور ابنة عمه نورة بنت الامام عبدالله بن فيصل بن تركي والتي يؤكد بعضهم على انها شاركت الجوهرة في هذا الدور وانها لقنت الملك عبدالعزيز وهو طفل مسؤولياته في إعادة ملك آبائه واجداده.
نورة بنت عبدالرحمن
بن فيصل آل سعود:
تعد نورة كبرى بنات الإمام عبدالرحمن وكان ميلادها في عام 1292ه 1875م، في مدينة الرياض، فهي بالتالي تكبر الملك عبدالعزيز بسنة واحدة، وارتبطت نورة بأخيها عبدالعزيز برباط وثيق من طفولته المبكرة إذ كانت تشاركه اللعب.
وكانت رفيقته عند خروج الامام عبدالرحمن بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء 1308ه/ 1819م.
وبعد سنوات من استقرار الإمام عبدالرحمن في الكويت كانت نورة عاملا مهما في شحذ همة أخيها عبدالعزيز في السعي نحو استعادة ملك آبائه، فوفقا للمعلومات المتاحة فقد كانت هي التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد ان اخفق في المرة الأولى، فأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، وعندما عزم على الخروج من الكويت بصحبة لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حارا وحاولت ان تثنيه عن قصده، غير ان نورة شجعته، وهو الامر الذي انتهى الى نجاح عبدالعزيز ذلك النجاح المعروف تاريخيا.
والموقف السابق يدلل على ان نورة كان لها دورها في تثبيت الملك عبدالعزيز على موقفه وهو جزء من مواقفها المساندة لأخيها خلال إقامة الاسرة في الكويت.
وعندما استرد الملك عبدالعزيز الرياض واستقر فيها، وعادت اسرته اليها، برز دور نورة مؤثرا في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، ومن نماذج ذلك ما يأتي:
اولا: انها كانت عامل ترابط بين آل سعود عندما وافقت على الزواج من سعود بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل بن تركي والملقب بسعود الكبير، وفي هذا الصدد كان زواجها هذا اسمى رمز للمصالحة بين عبدالعزيز وابناء عمومته، والمرجح ان زواجها كان عام 1321ه/ 1904م، لأنه العام الذي انضم فيه سعود الكبير الى الملك عبدالعزيز بعد هزيمته في معسكر عبدالعزيز بن متعب بن رشيد.
وعلى الرغم من ان استمرار خلاف سعود الكبير مع الملك عبدالعزيز فترة من الوقت، إلا انه عاد عام 1330ه/1912م ليصبح من اشد المقربين والمخلصين له، ونرجح من جانبنا ان من العوامل التي ادت الى هذا التحوّل في موقف سعود هو تأثير نورة فيه إذ كان يكن لها حبا شديدا، وتدلل مواقفها معه على حكمتها وتعلقها ورغبتها في رأب الصدع بينه وبين أخيها، كما انه من جانب آخر ساعد زواج نورة من سعود الكبير أخاها الملك عبدالعزيز على استقطاب قبيلة العجمان التي كانت تحترم نورة وتقدرها اعتبارا لأواصر القربى حيث ان والدة زوجها من هذه القبيلة.
ثانيا: انها جنبت اخاها مشاكل وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، خاصة في السنوات الاخيرة من حياتها، فكانت تحل مشاكل القصر وتتدبر الحلول التي تنهي تلك المشاكل.
ثالثا: انها كانت تشرف على تسيير امور نساء العائلة.
رابعا: انها كانت تشفع عند الملك عبدالعزيز لكثير من المحتاجين، ومن لهم مشاكل تحتاج الى حل.
خامسا: ان الملك عبدالعزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور وكان يلجأ اليها ليتحدث معها كثيرا ويبحث امورا من شؤونه، ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الاسرار.
سادسا: ان الملك عبدالعزيز كان يعتمد عليها في بعض الجوانب التي تخص شؤون القبائل، خاصة ما يتعلق بالنساء اللاتي لهن صلات بأفراد من شيوخ القبائل وذوي السلطة في المجتمع، فقد وجهها في رسالة بعث بها إليها بان تهتم بوالدة ضيدان بن حثلين، من العجمان، فكان جوابها عليه برسالة بتاريخ 7 محرم 1339ه/ 20سبتمبر 1920م جاء فيها: تذكر ادام الله وجودك من طرف ام ضيدان والذي جنابكم يوصي عليها ان شاء الله ما امرتم على الرأس وهي الآن عندنا .
