منعطفات هموم الصحة (4) والظلم من شيم النفوس! د, فهد سعود اليحيا |
في مكتب مدير المستشفى المحترم (الصفة عائدة الى كل من المدير والمستشفى) دخل احدهم وحيّا المدير، وقال إن فلانا مدين للمستشفى بمبلغ من المال (يبدو ان الموضوع قد وصل الى حد اجراءات التقاضي), طلب المدير من المحاسب إحضار ملف المذكور، وألقى نظرة عليه ثم قال: - نعم هو مدين للمستشفى بمبلغ 11,000 ريال، وها هو طلبٌ بخط يده يتعهد فيه بسداد المبلغ خلال فترة وجيزة.
- لا حول ولا وقوة الا بالله، والله انه رجل فاضل، ولا ادري لماذا تأخر,!
- المزعج في الامر المماطلة، والتهرب، وعدم الرد على اتصالاتنا, لو طلب حينها التقسيط لفعلنا ذلك.
- ومتى كان ذلك,؟
- منذ سنة بالضبط، في التاريخ الفلاني,.
- الله يهديه، لو فعل ودفع 1000 ريال في الشهر لانتهى منه.
- هذا عين الصواب.
- حسن! دعني استخدم تعبير إغلاق الموضوع, هذه ستة آلاف ريال ولتغلق القضية,؟
- نصف المطلوب؟!
والله إنها من مالي فهو عزيز عليّ.
- كمان,! من مالك؟ توكلنا على الله,, يا فلان - للمحاسب - يعتمد، ولننهِ الموضوع.
حدث هذا امام عيني في الاسبوع الماضي، وانا على ثقة ان هذا ومثله يتكرر كثيرا وبصور مختلفة, ببساطة، لأننا بشر نعيش على الارض في هذه الدنيا الفانية، فلا بد من وجود التلاعب والتحايل، ولهذا وُجد المحتالون وقُطّاع الطرق وشذاذ الآفاق، فكما ان هناك متلاعبين ومخطئين في صفوف الأطباء ومالكي المراكز الطبية، هناك مثلهم في كل فئات المجتمع، والمثل المصري يقول: دود المش منه فيه , ولهذا أيضاً كانت الشرائع والانظمة والقوانين، إذ لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم كما ان الظلم من شيم النفوس وتبقى العلة التي تحد من الظلم في تعزيز الرقابة والقانون، وكل ما ورد في الحلقات الماضية، ولن تجدي ملايين النصائح وآلاف الخطب والمواعظ.
وأسوأ جملة، وأكثرها بلاهة، يتفوه بها الناس ويرددها محترفو الاحتيال على المراكز الطبية هي: الطب مهنة إنسانية ! فهل هناك مهن إنسانية؟! وأخرى - مثلا - حيوانية؟! ويقولون لك لا ! ليس هذا المقصود! ولكن هذه المهنة مرتبطة بحياة البشر , حسنٌ! فمن يبني مخالفا المقاييس فتقع العمارة على ساكنيها، ومن يصلح فرامل سيارة مستخدما قطعا مزيفة، ومن يبيع مواد غذائية مغشوشة، ومَن ,,, ومَن,, ومَن,,، كل اولئك ألا يتعاملون مع حياة البشر؟ وصحتهم,.
ويقولون هذا تاجر وليس بطبيب وهم يعرفون تماما انهم يتعاملون مع منشأة فيها رأس مال مستثمر، ولها تكاليف تشغيل، وتستهدف الربح، وليست جمعية خيرية قائمة على التطوع والتبرعات, فالمسألة ليست في التجارة من عدمها ولكن ان هناك تارة نظيفة، وأخرى سوداء، وثالثة ملطخة بالبقع.
وهنا ملاحظة أهديها لمجالس الغرف التجارية، ورجال الاعمال وكل المشتغلين بالتجارة, الدارج بين الناس عندما يسخرون من سوء أخلاق شخص ما ان يقولوا ان اخلاقه تجارية! والأطرف من ذلك إعلان يتردد في إحدى الاذاعات حيث يشتكي الزوج من ان طبقاً ينكسر كل يوم، فتجيبه امرأته بأن الحق عليه، لأنه يشتري الاطباق التجارية ، ولا يشتري من محلات (,,,,) الذي يشتغل بالتجارة، ولعلّ مؤسسته تحمل صفة تجارية !! وهكذا ارتبطت تجارية بكل ما هو سيىء! فما رأي الغرفة التجارية ؟.
هذا في زعمي يعكس شكاً وريبة من قبل المستهلكين، مبنية على خبرة شعبية واسعة في علاقة غير سويّة بين التاجر والمستهلك، وأرى ان علينا جميعاً مسؤولية وضع الأمور في نصابها الصحيح فاتفاقية الجات ستطبق على رقاب المؤسسات التي تتعامل بإسلوب تجاري وتطردها من السوق: فعلى رجال الاعمال وغرفهم التقيد بمواثيق شرف، وعلى الجهات الرسمية تعزيز الضوابط والقوانين، وعليها أيضاً، تشجيع إنشاء جمعيات نفع عام، تساعدها وتشدُّ من أزرها، وتهدف الى حماية المستهلك من الاستغلال، وحمايته من نفسه، فلا يطلب باطلاً قد يتخفى وراء كلمة حق!!
|
|
|