سابعا: انها مارست بشخصيتها المميزة واجبات السيدة الاولى فكانت تستقبل زائرات الرياض من الاجنبيات، وتأذن لهن بزيارة ورؤية معالم معينة فيها.
ثامنا: انها كانت تهتم بتنمية قدرات الاطفال، وتوسيع مداركهم العلمية وتحفيزهم على التعلم، ويبدو ذلك من اهتمامها بالاطفال الذين يختمون القرآن اذ كانت تكافئهم على فعلهم.
وهذه الادوار المؤثرة التي كنت تؤديها نورة هي ناتج علاقتها الوثيقة بالملك عبدالعزيز، وهي علاقة امتزجت فيها الاخوة بالصداقة بكل ما تحملانه من مضامين المشورة واخذ الرأي وبث الهموم والنصح، دليل ذلك ان الملك عبدالعزيز كان يزورها يوميا ويحرص بشدة على ألا يمر يوم دون زيارتها.
كما يدلل على قوة العلاقة ومتانة الرابطة بينهما انه في الثلاثينات عندما وصل الهاتف الى الرياض قام المهندسون بمد اول خط هاتفي بين قصر عبدالعزيز وقصر شقيقته نورة .
كما يدخل في هذا المضمار ان نورة كانت تكاشف الملك عبدالعزيز بكل الامور دون خوف او تردد نستشف ذلك من رسالة بعثتها اليه في رمضان 1330ه/ اغسطس 1912م، ردا على رسالة منه تقول فيها: موجب الخط ابلاغ السلام، والسؤال عن عزيز خاطركم، كذلك اخذنا كتابك المكرم مسرورين بسلامتكم وعافيتكم، وما ذكرتم كان معلوما خصوصا طول الله عمرك انا نسيء الظن فيك هي عين الحقيقة، ولا هو بسوء ظن طوّل الله عمرك شرهة عليك، البيوت التي غيرنا ما غفلت عنهم بشيء، عسى الله يديم وجودك، انت خابر ما لنا الا الله ثم أنت، إذا ما فكرت في احوالنا من يفكر فيها؟ , ولذلك فلا عجب ان تحظى نورة بمكانة خاصة عند الملك عبدالعزيز لم تحظ بها اي امرأة اخرى في عصرها، وكعادة الرجل النجدي كان الملك عبدالعزيز يعتزي بها حيث يردد: أنا اخو نورة وفي حالات غضبه الشديد يكنى بها حيث يقول: انا اخو الانور المعزي ,
ومن المؤكد ان اعتزاز عبدالعزيز بنورة كانت اشد واقوى من هذه العادة التي اكسبتها الأخت المتميزة مع اخيها، والتي أتاحت لها ان تقوم بدور مؤثر في كثير من جوانب الحياة في عهد الملك عبدالعزيز - انظار كثير من المؤرخين والباحثين خاصة اولئك الذين اتيح لهم مقابلتها والسماع عنها عن قرب، ففيوليت ديكسون V iolet Dickson التي قابلتها في عام 1356ه/ 1937م مع بعض نساء عبدالعزيز اعجبت بها بصورة خاصة ووصفتها بأنها: من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحا وانها من: أهم الشخصيات في الجزيرة العربية وكذلك انها تعد: من أجمل واعظم واشهر البنات في كل عصر .
وأما هاري سنت جون فيلبي H. St. John Philby فقال عنها: (كانت السيدة الأولى في بلدها).
ويسجل ديفيد هاوارث David Howarth انطباعه عنها بالقول: أبدى ابن سعود اهتماما ورعاية لأخته نورة طوال حياته .
اما فيما يخص جوانب حياتها وشخصيتها، فإن زواجها من سعود الكبير اثمر عن محمد وحصة والجوهرة.
ومن الصفات التي تميزت بها شخصيتها انها كانت تتمتع بالحصافة والحكمة ورجاحة العقل والدين والورع والفضل، وهي تشبه بشخصيتها واخلاقها وكرمها شقيقها الملك عبدالعزيز.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
محاضرة
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved